حسب ما تم نشره إلى الآن من نتائج أولية فإنه يمكن القول بأن هناك عملية تزوير غير احترافية يمكن لأي تلميذ في الصف الخامس ابتدائي أن يكتشفها ودون عناء. وكأمثلة سريعة على عمليات هذا التزوير غير الاحترافي فإنه يمكنني أن أذكر:
(1) جاء في هذه النتائج الأولية أن ثلاثة مكاتب في بلديات ريفية قد وصلت فيها نسبة المشاركة إلى 100%، وتعني هذه النسبة بأننا أمام جملة من المصادفات التي يصعب أن تتحقق في وقت واحد.
تعني نسبة 100% بأن الذين سجلوا في اللائحة التي تم إعدادها منذ سنوات، وفي تلك التي تم إعدادها في الفترة الأخيرة، لم تسجل في صفوفهم أي حالة وفاة، ولا أي سفر، ولا أي تغيب من أي نوع. يزداد هذا الأمر استحالة عندما نتذكر بأن الاستفتاء قد تم تنظيمه في فترة فاصلة بين موسمي الصيف والخريف، وفي هذه الفترة يكون من الصعب جدا أن يبقى كل سكان القرى في قراهم.
(2)
من الأمور اللافتة أن البطاقات اللاغية كانت شبه مرتفعة في بعض مكاتب العاصمة، وكانت شبه منعدمة في مكاتب بعض القرى الريفية. وهذه مفارقة يصعب تصديقها.
(3)
من المعروف لدى الجميع بأن مراجعة المادة الثامنة المتعلقة بالعلم تختلف عن مراجعة المواد الأخرى، ومن المعروف بأن نسبة هامة من الذين عبروا عن دعهم للتعديلات الدستورية عبروا عن تمسكهم بالعلم وعن استعدادهم للتصويت ب"نعم" على المواد الأخرى، ولذلك فإنه من الصعب جدا أن تتطابق الأرقام في الصندوقين، وهو الشيء الذي حصل في كل النتائج الأولية التي تم نشرها حتى الآن، وظل هذا التطابق مستمرا مع تغير عدد المكاتب التي تم فرزها.
فبعد فرز 296 مكتب من الصندوق المتعلق بمراجعة بعض أحكام الدستور و291 مكتب من الصندوق المتعلق بمراجعة المادة 8 المتعلقة بالعلم الوطني جاءت النتائج على النحو التالي:
ـ نسبة المشاركة في الصندوق الأول 49.48% وفي الصندوق الثاني 48.70%
ـ عدد المصوتين ب"نعم" في الصندوق الأول 48116 أي نسبة 80.89%، وفي الصندوق الثاني 48386 أي نسبة 80.67%.
ـ عدد المصوتين ب"لا" في الصندوق الأول 8255، أي نسبة 13.88%، وفي الصندوق الثاني 8067 أي نسبة 13.98%.
عدد المصوتين بالحياد في الصندوق الأول 3107 أي نسبة 5.22% وفي الصندوق الثاني 3207 أي نسبة 5.35%.
هذا التطابق يؤكد بأن هناك تزويرا واسعا قد تم ولكنه لم يكن تزويرا احترافيا.
مع كل هذا التزوير إلا أن نسبة المشاركة ما تزال حتى الآن تحت 50 % ، وهو ما يعني بأن المقاطعة قد نجحت. ويتأكد نجاح المقاطعة أكثر عندما نبتعد عن الأرقام المفبركة للجنة المستقلة للانتخابات، ونكتفي بالمشاهدات والصور التي شاهدناها في هذا اليوم، والتي أكدت بأن مكاتب التصويت ظلت في أغلب الأوقات خاوية على عروشها.
هذا عن الأرقام الأولية التي تم نشرها حتى الآن، ولكن هناك مسألة أخرى لفتت انتباهي، وهي هذه السهرة الصامتة التي تم تنظيمها في قصر المؤتمرات، والتي حضرها الرئيس. السهرة لم تتم تغطيتها بشكل مباشر، والرئيس جاءها بهدوء وتركها بهدوء، دون أن يحتفل بالنتائج، ودون أن يعبر عن استيائه من هذه النتائج. مرة أخرى يتصرف الرئيس بطريقة مرتبكة.
هذه السهرة المرتبكة، وهذا التأخر المثير للشكوك في الإفراج عن النتائج ليوحي بأن هناك شيئا ما يخطط له، وعموما فنحن في كل الأحوال سنكون أمام ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن تستمر اللجنة المستقلة للانتخابات في مواصلة تزويرها الذي بدأته من قبل التصويت على الاستفتاء وفي يوم التصويت، وأن تتمادى في هذا التزوير لدرجة تقبل فيها بتزوير المحاضر وبالتلاعب بنسبة المشاركة وبنسبة المصوتين ب "نعم" إلى أن توصل النتائج في شكلها النهائي إلى المستوى الذي يوحي بنجاح الاستفتاء ..هنا أود أن أقول للجنة المستقلة للانتخابات بأن تزويرها في هذه المرة سيكون مكشوفا ولا يحتاج إلى أي دليل إثبات بعد أن قاطع الشعب الموريتاني مهزلة الاستفتاء، وعليها في هذه الحالة أن تعلم بأن الشعب الموريتاني لن يقبل التزوير، وبأنه سيحاسبها على ذلك التزوير، عاجلا أو آجلا.
الاحتمال الثاني : أن يهدد الرئيس الموريتاني بإلغاء اللجنة المستقلة للانتخابات، وبإلغاء الشعب الموريتاني، كما ألغى تصويت مجلس الشيوخ، وأن يلجأ في هذه الحالة إلى تأويل مادة أخرى من الدستور الموريتاني، وأن يقول بأن الدستور الموريتاني يسمح له إذا ما وقف الشعب الموريتاني ضد مصالح الدولة الموريتانية، أن يلجأ إلى إصدار مرسوم رئاسي يلغي مقاطعة الشعب الموريتاني لاستفتاء 5 أغسطس، ويقضي بتغيير العلم وبإلغاء مجلس الشيوخ دون الحاجة للاستفتاء. وفي هذه لن يعجز الرئيس عن إيجاد قانونيين يشرعون له إمكانية تغيير العلم وإلغاء مجلس الشيوخ من خلال مرسوم رئاسي، والبركة في القاضي ولد الرايس وبقية "الجوقة القانونية".
الاحتمال الثالث : أن يعترف الرئيس بالهزيمة وأن تمتلك اللجنة المستقلة للانتخابات الجرأة لتقول بأن التعديلات الدستورية قد تم إسقاطها شعبيا في يوم الخامس من أغسطس كما أسقطت في يوم السابع عشر من مارس من طرف مجلس الشيوخ..
في هذه الحالة على الرئيس أن يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لقراره غير الدستوري، والذي قرر بموجبه أن يستفتي الشعب الموريتاني على تعديلات دستورية كان قد تم إسقاطها من طرف مجلس الشيوخ.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل