الحمد لله رب العالمين الهادي إلى الصراط المستقيم بيده العزة والتمكين، وعد بأن يعز عباده المؤمنين ويمكن لهم بالأرض إن هم أطاعوه وأقاموا الدين، ثم نصحوا له ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم أجمعين، نصحوا له حين أقاموا شرعه وأظهروه في نفوسهم وفي ما ولاهم من شأن صغير أو كبير، نصحوا لكتابه بأن حكموه بينهم وجعلوه دستورهم حين استغنوا به عن دساتير العجم ومنهم الفرنسيين،
نصحوا لرسوله صلى الله عليه وسلم حين اتبعوا سنته ورفعوها فوق قوانينهم ودساتيرهم، وحكموها فيما هم قادمون عليه من خصام بل جدال عقيم، نصحوا لأئمتهم حين بصروهم بما جهلوا من حكم كتاب ربهم وسنة نبيهم وإجماع المسلمين وأوله بوجوب الحكم بشرع الله في أمور الدنيا قبل أمور الدين إذ لا علمانية في بلاد المسلمين ومن قال بغير هذا فهو زنديق يجب رده للصواب فبعدا له لا مُقام له بيننا نحن المسلمين، نصحوا لعامة المسلمين حين علموهم أن الحق في شرع الله الحكيم الذي أنزله بعد أن غمرت العالم أحكام الفلاسفة والمتشدقين وظنوا أنهم بلغوا في الحكم غايته كما حال الديمقراطيين ومن اغتر بهم من المسلمين فصرت ترى العالِم يتشدق بالديمقراطية وكأنها بها خلاص الإسلام والمسلمين فأنى لهم ذلك إذ ابتعدوا عن شرع الحكيم فأورثهم ذلك الذل والصغار فصارعوا يتصارعون بينهم كالكلاب على الجيف الغث منها و السمين، فأنى لهم أن ينصروا أنفسهم فكيف بقدس أو فلسطينḷḷḷ
وبعد فأحمد الله أني لا أومن بالديمقراطية مع أني لم أجد من يؤمن بها حتى من يُظن أنه وضعها، فتراهم حين تكون المصلحة فيها فهم ديمقراطيون وحين تكون في غيرها فكفرا بها بعد أن كفروا برب العالمين الذي [أطعم من جوع وآمن من خوف] فهل ترى يصل بهم الحد إلى أن يجعلوهم أربابا للعالمين تبعا لديمقراطية فرعون اللعين؟
بل أكتب بوصفي شخصا مسلما وليس إسلاميا إذ هو ’’سماكم المسلمين’’، أكتب غيرة على ديني القويم ونصيحة لي ولمن بقلبه ذرة إيمان من إخواني المسلمين حكاما كانوا أو محكومين، أكتب غيرة على وطني الجريح من قبل قوم لا هم لهم سوى النهب كأنهم ما عاشوا بين المسلمين ولا يدرون خطورة فعلتهم في الدنيا قبل يوم الجزاء يوم الدين، أكتب لأكون سندا للعقلاء من بني وطني والغيورين على وطنهم من بني جلدتي والمخلصين الذين فضلوا المواجهة مع ما يلاحقهم في بلادهم من ظلم وحيف لمن كان على شاكلتهم من الصادقين، بل رضوا بحالهم وإقصائهم وفضلوا ذلك على أن يكونوا يدا في هدم وطنهم بأيديهم وأفواههم وأقلامهم قناعة منهم أن بعد الضيق يأتي النصر والتمكين [وجَعَلْنا مِنْهُم أئِمَّةً يَهْدونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَروا وَكانوا بآياتِنا يُوقِنُونَ].
يبدو أن الأفارقة يعانون مشاكل مع دساتير بلدانهم فلا ترى رئيسا قدِم إلا أراد أن يعدل دستور بلاده كأن من وضع الدستور السابق ليس مواطنا ولكن المشكلة ليست مشكلة دساتير بل المشكلة هي تشخيص أمور الحكم فالحاكم ينظر للدولة كأنها دولة له هو بشخصه ولا أحد يشاركه فيها غيره بل تتوجه بتوجهات ويختزل أمورها في قراره ونظرته، فهل رأيتم الدول التي ترى تسلسل الأمور بدلت دساتيرها أو غير رئيس من سياساتها بل كل شيء مرسوم وفق سلم سليم فالرئيس يأتي بنفسه ويذهب بها وتبقى الدولة بهيئاتها وسياساتها لأنها نفوس تحرم شعبها قبل وتعلم أن التقدم لا يأتي بسفاسف الأمور وبذل جهد الأمة وطاقتها وأموالها في سبل الجن والشياطين كأن الأمة لم تكن لها دساتير ولا قوانين شرعها رب العالمينḷ
إن الخلل كل الخلل أن يتسارع الأئمة -أئمة المساجد- الذين يفترض أنهم قادة للإصلاح والتنوير، أن تراهم يتسارعون إلى دعم المسرح وهدر قوى الشعب في مهب الريح فتلك علامة خسار وبادرة سوء أريد بالأمة ’’فويل للعرب من شر قد اقترب’’ فالشر كثر والفساد انتشر، وأي شر وفساد أعظم من أن ترى مثل هؤلاء يضيعون أوقاتهم الثمينة في هباء.
إن الخلل كل الخلل أن يعطل العمل الحكومي وتسعى الحكومة ورئيسها في شرق الأرض وغربها برجالها وسياراتها وطائراتها لا لشيء إلا لكلمة أو كلمتين عن تعديل أو تزيين -سموه ما شئتم- فما هو عندنا ولا عندكم بذي شأن ولكنها الفوضى الخلاقة بل الحلاقة ’’تلحق الدين’’، ’’تحلق الوطن’’ فهي حقا [لا تبقي ولا تذر]، فهل هذا من الإصلاح ؟ ألا يوجد ما هو أولى من هذا يفيد المواطن ويبني الوطن؟ أليس الأجدر بهذه الجنود والوفود أن تكون مسيرة لتوعية الشعب في ضرورة التعلم، ضرورة الجد ونبذ الكسل، ضرورة التعاون والتكافل، ضرورة عون الضعيف والتكفل بالمريض إلى غير ذلك من قائمة تطول أوليس فيكم يا قوم رجل رشيد؟
ولكن بدل كل هذا ترانا نختزل المشكلة في الشيوخ والعلم والنشيد وغير ذلك من كلام لا يقنع ولا يفيد، فلماذا كل هذا اللعب بالعقول، اللعب بالمال وهدره في غير الحلال، فهل رأيتم يا عقلاء دولا تقدمت بنشيدها؟ أم لم تروا في أكثر البلدان تقدما مجالس للشيوخ وترفض أحيانا قوانين أتتهم من قبل الرئيس أم هو الكفر بالديمقراطية التي يتشدقون وهم أول كافر بها إذا ناقضت أفكارهم فأي قسمة هذه أهي سوية؟ أوليس الأولى أن يصرف كل هذا في إصلاح البنية الهشة للعاصمة ومستشفياتها ومدارسها، في إصلاح التعليم، في سقاية الناس في العاصمة وغيرها من مدن، في دعم العاطلين والمزارعين و، ...
على العقلاء من الموريتانيين أن يعلموا أن هدم خيرات البلاد لن يدوم وأن الكل مسؤول عن نفسه ثم عما قدم لبناء دولته وأمته فليكن رقيبا على نفسه قبل أن يكون غيره رقيبا عليه وعليه أن يلوم نفسه في فعله وتقصيره فإن من أساء كان السوء مصيره، ثم إن المزكى من زكاه رب الناس لا الناس فلا يجعل المرء من نفسه لنفسه شماتة وعليه أن يطيب ذكره ويجعل من حياته أثرا حسنا لمماته، قال جل من قائل : [سنَكْتُبُ ما قَدَّموا وآثارَهُمْ]، فإليه المرجع وبه نستعين والحمد لله رب العالمين.