ملاحظة تمهيدية : ستمر كل الدول الافريقية الفقيرة في المستقبل بحالة الصدام والتجاذب التي تجري في موريتانيا الآن، فأجندات التنمية الجادة ستجد نفسها عاجزة عن التقدم بسبب المؤسسات الديموقراطية المترهلة، و التي هي في الأصل مؤسسات نمو محلي وليست مؤسسات لحاق ،
ومن الطبيعي أن تبرز في المستقبل وبشكل واضح تيارات تعكس ضراوة هذا الصراع، وما يثوي تحته من خلافات وما يرتبط به من مصالح.
كانت الديموقراطية في العقود الثلاثة الماضية، بل حتى منذو خطاب اترومان سنة 1944 هي حجر الزاوية في التنمية والحداثة منهجا وعقيدة ،إلا أن الأمر تغير بعد حرب اجنحة طاحنة دارت رحاها بين خبراء مؤسسات التنمية في خضم النقاشات ما بعد النيوليبرالية منذو اواسط التسعينات،انتصرت فيها رؤية التشخيص الأحادي ،وهو ما أصبح يعرف بنظرية الاقتصاد الاكلينكي، انتصرت على الرؤية التقليدية ،رؤية القالب الجاهز الصالح للكل أي (طبقوا الديموقراطية )، وكانت عبارة د،جيفري ساكس المعروفة "أفريقيا ليست فقيرة لأن حكامها دكناتوريين ،بل ان حكامها دكناتوريين لأنها فقيرة" هي في الظاهر العبارة التي قلبت موازين الفكر التنموي -اخيرا - راسا على عقب،..
قدم ساكس امثلته وحججه الكثيرة على رؤيته ، مثلا سنغافورة هي واحدة من أسرع دول العالم نموا وهي مع ذلك ليست دولة ديموقراطية ،وكذلك أغلب النمور الاسيوية، وفيما عدى بوتسوانا لم تحقق أي دولة إفريقية ازدهارا بالرغم من التمارين الديموقراطية الكثيرة الصالح منهاوالطالح ..
لقد انتصرت هذه الرؤية التنموية التي عكسها كتاب استبداد الخبراء وكتاب اقتصاد الفقر لمارتين روفاليون و كتاب نهاية الفقر لجيفري ساكس، وغيرهم ،انتصرت بشكل ساحق حين اعتمدت اخيرا أهداف التنمية المستدامة كرؤية عالمية سنة 2015وجاءت خالية من اي توصية حول الديموقراطية،وقد استمعت لإحدى محاضرات د.ساكس حين سئل عن علاقة التنمية المستدامة بالديموقراطية فقال ليست للتنمية المستدامة علاقة بنمط الحكم ولا بشكله ،صحيح ان المناط عندنا هو بآليات الحكم الرشيد وهي آليات يمكن ان ينتهجها نظام مريتوقراطي (حكم الأجدر) او ملكي او برلماني او نخبوي (اليتوقراطي)..ان هناك أهدافا واضحة وهي من الأهمية والاستعجال بحيث أننا لن نؤجلها حتى تصبح كل الدول تتبع المنهج الديموقراطي او أي منهج معين آخر..
د.ساكس للاشارة كان كبير مستشاري بانكي موون للتنمية ومستشار كوفي عنان من قبله ومصنف مرتين ضمن الشخصيات الاكثر تاثيرا في العالم ..الخلاصة هي ان سدنة الديموقراطية في الغرب لم يعودوا كما كانوا في السابق حين كانت تحركهم مسرحيات "الديموقراطيين الموسميين"،بل ان مفاهيم مثل مجالس التنمية الجهوية تسحرهم الان وتشد انتباههم أكثر من اعتصامات رفض تغيير الدساتير ..
انتهى
تذييل
إن خلو الأهداف من اي توصية حول الديموقراطية إنما يعكس طبيعة الحمية التي تشكلها هذه الأهداف والتي هي في الواقع حمية إجبارية نظرا للرؤية "الترابطية" المؤسسة للمقاربة الجديدة،لم يعد مثلا ينظر الإلى الفقر على انه مشكلة مرتبطة بالمكان، تحكمه وتديره جغرافيته الخاصة بل أصبح مشكلة عابرة التأثير ،فالفقر يقود إلى الهجرة،وانتهاك البيئة ويهيج الصراعات ويغذي التطرف والارهاب، فهو إذن ليس مشكلة خاصة بالفقراء فقط، بل مشكلة عامة وبالغة الأثر حتى على الدول مرتفعة الدخل..
ان مقاربات مجالس التنمية الجهوية هي في صميم الرؤية العالمية الجديدة ,فهي عماد الاندماجية inclusivity في السياسات الناضجة اليوم
ان المقاربة القائمة في الذهن على الأقل حول هذه المجالس والآمال العريضة المنوطة بها في المستقبل لا يمكن محاربتها بانطباع ذهني قايم على الفراسة فقط ، وعلى الشك والتخمين