تعتبر موريتانيا التي تشكل الصحراء أكثر من %80 من أراضيها، إضافة إلى كونها تمتلك شريطا ساحليا يمتد على المحيط الأطلسي لمئات الكيلومترات، تعتبر من أكثر الدول الإفريقية جاذبية لمشاريع الهيمنة الغربية، وخصوصا الأميركية منها. فمنذ سنوات بدأت الولايات المتحدة تطلق تحذيرات موجهة
بالأساس لدول المغرب العربي، ودول الساحل الإفريقي بصفة أقل، محذرة من اتخاذ القاعدة والحركات الجهادية من المنطقة ملاذا آمنا وحصينا في هذه الصحراء المترامية الأطراف المتعددة المسالك، والتي تتميز بوعورة الأرض وقسوة البيئة معا، غير أنها تمثل بالنسبة لحركات المقاومة «الجهادية» وسيلة ذهبية ورافعة للمشروع الجهادي ريثما يقوى ويتمكن. يعرف ذلك جيدا الخبراء الإستراتيجيون المتابعون لتطور هذا النمط من الحركات، وخصوصا العارفون منهم بتاريخ الصحراء الكبرى وتحولاتها السياسية والبشرية المتحركة حركة الرمال ذاتها، وهي إذ تبدو في الظاهر هادئة، إلا أنها في الحقيقة تمر «مر السحاب». وهذا هو الواقع فعلا، ففي السنوات الأخيرة بدأت الخريطة السياسية في تخوم الصحراء تتشكل على نحو جديد: ففي الجزائر اتخذت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية أو «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي» من الجنوب الجزائري المتاخم للمثلث الصحراوي المالي الموريتاني الجزائري مجالا ومنطلقا لنشاطاتها ومعسكراتها التدريبية، وعلى نفس النهج سارت الجبهات التي تناضل من أجل حقوق الطوارق والعرب في شمال مالي وفي جنوب النيجر. وهذا المثلث الصحراوي منطقة شاسعة تنشط فيها أيضا عصابات تهريب السجائر والمخدرات وغيرها. «القاعدة في المغرب الإسلامي» جهاد دفع أم جهاد جذب؟ يسعى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في هذا الظرف إلى إدخال موريتانيا في دائرة الصراع الأميركي الغربي ضد الإرهاب من خلال فرعه الموريتاني. وهي فرضية تبدو غير مستبعدة تماما بعدما تم اعتقال من يشتبه في كونهم الجناة في حادث قتل السياح الفرنسيين، ونشرت وسائل الإعلام أن دوافعهم لهذا الحدث - حسب تسريبات التحقيق - هي كون الفرنسيين حلفاء للأميركيين. كما تطابقت البيانات الصادرة عن التنظيم في تبني هذه العمليات، وإن ظلت الشكوك حول مصداقيتها حاضرة وستظل، نظرا للطبيعة المعقدة لعمل هذه التنظيمات. وبذلك تكون القاعدة قد أدخلت موريتانيا فعليا ضمن دائرة الدول المستهدفة بالضغوط الغربية والأميركية، خصوصا في سياق الحاجة الأميركية والأوروبية الملحة إلى إنشاء قواعد في إفريقيا الغربية لاعتبارات متعددة من أهمها: • أن أوروبا الناهضة، ممثلة بألمانيا على الخصوص، تريد التخلص من القواعد العسكرية الأميركية التي جثمت على أراضيها كثيرا، وهي تريد إعادة الاعتبار لدورها القيادي في أوروبا مستحثة الولايات المتحدة على الرحيل حتى تستكمل حرية الحركة والعمل بعيدا عن التأثير الأميركي. • أن الولايات المتحدة تسعى هي الأخرى لإعادة التأقلم مع التحولات الجديدة في أوروبا ذاتها من جهة، وفي منطقة الشرق الأوسط الجديد من جهة أخرى. فالولايات المتحدة بإمكانها الاستفادة أكثر من فرنسا ساركوزي المتفهمة للطموحات الأميركية في المنطقة والساعية لوجود مكانة في عالم تتصدره الهيمنة الأميركية ولا مكان فيه للضعفاء إلا بالاعتماد على غيرهم. وإذا كان تنظيم القاعدة هو الذي خطط عن سبق ترصد وإصرار لهذه العمليات، فإنه لم يقرأ جيدا الوضعية «الجيواستراتيجية» في المنطقة، كما يقرأها الآخرون على الأقل، ذلك أنه سيدفع القوى الغربية والأميركية على وجه الخصوص إلى السعي لوجود عسكري مستقر في موريتانيا بحجة حماية مصالحهم في البلاد، وهو ما سيمكن هذه الدول من مراقبة النشاط العسكري للجماعات الجهادية في الصحراء الكبرى لمحاصرته والتضييق عليه. وقل الشيء ذاته بالنسبة للحركات المتمردة على سلطات هذه الدول، والتي ستجد أن نشاطها وسقف المناورة السياسية لديها منخفضا بصورة أكبر، ومقيدا بضغوط الوجود الأجنبي. ويتساءل العديد من المتتبعين عما إذا كانت القاعدة بهذه العمليات تمارس جهاد جذب للقواعد الأجنبية في منطقة الصحراء الكبرى، وتذكي الصراع الدولي بشأن السيطرة عليها، في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون مشروع الحركات الجهادية في صميم «جهاد الدفع» المتعين على الأمة، كما هو معلوم من الفقه بالضرورة. موريتانيا مرشحة لاستضافة السجون السرية.. والقواعد الأميركية في السنوات الأخيرة تكشفت خيوط وجود السجون السرية في العاصمة الموريتانية نواكشوط، إذ كشف صحافي أميركي وصف بالاستقلالية والمصداقية هو سيمور هيرش في 19 - 6 -2007 عن وجود سجون سرية في موريتانيا. وأكد الصحافي الأميركي أن «هناك مركز اعتقال سري في موريتانيا» لأنه بالإمكان الهبوط والإقلاع منها بسهولة «فهناك حكومة مقربة جدا منا وجنودنا لا يحتاجون إلى تأشيرات دخول». وقد كشفت العديد من الصحف الموريتانية وبعض القنوات الفضائية العربية عن وجود أحد هذه السجون في نواكشوط، ورجحت مصادر صحافية موثوقة زارت مدينة ولاته التاريخية في أقصى الشرق الموريتاني أن يكون سجن قلعة ولاته الذي سجن فيه العديد من السياسيين الموريتانيين، بمن فيهم الرئيس الأسبق المختار ولد داداه، قد تحول إلى أحد السجون السرية الأميركية، وهو احتمال تؤكده قرائن الحراسة المشددة المضروبة على القلعة، والتي تشكل أحد المعالم السياحية في المدينة، وكانت مفتوحة للزوار حتى منتصف 2004، مما يزيد الشكوك ويثير الاستغراب فعلا. ورشحت وسائل إعلام غربية وعربية موريتانيا لاستضافة قاعدة «أفريكوم»، وهو ما أثار قلق الرأي العام الموريتاني. وقد طرحت أسئلة من طرف نواب البرلمان الموريتاني حول هذه القاعدة والسجون السرية على وزراء في الحكومة، ورد وزير الدفاع الموريتاني أن لا علم لديه بوجود هذه القواعد. غير أن تصريحاته لم تبدد من الشكوك أكثر مما أثارت. إلا أن السفارة الأميركية بنواكشوط قطعت الشك باليقين عندما أعلنت أن الولايات المتحدة لم تتقدم بطلب للحكومة الموريتانية حتى الآن من أجل إقامة قاعدة عسكرية على الأراضي الموريتانية.