بعد أن استلموا آخر رواتبهم، وعلى بعد أيام قليلة قد لا تصل العشرة من طي صفحة الغرفة العليا في البرلمان بقرار من الشعب الموريتاني مصدر السلطة الوحيد دستوريا، قررت مجموعة من الشيوخ "الاعتكاف" في المجلس، ما لم يعتذر الرئيس.. وهو شرط لن يتحقق.
ربما يتساءل البعض عن توقيت "الاعتكاف" الذي هو في اللغة "لزوم الشيئ وحبس النفس عليه"، ولماذا يعتكف الشيوخ
ولما لم يبق من عمر مجلسهم إلا أيام معدودات.؟ أهي آخر "رصاصة" في جعبة "المرتشين" كما وصفهم الرئيس؟ أم أنها فعل اليائس الذي تقطعت به السبل وأعياه البحث عن مخرج يحفظ له ما تبقى من كرامة بعد تسريبات ولد غده..؟
مع اقتراب الخامس أغسطس بدأ هامش المناورة يضيق أمام الغرفة "المتمردة" وما يمارسه هؤلاء الشيوخ أشبه برقصة الديك المذبوح، فالاستفتاء الشعبي، وتسريبات الوات ساب (والقادم منها أعظم) قد تمثل أسوأ خاتمة سياسية لهذه المجموعة، التي باتت الأعين تنظر إليها شزرا، بعدما حطمت التسريبات الصورة النمطية في أذهان العامة عن "الشيوخ الموقرين".
ربما تفتقت عبقرية أحد هؤلاء عن فكرة "الاعتكاف" في المجلس في العشر الأواخر من عمر الغرفة، لفتا لانتباه الرأي العام، وضغطا معنويا على النظام الحاكم، وبكاء على ربع استوطنوه لعشر سنين.
أو هو فعل استباقي لمستور قد تكشفه الأيام القادمة، تجسيدا لمقولة "الهجوم أحسن وسيلة للدفاع".
وبغض النظر عن ما ورائيات قرار الاعتكاف في آخر عشرة ايام من عمر مجلس الشيوخ فإن الثابت الوحيد في القضية برمتها أن الأحداث الأخيرة كشفت للرأي العام جزءا من سوءات هذه الغرفة التي يتم الدخول إليها بالرشوة والخروج منها بالرشوة أيضا.
ومهما حاول الشيوخ وبعض ممتهني السياسة تصوير السادة "الموقرين" بالأحرار، وإضفاء صفة الوطنية عليهم، فإن الأجيال اللاحقة ستكتشف – ولو بعد حين- أنهم كانوا جزءا من منظومة سياسية تعمل في الخفاء على تدمير القيم والأخلاق، على الأقل خلال السنوات الأخيرة.
وما خفي أعظم مما تكشف حتى الآن.