التعديلات ألا دستورية وسقوط عدالة فقهاء السلطان وتبييض الطغيان ؟! / د.محمد المختار ديه الشنقيطي

من سنن الله الناظمة والجارية وقضائه وتقديره في حياة عباده أن الفقه في الدين هو الطريق القاصد للخير في الدنيا والآخرة، والعلامة الفارقة لتجلي حقائق الإيمان سلوكا في حياة البشر ومنهاج ضابط لعملهم ومستوى إيمانهم، وتجسيد حقائق الدين في حياتهم، وأن الخزي والعذاب والندامة في الآخرة، والذلة والحقارة والمهانة في الدنيا في انتظارهم، حين يستخدمون ويوظفون الفقه في الدين ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم

 مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون من منافع من خدمة دنيا غيرهم من طغاة الزمان وحكام الطغيان والفساد والاستبداد، وتلك هي شنشنة المتفيهقين من بداة فقهائنا الذين يختانون أنفسهم من تجار السياسة والمبادئ الساعين لتبيض فساد وظلم حكام الفساد والعمالة والطغيان، وقد فضح القرآن سرائرهم وكشف الهدي النبوي حالهم وأغراضهم وأهدافهم وأسلحتهم .
وقال تعالى:{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.
قال تعالى:{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.
قال تعالى:{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا بينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}. وقال تعالى:{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"من سكن الباديةَ جَفا، و من اتَّبعَ الصَّيدَ غفَل، و من أتى السلطانَ افتُتِنَ، الحديث أخرجه ابن ماجه وأبو داود والترمذي والبيهقي وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:"من بدا جفا، ومن تبِع الصيدَ غفَل، ومن أتى أبوابَ السلطانِ افتُتِنَ، وما ازداد عبدٌ من السلطانِ قُربًا ؛ إلا ازداد من اللهِ بُعدًا"، قال الألباني حسن صحيح.
وروى كعب بن عجرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:"أنه سيكون بعدي أمراءُ فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبِهم وأعانهم على ظُلمهم فليس مني ولستُ منه وليس بواردٍ عليَّ الحوضَ ومن لم يدخلْ عليهم ولم يعنْهم على ظلمِهم ولم يصدِّقْهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوضَ"، صحح الترمذي وبن حجر وابن حبان
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم-:"يكونُ أمراءُ تَغْشاهُم غَوَاشٍ أوْ حَوَاشٍ من النَّاسِ، يَكذِبُونَ ويَظلِمُونَ، فمَنْ دخل عليهِم فصَدَّقَهم بِكذِبِهم، أعَانَهم على ظُلمِهم؛ فلَيسَ مِنِّي، ولَسْتُ مِنْهُ، ومَنْ لَم يَدخُلْ عليهِم، ولَمْ يُصَدِّقْهُم بِكذِبِهم، ولمْ يُعِنْهم على ظُلمِهم؛ فَهُو مِنِّي، وأنا مِنْه"، صححه الهيثمي وابن حبان وابن حجر وقال عنه الألباني حسن لغيره.
وعن رجل من بني سليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:"إياكم وأبوابُ السلطانِ، فإنه قد أَصبَحَ صَعبا هبوطا"،قال الألباني صحيح ومعناه أن من لازم السلطان صار مذلولا له لا يسلم من النفاق.
وعن عبد الله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:" سيكونُ أمراءٌ تعرِفونَ و تُنكِرونَ، فمَنْ نابَذَهمْ نَجَا، ومَنْ اعتزَلَهم سلَّمَ، ومَنْ خالَطَهم هَلَكَ"،صححه الألباني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:"من بدا جفا، ومن تبِع الصيدَ غفَل، ومن أتى أبوابَ السلطانِ افتُتِنَ، وما ازداد عبدٌ من السلطانِ قُربًا ؛ إلا ازداد من اللهِ بُعدًا"، قال الألباني حسن صحيح.
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – قال:"اتقوا أبواب السلطان"رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 3/268، 27)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 3/471)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:"من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان، ولا يخاصمن أصحاب الأهواء"خرجه الدارمي في "سننه" رقم:301
