ثورتنا البيضاء / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altقال الله جل شأنه «حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور» من سورة البقرة، «الله نور السموات و الأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء و يضرب الله الأمثال للناس و الله بكل شيء عليم » الآية 35 سورة النور.

لقد ظل البياض دائما رمزا للسلام و الخير و الهداية، و إننا نختاره اختيارا مقصودا ،عسى أن تكون ثورة الشعب الموريتاني السلمية سلمية فعلا، تكلل بنجاح تام باهر، دون إسالة قطرة دم واحدة بإذن الله، و ما ذلك على الله بعزيز.
و قد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمثيل طريق الإسلام، بالمحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، تأكيدا لأفضلية اللون الأبيض على غيره من الألوان على وجه راجح. كما روي عنه من طريق ابن ماجه قوله صلى الله عليه و سلم : "إن الله يحب أن يسمع الفأل الحسن".
و النور أبيض بصريح القرءان ،كما ورد في وصف نور الفجر بالخيط الأبيض، تمييزا له عن لون الليل الأسود الدامس «حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» سورة البقرة.
و النور عموما أبيض ناصع أخاذ جذاب جميل ،و قد سميت آية كاملة باسمه (سورة النور) و رد فيها كما سبق ذكره، بنص الآية ،تمثيل نور الله، و هو «ليس كمثله شيء» لكنه التقريب و التمثيل، عسى أن تقترب النفوس المؤمنة، من بعض صور الجلال و الجمال الرباني المبهر المعجز، المستحيل على الذهن البشري فهمه على وجه كامل، و تبقى للخواص المحظوظين نعمة الرؤية المباشرة يوم يلقونه، فيرونه لا يضامون في رؤيته، سبحانه و تعالى «بديع السموات و الأرض».
و الهداية بهذا المعنى، هي و طريق الإصلاح و التغيير السلمي المتوازن صنوان لا يتناقضان «الله ولي الذين لآمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور».
أجل، نرجوها ـ أي ثورتنا ـ بيضاء دون عنف ولا قمع و لا ظلم و لا اعتداء، لامن طرف خارجي ،و لا من المنتسبين إليها.
نرجوها و نطلبها و ندعوا الله، أن تكون خيطا أبيض يخرجونا من الخيط الأسود الدامس، بالظلم و الاستبداد و أحادية الرأي في تسيير الحكم العمومي و المال العمومي و الشأن العام عموما.
و لطالما ظل البياض رمزا للسلام و الخير و الهداية إلى الطريق الأصلح و الأمثل، دنيا و أخرى، فهكذا نرجو لثورتنا البيضاء .
و لا يؤثر الاستثناء على أصل المعنى، فلو حمل المنهزمون الراية البيضاء، إشارة إلى طلبهم القهري للسلام، بعد الاستسلام، فإننا ننبه إلى أن ذلك معنى واحد مبتدع، للخروج من مأزق نهاية حرب فاشلة، و الدلالة الأصلية الصحيحة للون البياض، غير ذلك، كما أسلف شرحا و توضيحا مفحما، لا التفات عنه ،عند أصحاب العقول و الفهوم والنفوس السوية .
و أما ما سواهم من النفوس المتشائمة المريضة بالعناد و المكابرة ، فذلك منحى مختلف موجود، لكنه غير النهج الصحيح البديهي، فالبياض اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم في أغلب ملبسه، و هو المحبذ عند الجمعة و الجماعات ، و الأعياد الشرعية المحققة، مثل العيدين، عيد الأضحى و عيد الفطر.
ثورتنا بيضاء، مسالمة بلا ضحايا و لا رزايا إن شاء الله ، منتصرة بلا علم (أبيض) مستحدث ،يرفع حاملوه لونا مسالما، دليلا على الخوف و الاستسلام.
مشعلنا ابيض ناصع، على نهج المحجة البيضاء، محجة الإسلام ( الحل الشامل المنقذ) ، دون تنطع في تأويل النصوص، و لا تساهل في الأخذ بحكم الله، و دون تجاهل و تغاض بليد عن واقع الناس و خصوصيات زمانهم، بمعنى حاذق ملتزم حكيم ،لا يضيع شرع الله و لا يفتن الناس أو يكرههم.
ثورتنا البيضاء، ستكون بإذن الله درسا لمن بعدنا، في التعامل مع جميع أوراق القضية ،محل التناوب و التصرف (الشأن العام).
درس للعرب و الأفارقة على السواء و للعالم أجمع.
فطبيعتنا تحتضن قدرا كثيرا من المسالمة و الحكمة "اليمنية" لأن كثيرا منا ،من هناك، طباعهم لا تخلو من الحكمة ،على الطبيعة اليمنية الحضرموتية النقية.
و لا يعني هذا - في المقابل ـ إطلاقا، تزكية المبادرة الخليجية في اليمن، التي يتعثر يمنيو الجزيرة في تطبيقها، و إن استفادوا منها في كبح جماح العنف مؤقتا و جزئيا، دون فلاح كامل في تحقيق أهداف ثورتهم!.
حتى عندما يسقط الطاغية، نرجو أن لا يسارع ، في تصفية الحسابات معه، فهذا مذهب الضعفاء غير الأخلاقيين، بل القضاء إليه مآل و مصير هذه الملفات المتعلقة بمقاطع الحقوق، ضد الحكام و المحكومين .
لا عجلة - إن شاء الله – إلى القصاص و راحة النفوس من آثار الظلم، فقد يفتح ذلك بابا يصعب إغلاقه، و إن أمكن فتحه في البداية!.
و الأولى مذهب العفو الجماعي عند القدرة «و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس».
بعض صفات المؤمنين و سماتهم العليا المفضلة الصعبة الشاقة على النفوس. و لا ينبؤك مثل خبير بالظلم وصعوبة نسيانه وتجاوزه ("سلورات "و سجن الداخل و الخارج و الغربة و الإقامة الجبرية و الغرامات الخيالية، حتى بعد "عفو رئاسي هش مغرض"!).
لا تتوقفوا عند فلان فعل كذا، و مذهب من أعانني و من أعان علي، قد يصلح للمسائل الشخصية الضيقة ،و إن كان ليس نموذجيا على الإطلاق، و أما قضايا الجماعة و الأمة، فلا يليق بها إلا التسامي.
و عموما: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب.
ولا ينال السيادة من تشغله الغنيمة، و تصفية الحسابات و القصص و الوقائع القديمة العقيمة ،و إن لزم بعض هذا، فبعد انتقال السلطة إلى جهة منتخبة، في جو شفاف، و متساوي الفرص، و دون إقصاء، و بعد التأكد من تعافي القضاء، لتناول الملفات جميعا، دون إقتصار على الحاكم الانقلابي الحالي.
و الأولى – أقولها – مجددا أن نبتعد عن هذا الباب ،فما أضر الثورة المصرية، إلا تعجل بعض القصاص، قبل الأوان المناسب النقي.
و لا داعي للعودة إلى ماض، قد يعثر محاولة إصلاح الحاضر، توقا إلى مستقبل مشرق و فجر صادق قادم إن شاء الله.
و لن نعبر إليه دون عفو شامل و تسامح تاريخي عبقري، قد لا يقدر عليه في سائر مجتمعات الدنيا ،إلا الموريتانيون المتسامحون بطبعهم.
و إن حسب البعض، تسامحنا ضعفا على الدوام، فهو ليس كذلك. فلا يغرنكم سماحة و سعة و طول نفس الحليم.
جدير بالزنوج أن يسمحوا لمن أخطأ في حقهم، و لو تجاوز بعضهم الخطوط الحمراء، طمعا في الإنفصال المرفوض، عند أكثر الموريتانيين.
و جدير بالإسلاميين الجناح المعارض، أيام معاوية، أن يغفروا زلته، و إن خاف على نظامه ومجتمعه، من تطرف يحسبه كذلك، عند بعض الحركات السلفية ،في مواطن أخرى ،من العالم العربي و الإسلامي و العالم الواسع.

أعرف أن هذا مستحيل في رأي بعض المعنيين، فأنا شخصيا مازلت أشكو ،ألم مظالم أقل مما يشار إلى بعضه ،و إن كنت تألمت كثيرا، و قال أخ لي (إدوم ولد محمد فال رئيس هابا سابقا) في مقال له حول الغرامة التي صدرت ضدي، أن حكم الإعدام أرأف منها.
عموما عندما ننتصر سنرى، حسب الظرف ضرورة العفو، بأسلوب لا يضيع الحق، و لا يبقي الجراح مفتوحة باستمرار، و معرضة لتفاعلات، قد تكون أخطر في المستقبل ،من الأحداث و الوقائع الظالمة الأولى!!!.
ثورتنا البيضاء نأملها خصوصية الطريقة ،في تحقيق المقاصد.
سواءا تعلق الأمر بالنصر نفسه، أو إحقاق الحق فيما بعده، عسى فعلا، أن تكون ثورتنا البيضاء متميزة بحق و صدق.
درسا متكاملا ،صالحا للتطبيق النموذجي، المحلي و الإقليمي، و التصدير للآخرين، تماما كما أخذت الشعوب يوما، من ثورة محمد ابن عبد الله صلى الله عليه و سلم على أصنام مكة و أوضاعها، و لم يترك إلا مكارم الأخلاق، التي قال بأنه جاء دينه الخاتم ليتمها.
و كما أخذت الشعوب المعاصرة من ثورات معاصرة، دون تعد إلى أديان أصحابها المحرفة.
و أما الحكمة،فضالة المؤمن أنى وجدها التقطها.
و إن حاول البعض تطبيق قاعدة (المنتصر يعرض شروطه) على الطريقة الغربية، و على حساب الخصم، بصورة فجة مفتوحة، فهذا بعيد من أسلوب قدوتنا و قائدنا محمد ابن عبد الله صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة.
فقد وشح "معنويا و شكليا على الأقل" أبا سفيان الداخل لتوه في الإسلام، و القائد وقتها لقريش و لمكة، ثم خاطب صلى الله عليه وسلم أعداءه السابقين، "ماتروني فاعل بكم؟" قالوا أخ كريم و ابن اخ كريم، قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
على كل حال ،قياس مع وجود بعض الفوارق 
.و المقصود ،عندما ينتصر الثوار، قد يطالبون من تحت قبة البرلمان و طبعا بعد انتخابات برلمانية جديدة، بعدم السماح للرؤساء السابقين، بالترشح لمنصب الرئاسة.
فإن وفق الجناح البرلماني الثوري في هذا الاقتراع ،لمنع أولائك من الترشح للموقع المذكور، فنعما الأمر، حزما ووقاية من العودة إلى الوراء!، و إلا كان الانصياع سلميا للرأي البرلماني الغالب ،بحجة تمثيله للشعب، و تلك حجة قوية لعمري!
مع أن الأولى و الأحزم أن يمنع هؤلاء من الترشح ،حتى المدني منهم و هو معروف، لأنه كان اقتراحا من بعض الانقلابيين في وقت سابق.
و مهما حصل من تطورات، فإن المرجع، ينبغي أن يظل شرع الله و المصلحة العليا للوطن و تماسكه و استقراره ،و قد قيل من قبل "أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله".
و لو تطلب الأمر إصلاحا تدريجيا، طبعا بعد الرحيل الكامل للنظام الاستبدادي الحالي، و لا داعي لإبدال الاستبداد بالاستبداد أو بعضه، فذلك محض التخبط و الفشل المنذر، بإجهاض الثورة البيضاء المنتظرة، و جزء من حيل سرقتها، التي ستتعد، و تبلغ حدا قد لا يحسب له بدقة بعض البسطاء، من أنصار أو حتى قادة الثورة الميمونة.
هذه بعض التمنيات أو التوقعات على الأصح، لا نجنح بها إلى اتخاذ موقف غير مهني، لصالح أحد الأطراف الحالية على حساب المهنية الاعلامية المفترضة، ومصلحة الوطن، بقدر ما نعبر عنها بحرية و تلقائية، في سياق أن تعريف الصحفي، ضمن سياق القانون الحالي الناقص لمهنة المتاعب (الصحافة) "هو( أي الصحفي ) الشخص المخول بالحصول على الخبر و معالجته دون ضغوط أو مخاطر".
لقد سمعت بخبر سار و دستوري، اعتصامات سلمية احتجاجية، يوم 2 مايو الأربعاء المبارك إن شاء الله، فبدالي هذا الرأي، فحرصت على إظهاره و نشره سلميا، تجسيد للتعريف السابق "دون ضغوط أو مخاطر" بإذن الله،و لله الأمر من قبل و من بعد .

29. أبريل 2012 - 16:46

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا