تتكون التعديلات الدستورية المقترحة من بندين اثنين لا ثالث لهما ولا رابع، هما:
1. تعديل يتعلق بالعلم الوطني، يتمثل في إضافة شريطين أحمرين يرمزان إلى التضحية في سبيل الوطن، وإلى دماء أبطال المقاومة ضد الاستعمار والشهداء الذين سقطوا في ساحة الشرف دفاعا عن الأرض والعرض.
2. إلغاء مجلس الشيوخ لجسامة تكاليفه وقلة مردوديته، وإنشاء مجالس جهوية للتنمية مكانه، وتجميع مؤسسات المجلس الإسلامي الأعلى ومجلس الفتوى والمظالم ووسيط الجمهورية في هيئة واحدة تدعى مجلس الفتوى والمظالم وذلك بغية تخفيف أعبائها، وإلحاق ودمج شؤون البيئة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي لما لحماية البيئة من أهمية.
وغني عن البيان أن هذه التعديلات في حد ذاتها واضحة المعنى والدلالة والمغزى ومفيدة للوطن، وأن الأسباب والمبررات التي تقدمت بها الحكومة الموريتانية القائمة عليها وعلى شؤون ومصالح البلاد جلية وبالغة، وأن طرحها وتمريرها من اختصاص تلك الحكومة بموجب المادة 38 من الدستور. فلما ذا إذن يقيم معارضوها الدنيا ولا يقعدونها، ويختلقون شتى الذرائع لرفضها ويستخدمون كافة الوسائل والأساليب ضد إقرارها؟ وما هي الحجج التي يسُوقونها لتبرير رفضها؟
إن بعض معارضي التعديلات المقترحة لا يهتمون كثيرا فيما يبدو بالبند المتعلق منها بتغيير العلم رغم أهميته ورمزيته، ولا حتى بما يتعلق منها بإنشاء مجالس جهوية للتنمية وتجميع بعض المؤسسات وإضافة حماية البيئة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي؛ بل ينصب اهتمامهم على "المستهدف" في نظرهم "وهو مجلس الشيوخ ومحكمة العدل السامية" والمأمورية الثالثة.
ولتسويغ وتسويق هذا الرأي يزوقونه ببهارات ومقبلات اصطناعية يحسبها الظمآن ماء هدفها تلميع مجلس الشيوخ الذي يراهنون عليه قائدا جديدا لمعارضة النظام؛ والذي لا شية فيه في نظرهم ما دام غير مسؤول عن: انتشار البطالة المفرطة بين الشباب، وارتفاع الأسعار، ومشكلات العطش، واهتراء الطرق، والتدهور في مستوى التعليم والصحة والأمن. ناسين - أو متناسين- أن هذه الأسطوانة المشروخة قد ملها الشعب ولم تعد تثير اهتمامه لأنها أصبحت "حديثا معادا" ولأنها كذلك تتناقض مع الواقع الواعد الذي تعيشه بلادنا في ظل نهضتها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة التي أصبح يراها ويلمسها ويعيها ويحميها الشعب، ولا ينال منها أو يبخسها تجاهلها من قبل المنكرين والجاحدين.
وهنا يجوز لمتتبعي منطق معارضي التعديلات الدستورية الآنف أن يتساءلوا لما ذا يظل هؤلاء يعاندون ويكابرون ويجحدون ما تحقق في بلادنا من منجزات وطنية محسوسة وملموسة؟ وكيف تحول مجلس الشيوخ في نظر معارضي التعديلات من مجلس منتهي الصلاحية وخامل وفاسد إلى مجلس صالح ومحترم وثوري؟ ولأي غرض فاسد يقحمون في التعديلات المقترحة مسألتي محكمة العدل السامية والمأمورية الثالثة وقد تبين بجلاء كالشمس في رابعة النهار خلو مقترح التعديلات منهما؟
والجواب على هذه الأسئلة الوجيهة هو أن الأسباب التي يثيرها معارضو التعديلات الدستورية ليست سوى ذرائع واهية تثار لإخفاء الأسباب الحقيقية لمعارضتهم لتلك التعديلات؛ والتي هي في جوهرها معارضة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي فجر انقلابا سياسيا واجتماعيا في موريتانيا لصالح الشعب قوض مصالح وامتيازات ونفوذ السفارات الاستعمارية والصهيونية وأعوانهم من خونة ومستغلين ومفسدين. وحلف هؤلاء هو الذي يقف اليوم على رأس معارضة التعديلات الدستورية ومن ورائها معارضة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وإصلاحاته التقدمية. وهم ليسوا مغفلين لدرجة تجعلهم يقولون للشعب الذي يسعون لاستمالته وتضليله وحرفه عن صيانة وحماية مصالحه والتلاعب به: نحن نعارض النظام لأنه يقف مع الشعب ويخدمه؛ بل هم على غرار أمثالهم في فنزويلا وروسيا وغيرهما يتبنون شعارات معارضة الدكتاتورية، ويتظاهرون بالديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان، ويشترون الذمم ويتآمرون! وقد سهل وساعد في تمرير لعبهم في موريتانيا اختلاط الحابل فيها بالنابل، وضعف المناعة السياسية لدى بعض أحزاب المعارضة، وعدم وجود خط فاصل بين تلك الأحزاب وغيرها ممن يفترض اختلاف طبيعته مع طبيعتها إذ ما كل مدور كعك، ثم انعدام النقد والنقد الذاتي وتوخي الصدق والشفافية في العمل السياسي. وتلك هي الطامة الكبرى!