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:"إن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا تصيبوا من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله أو قال: "مثليه"أخرجه عبد الرزاق في"المصنف" رقم20644، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"رقم:110)، وفي"التمهيد"(13/57 من قول ابن مسعود، وأخرجه أبو نعيم في"الحلية"4/30، والبيهقي في"شعب الإيمان"رقم:9408 من قول وهب بن منبه.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:"إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه دينه، فقال رجل: كيف ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يرضيه بما يسخط الله فيه"رواه ابن سعد في "الطبقات" 6/20)، وهناد في"الزهد" رقم:115، والبخاري في"التاريخ الكبير"1/443، وابن عبد البر في "التمهيد"21/286
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "إياكم ومواقف الفتن. قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء؛ يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول له ما ليس فيه"أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم:20643، وأبو نعيم في "الحلية"1/277، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"رقم:1103، وفي "التمهيد" 13/5، والبيهقي في"الشعب"رقم:9413
يقول الثوري:
إذا رأيتَ القارئَ يلوذُ بالسلطانِ فاعلمْ أنهُ لصٌّ، وإذا رأيتَهُ يلوذُ بالأغنياءِ فاعلمْ أنَّهُ مُراءٍ، وإياكَ أنْ تخدعَ ويقالَ: يردُّ مظلمةً، ويدفعُ عنْ مظلومٍ، فإنَّ هذهِ خدعةُ إبليسَ، اتَّخذَها القراءُ سُلَّمًا.
يقول الحسن البصري
لا تزالُ هذه الأمَّةُ تحت يدِ اللهِ وكنفِه ما لم تُمالئْ قُرَّاؤُها أمراءَها
عن جعفر الصادق أنه قال: الفقهاء أمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين فاتهموهم. أبو نعيم في حلية الأولياء.
قال سفيان الثوري: « إن دعوك لتقرأ عليهم: قل هو الله أحد، فلا تأتهم » رواه البيهقي
عن ميمون بن مهران: أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان قدم المدينة، فبعث حاجبه إلى سعيد بن المسيب فقال له: أجب أمير المؤمنين! قال: وما حاجته؟ قال: لتتحدث معه. فقال: لست من حداثه. فرجع الحاجب إليه فأخبره، قال: دعه. أبو نعيم في الحلية.
قال البخاري في تاريخه: " سمعت آدم بن أبي إياس يقول: شهدت حماد بن سلمة ودعاه السلطان فقال: اذهب إلى هؤلاء! لا والله لا فعلت".
وروى الخطيب، عن حماد بن سلمة: أن بعض الخلفاء أرسل إليه رسولا يقول له: إنه قد عرضت مسألة، فأتنا نسألك. فقال للرسول: قل له:"إنا أدركنا أقواما لا يأتون أحدا لما بلغهم من الحديث فإن كانت لك مسألة فاكتبها في رقعة نكتب لك جوابها".
وروى غنجار في تاريخه عن ابن منير: أن سلطان بخاري، بعث إلى محمد بن إسماعيل البخاري يقول: احمل إليّ كتاب " الجامع " و " التاريخ " لأسمع منك. فقال البخاري لرسوله: « قل له أنا لا أذل العلم، ولا آتي أبواب السلاطين فإن كانت لك حاجة إلى شيء منه، فلتحضرني في مسجدي أو في داري".
وأخرج أبو نعيم، عن أبي صالح الأنطاكي، قال: سمعت ابن المبارك يقول: " من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما بموت فيذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه".
عن مالك بن أنس رحمه الله، قال: " أدركت بضعة عشر رجلا من التابعين يقولون لا تأتوهم، ولا تأمروهم، يعني السلطان ".كتاب "رواة مالك" للخطيب البغدادي
وقالوا: "شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمراء"رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله .
فلاشك ولا ريب وكما يقول أسلاف فقهاء المالكية أن الخير كل الخير في العلماء والفقهاء ما لم يخالطوا السلاطين، فإذا خالطوا السلاطين ففروا منهم فراركم من الأسود، وقد كانوا رحمه الله يرون سقوط عدالة الفقهاء الذين يخالطون الظلمة الفسقة من الحكام، فما ظنكم سادتي بمتفيهقينا نحن اليوم  وهم يتزلفون للحاكم الظالم المستبد ويسوقون لإفساد الدستور؟.

2. أغسطس 2017 - 18:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا