غادرت مدينة كيفه الحبيبة عاصمة ولاية لعصابه مساء السبت الفارط رفقة بعض الإخوة الأعزاء والساسة النبلاء في رحلة تضامنية بلْ وتواصلية مع الإخوة الأشقاء والسادة الفضلاء في مقاطعة بومديد مهد الشهامة والصدق والعهود والإيباء..ومنبع العلم والحلم والزهد والتعبد والتفرّد والتجرّد والوفاء.. وحاضرة الشموخ والرسوخ والتميز والتّألق والعطاء...,
أولئك آبائي فجئني بمثلهمْ***إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ
غادرنا كما أسلفت مدينة كيفه مساءً مُيممّين وجوهنا شطر بومديد العزيزة وعند البساتين الشمالية لمدينة كيفه استوقفنا نوءٌ كثيفٌ يحثّ الخطى غرباً مؤذناً بنزول مطر رائع ماتع رائق وشائق..طال انتظاره من الجميع بعد ما صوّحت الأوطان وحار الإنسان وتاهَ الحيوان...وذبلت الأعشاب ونضبت مياه الأمطار السالفة الهطول خلال الأسابيع الماضية, أقول استوقفنا ذلك المطر بعاصفة هوجاءَ قوية القتار ومضمخة بالوبل والطّش والرّشّ والغبار..إذا مدَّ أحدنا يده لمْ يكدْ يراها من شدّة القتام وقوة الأزيز والصدام, فتوقفنا مُرغمين مشدوهين..وللفرج والخير من ذي الجلال والكرم مُنتظرين ولرحماته متعرّضين ومسْتنشقين... وبنبيه مستشفعين ومتوسلين.. وبعد برهة ليستْ بالطويلة جداً هطل علينا مطر خفيف أثلج الصدور ومهّد الأمور وسكب الحبور وأغدق الفرح والسرور.. فتبارك الله أحسن الخالقين.
ثم امتطينا صهوات سياراتنا مواصلة لرحلتنا الجميلة هذه رغم ما شابها من وعث السفر ومطبات كانت في مجملها بسيطة إلى أبعد الحدود ولله الحمد وله المنة والثناء الحسن..,.
ولقدْ خلّف هذا المطر على بعض القيعان في طريقنا بقعاً من المياه متناثرة هنا وهناك ممّا نتج عنه مطبات ومنزلقات أمام السيارات نظرا لطبيعة الأرض الطينية اللّزجة إلى أبعد الحدود فلمْ تعدْ السيارات قادرة على سرعتها الطبيعية كيْ لا تزلَّ أو تنزلق.. لأنّ كوابحها باتتْ معطلة من شدة الطين اللزج والمطاط, إلاّ أنّ الله سلم وبفضله ولطفه وتوفيقه... استطعنا تخطي كلَّ العقبات وكسبنا كلّ الرهانات دون كبير عنت أوْ عناء...,
كنا نحمل في إحدى سياراتنا خلال هذه الرحلة الرائعة جملا أورقاً يققاً مكتنز الشحم كثير اللّحم قويَّ البنية ضخم السواعدْ ينفي الأقارب والأباعدْ, بالكاد تستطيع السيارة أنْ تستوعبه من طوله وضخامته..!! فما إنْ نقطع خطوات يسيرة أوْ هنيهات قصيرة حتى نتوقف مرغمين لتثبيته في مكانه المناسب حتى لا تفقد السيارة التي تقلّه توازنها أوْ تزلزل الرحلة زلزالها, سرنا رويداً رويداً والأفراح والأشواق تسابقنا صوب الأهل والأحبة والإخوان ومرابع الطفولة والصبا.. وعند ازورار الشمس إلى الغروب مؤذنة بالأفول أمام ليل زاحف آذن ظلامه أنْ يرخي سدوله على مدينة بومديد الجميلة حضن العهود والعلوم والشهامة والسيادة والإخلاص والتجرّد والتقوى..., كانت سياراتنا تمخر عباب مدخل بومديد الجنوبي في منخفض رمليٍّ صعب المراس تترنّح فيه السيارات رباعية الدفع ترنحاً وتمشي الهوينا تمصلحاً حتى لا تزلّ قدمها أوْ تفقد توازنها أوْ تإطَّ أطيطاً من شدّة لبثها وعنائها..,
وأخيراً أزفتْ اللّحظة التي ترقبها الجميع واستعذب صداها البصير والسميعْ واستوى في ارتشاف حميَّاها الوضيع والرفيعْ...فسبحان الله اللطيف الرحيم الخبير السميعْ...,
فلا تسألوني بارك الله فيكم عن مشاعر القوم لحظة الوصول ولا عن مدى الترحاب والتحنان والتعانق والقبول...!!!
وقدْ يجمعُ الله الشّتيتين بعدما***يظنّان كلَّ الظنِّ ألاّ تلاقيا
لقدْ تمَّ استقبالنا في حفاوة منقطعة النظيرْ من قبل الرجال والنساء والكبير والصغيرْ.. فبتنا في فرح وسرورْ وأصبحنا على أبهى حفاوة وحبورْ يخدمنا في مشهد مشهود مهيب مؤثّر ومثير...عليّة وسادة القوم الكبير منهم والصغير..ويرقب الكلُّ منهم بتلهّف وحماسة كلَّ بنت شفة ينبس بها أحدنا من أجل قضائها في لمح البصر سواء كان شيخاً أوْ نائبا أوْ عريفا أوْ أميرْ...!! فكأنما هم في كرمهمْ وأريحيتهمْ يعينهم الشاعر القديم
مسكين الدارمي بقوله:
لحافي لحافُ الضيف والبيت بيته *** ولمْ يُلهني عنه الغزالٌ المْقَنَّعُ
أحدِّثه إن الحديث من القِرى *** وتكلؤُ عيني عينه حين يَهجعُ
فلله درهمْ من قوم كرام من الطراز الأول فلا زالوا في عزة وشموخ وإيباء, وداموا في صحة وعافية وتميّز وتألق وعطاء...,
وفي القيلولة كُنا على موعد مع قدوم الوفد الرسمي الزائر بقيادة الوزير الشهم الفائق المكارم والأخلاق: محمد عبد الله ولد أوداعه وفي مساء نفس اليوم المليء بالنوادر واللّطائف والمسرات... كانت المنصة الرسمية بمقاطعة بومديد الحبيبة أمام مبنى المقاطعة على موعد هي الأخرى مع حدث قلَّ نظيره في انسجامه والتحامه ومجاله ووقاره...وجمهوره وتنظيمه وتدبيره وتمكينه... فكان بحق لوحة رائعة أسلبت الألباب ونمّقت الأحباب وألَّفت الأتراب... في مشهد رهيب مهيب رصّعته بلديات بومديد الثلاث في انسجام والتحام واحتضان وتكامل.. لا يُكدّر صفوه مكدّرْ ولا يعكّرُ مزاجه مُعكرْ, دون أدنى تباين أوْ تدافع أوْ تنافر..!! البلدية المركزية وبلدية لفطح شمالا وبلدية احسيْ الطين جنوبا فأخذتْ كلّ بلدية مكانها أمام المنصة الرسمية وعلقتْ شعاراتها وأنشدتْ أهازيجها وأشعارها وزغردتْ ثيباتها وأبكارها... فتبارك الله أحسن الخالقين وأكرم الأكرمين وأرحم الراحمين...,
وعلى تمام الساعة السابعة مساءً دخل الوفد الرسمي بقيادة الوزير الخلوق: محمد عبد الله ولد أوداعه وعضوية والي لعصابه السيد: محمد الحسن ولد محمد سعد والأمين التنفيذي للحزب الحاكم الشاش ولد ديه هذا بالإضافة طبعاً لحاكم مقاطعة بومديد ومنسق مقاطعتها وعمد بلدياتها الثلاث, بدأ الحفل بقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم ثم تتالت بعد ذالك مداخلات الرسميين من العمد الثلاث والمنسق المقاطعي لبومديد ثم كلمة الأمين التنفيذي للحزب الحاكم ثم كلمة الوزير محمد عبد الله ولد أوداعه الجوابية,
ولقدْ كان من صدف القدر الجميلة والرائعة والرائقة والشائقة...أنْ حظيتُ بفرصة ذهبيةٍ عزّتْ بلْ كادتْ غيري من جميع المتدخلين حيث كنت الوحيد من بينهم الذي استطاع أنْ يظفر بشرف المداخلة بعد الرسميين طبعا وكنت قدْ سطرت قطعة شعرية أحيِّي من خلالها الأهل والأحبة والأوطان... في مقاطعة بومديد الجميلة وهي بعنوان: رحاب المجد وسأسطرها لكم هنا إكمالا للمتعة والإفادة...,
رحاب المجد:
سلامٌ من الأعماق يُتلى ويُرسمُ***وقلبٌ على جسْر الهوى يتحطّمُ
ونفسٌ من الأشواق سَكرى شجيّةٌ***وبرحَ غرام بالقريض يُتمتمُ
سَلامٌ على الإخوان والأهل والحمى***ومجدٍ تليدٍ بالرّبوع مُقوَّمُ
أبا المدِّ والإخلاصُ منك سجيّة***لأنتَ من الجوزاء أسْمَى وأعظمُ
فكمْ من وليٍّ قدْ بدا منك نجمه***وكمْ من أمير بالمجالس يُعلمُ
وكمْ من بليغ بالفصاحة يافع***أبيٍّ إذا كعَّ الجوادُ المصمّمُ
تناثرَ منك العلمُ يوماً فأشرقتْ***دُنا الجهل بالتعليم دُراً يُنظمُ
فأصبحتَ لا مكراً يُذادُ ويختشى***ولا حسداً بالدار فيك مُخيّمُ
أتيتكَ أبغي العلمَ والمجدَ غايتي***ولا غروَ أنْ أسْديتَ ما بتُّ أحلمُ
فلا زلت في عز ومجدٍ مُؤثّلٍ***به وله الأشعارُ تبدا وتختمُ
وكانت هذه القصيدة الختام المسك لذانكم المهرجان الرائع والماتع والشائق والرائق... في آن واحد, ويطيب لي هنا أنْ أستعير هذا البيت من صاحبه لأختم به هذه الدردشة القصيرة عن مقاطعة بومديد الجميلة والأنيقة.. والظروف التي اكتنفتْ مجيئنا إياها وما لاقيناه بها من إكرام وترحاب والبيت على النحو التالي:
ولستُ بمدّاح لقوم وإنْ علواْ***ولكنَّ مجد الأرض للأرض يذكرُ
طبتمْ أيها الأحبة الكرام وطاب مسائكم وصباحكم وكل أيامكم ولياليكم وساعاتكم ولحظاتكم... وكل عام وأنتم إلى الله أقرب.
وأخشى ما أخشاهُ أنْ أكون قدْ أطلت عليكم فاعذروني فما أريكمُ إلاّ ما أرى ولقدْ اختصرته اختصارا واختزلته اختزالا...كيْ لا أطيل عليكم أوْ أرهقكم أوْ أسبيكم.. فاعذروني فما أنا لإحسانكم بالجاحد ولا لإحراجكم وإتعابكمْ بالقاصد...., طبتم وطاب مسعاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.