مغالطات لابد من تصحيحها / محمدو ولد البخاري عابدين

من المغالطات الكثيرة التي رافقت مرحلة ما بعد الحوار الشمال، والمخرجات التي توجته، والتعديلات التي بموجبها تقدم رئيس الجمهورية باستفتاء للشعب حول المواد الدستورية المقترحة:
المغالطة (1) : أن الرئيس قرر حل مجلس الشيوخ انتقاما منه بعد رفض بعض أعضائه المصادقة على التعديلات الدستورية، والمعروف أن الرئيس أعلن عن نيته، 

كرئيس للجمهورية، تقديم مقترح بحل مجلس الشيوخ خلال جلسات الحوار المنتظر ساعتها، وذلك في خطابه بمدينة النعمة يوم 4 مايو 2016، أي قبل تقديم مشروع التعديلات الدستورية لمجلس الشيوخ بعشرة أشهر، حيث كانت الجلسة العلنية للمجلس التي ناقش خلالها هذه التعديلات وصوت بعض الشيوخ ضدها بتاريخ 18 مارس 2017.
المغالطة (2) : أن الرئيس أصر على حل مجلس الشيوخ لأنها الغرفة الوحيدة التي لا يمكنه حلها بمرسوم، وسيكون هذا الطرح المغالطة معقولا لو كان إعلان عن نيته في حل المجلس في خطاب النعمة، ثم إصراره على ذلك القرار بعد تصويت بعض الشيوخ ضد التعديلات، كان مسبوقا بمشروع قانون واحد أصر الرئيس على تمريره، فرفضه مجلس الشيوخ عبر تاريخه الممتد على مدى أزيد من ربع قرن..!
المغالطة (3) : أن الشيوخ صوتوا ضد التعديلات الدستورية لأنها منبثقة عن حوار لم تشارك فيه بقية أحزاب المعارضة، وأيضا كان هذا الطرح المغالطة سيكون منطقيا لو كان الشيوخ لم يكونوا على علم بموعد انطلاق الحوار، وعلى علم بمن سيشاركون فيه ومن قرروا مقاطعته، ولو لم تكن مرت ستة أشهر ما بين تاريخ انطلاق الحوار بمن حضره، وتاريخ تصويت بعض الشيوخ ضد التعديلات المنبثقة عنه، وهي مدة أكثر من كافية لانتباه من لم ينتبه من الشيوخ أن الحوار قاطعته بعض الأحزاب، حيث انطلق الحوار في شهر أكتوبر 2016 وكان تصويت بعض الشيوخ ضد التعديلات في مارس 2017!
المغالطة (4) : أن الشيوخ صوتوا ضد التعديلات الدستورية لأنها غير دستورية، وكان هذا الطرح المغالطة سيكون هو الآخر منطقيا لو أن مشروع التعديلات جاء لغرفة مجلس الشيوخ دون أن يمر قبلها على الغرفة الأخرى وتصادق عليه كما بنص على ذلك الدستور، أو كان جاءها قبل أن يستوفي شروطا أو قوانين دستورية أخرى من أي نوع، فالحديث عن عدم دستورية التعديلات استجد فقط بعض تصويت بعض الشيوخ ضدها، ولجوء الرئيس للمادة 38 من الدستور المحسوم الجدل حولها ما دام الحرج مرفوعا عنا في اختلاف أئمة وعلماء المسلمين حول الكثير من الأمور الشرعية، فكيف لا يكون مرفوعا عنا، من باب أولى، في قوانين وضعية وتفسير مادة من الدستور أجمع أغلب فقهاء القانون على أنها تتيح لرئيس الجمهورية اللجوء لهذه المادة في التقدم للشعب بما يرى ويُقدر أن فيه مصلحة، خصوصا أن ما يقدمه هو ثمرة لتعاط وتشاور ونقاش واتفاق بين فرقاء سياسيين واجتماعيين وفاعلين عديدين، وخصوصا أيضا أن الطرف الآخر الطاعن في حق اللجوء لهذه المادة وعدنا بإخراج استشارة قانونية ناقضة قال إنها ستكون دولية، والاستفتاء على التعديلات سيكون غدا بحول الله وتلك الاستشارة لم تخرج للنور بعد..!
المغالطة (5) : أن من بين مبررات الرئيس التي يقدمها كحجة لحل مجلس الشيوخ عرقلة وتعطيل هذا المجلس لمشاريع القوانين، ويسوق المغالطون تفسيرا لهذا المبرر بأن مجلس الشيوخ لم يعرقل أو يعطل أي مشروع قانون مقدم له في تاريخه، بينما العرقلة التي يقصدها الرئيس هنا هي الدورة البطيئة التي تأخذها مشاريع القوانين ما بين الحكومة والغرفتين التشريعيتين، وهذا معروف ومشهود، حيث تصادق الحكومة على مشاريع القوانين، لتتم إحالتها للجمعية الوطنية لمناقشتها والمصادقة عليها، وبدل أن ينتهي الموضوع وتعود المشاريع للحكومة للمصادقة النهائية عليها وبدء تنفيذها، تذهب لغرفة مجلس الشيوخ لنفس الغرض وهو المناقشة والتصديق، وأحيانا تُختتم الدورة البرلمانية وهناك مشاريع قوانين حيوية صادقت عليها الجمعية الوطنية لكن الدورة البرلمانية اختتمت قبل إحالتها لغرفة مجلس الشيوخ، مما يتطلب فترة زمنية أخرى في انتظار الدورة القادمة، وما في ذلك من تعطيل وتأخير لتنفيذ مشاريع التنمية.
المغالطة (6) أن الرئيس يبخل أو يستكثر على مؤسسة تشريعية مبلغ 16 مليار أوقية ويقول إنها بلا مردودية، وأنه إذا كان مجلس الشيوخ مكلفا فإن المجالس الجهوية هي الأخرى ستكون مكلفة.. صحيح أن هذا المبلغ مبلغ معتبر مقابل غرفة تشريعية لا مردودية لها بالنظر إلى أن الدور الذي تقوم به هو نفسه الدور الذي تؤديه الجمعية الوطنية، وهو بالتالي صرف باذخ على مؤسستين تقومان بنفس الدور سنُبقي على إحداهما، ونحيل إليها صلاحيات الأخرى ونربح هذا المبلغ لصرفه في مجالات أخرى أهم ولا يُعد صرفه عليها ترفا.. أما المجالس الجهوية فبالتأكيد ستكون لها مصروفات، لكنها مصروفات على هيئات تتصور الخطط التنموية وتُخطط لها وتُنفذها وتُشرف عليها انطلاقا من الميدان والقاعدة، لا مصروفات على غرفة أقصى ما تقوم به من عمل وجهد هو رفع الأيدي لأقل من دقيقة للمصادقة على مشاريع قوانين أشبعت نقاشا من طرف غرفة أخرى أكثر منها تعددا وتعدادا وتمثيلا..
المغالطات المسوقة والمصاحبة لهذا المور المصطنع كثيرة، لكن أم تلك هذه المغالطات هي حرص الشيوخ المغاضبين على الدستور أو القانون أو الحوار الجامع.. فموقفهم اتخذوه يوم صدمتهم من مضمون خطاب النعمة، وما عدى ذلك مجرد " مادة حاملة " كتلك المستخدمة في صناعة العقاقير لا قيمة لها ولكن لابد منها لحمل المادة الفعالة للعقار..! والمضحك في الأمر أن الراكبين لموجة الشيوخ هم أكثر العارفين بتلك الحقيقة، وأغلبهم لا تزال ألسنتهم رطبة من المطالبة بإلغاء هذه الغرفة، وبرامجهم في الحملات السابقة شاهدة على ذلك، غير آبهين بالأضرار التي ألحقها بهم البناء في عملهم السياسي على مغالطات !!
غرفة مجلس الشيوخ غرفة مكلفة وبلا مردودية، معرقلة لسير ووتيرة العمل التشريعي والتنموي الذي ليس لبلادنا فائض من الوقت نهدره في غيره، متداخلة في مهامها مع غرفة أخرى كافية للقيام بدورها، خطأ وجودها من الأساس كما قال الرئيس.. وفوق ذلك كله، مما هو كاف في حد ذاته كمسوق للتخلص من هذه الغرفة، ما كنت أول من أشار إليه قبل سنوات وهو الطريقة " المقززة " سياسيا وأخلاقيا والتي يتم انتخابها بها والمعتذر الحد منها أو القضاء عليها.

4. أغسطس 2017 - 23:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا