لقدْ عَدَلتُ في إطلالتي الماضية من هذه السلسلة الكتابية عن زيارتي لمدينة بومديد العزيزة والحبيبة يومي السبت والأحد الماضيين عن الكثير والكثير من الطرف والنوادر سجّلتها من هنا وهناك في كل دروب هذه الرحلة الشيّقة والجميلة وفي شتى مساراتها وميادينها... فلو سطّرت لكمْ كل شاردة وواردة خلال هذه الزيارة لطالت بيَّ الكتابة وطالتْ بكم القراءة وطال بالجميع المقام والإنصات..., ولكنني فراراً من التطويل المُملِّ وإعراضاً عن التقصير
المُخلِّ وتحبيذاً للاختصار المُجلِّ نظرت من كل الزوايا والدروب فوجدتها كثيرة وكثيرة.. جداً جداً.. فسطّرت منها كلما يفيد المهتمَّ ويسبي القارئ ويطرب السامع ويسجّل التاريخ ويبقى في الكتاتيب والأذهان.. كقبس مضيءٍ أوْ ومضةٍ مؤتلقة في دروب هذه الحاضرة المميزة والفريدة في عطائها ووفائها وصدقها وإخلاصها.. والضاربة بسهم قويٍّ ونصيبٍٍ وافر وحظٍ ظافر ومائر ونائر.. في المجد والعمق والإخلاص والتاريخ...,
إنَّ المتحدّث عن حاضرة من حواضر الشموخ والرّسوخ والعلم والحلم والتألق والعطاء... مثل مقاطعة بومديد سيجد بكل تأكيد تعبا ونصبا وعنتا ومشقة وعناء... ولا سيّما إذا كان كوَّيتباً مثلي رطب العود طريَّ العنقود بضاعته في هذا المجال مزجاة والأخطاء القاتلة من قبله متوقعة ومُتوخاة... ومما لا شكّ فيه أنه سيضيع في سبر أغوار التفاصيل وسيتقمَّص ويتقلصُ حبره ومداده في بيداء من المعلومات يضلّ بها القطا الكدر الأبابيلْ, وسيمخر عباب بحر هائج من المعارف والأنجاد والأمجاد والأفعال الحسان والأقاويل... وسيحار ويرتبك ويتلعثم...!! من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟ أيبدأ من التاريخ الصالح أو العطر الفائح لهذه المقاطعة الجميلة والضاربة في التاريخ والمجد والتميّز والسّموق...؟؟ أمْ يبدأ بعلمائها الأجلاء؟ أو بزهادها وعبادها السادة الفضلاء؟ أمْ يسطّر بحروف من ذهب عن محاضرها وحواضرها ومنابرها ومنائرها وما أكثرها وأجلّها وأبهاها, وأنبلها وأعظمها وأسماها..؟؟ أمْ يملأ الدفاتر ويحبر المحابر ويسبي الخاطر ويطرب السامع والناظر بالتسطير عن شيوخها ووجهائها وساستها وأدبائها؟؟ أمْ عن التعايش السلمي والأخوي والتآزر والتصاهر والتضامن والتشابه والتماثل... في العادات والأعراف والمكارم والأخلاق والإنصاف.. حدّ التطابق والتماهي..!! بين مجموعاتها وأعراقها؟؟!! فتبارك الله أحسن الخالقين.
وبالعودة ولو قليلا إلى الرّحلة الآنفة الذكر والطيبة العطر يطيب لي هنا أنْ أشير إلى أننا في طريقنا إلى مدينة بومديد الحبيبة مررنا مرور الكرام بمحاذاة قلعة من قلاع التميّز والوفاء والشموخ, ومعلمة من معالم التفرّد والعطاء والرّسوخ.., ألا وهي مدينة: (ديسق) الصامدة والراسخة القدم في المجد والعبق والتاريخ..., وعند ازورار الشمس من كبد السماء غرباً واصفرار الأرض وامتداد الظلّ حدّ الضِّعف من المقيل أنخنا رواحلنا على تلٍ مرتفع هناك يعلوه كثيب شديد الألق والنصاعة والبياض.. من أجل صلاة العصر صليناها به اثنتين قصرا امتثالا للأمر واغتناما لفرصة الرخصة {إنّ الله يحب أنْ تؤتى رخصه كما يحب أنْ تؤتى عزائمه}, ثم واصلنا الرحلة في تؤدةٍ وتمهّل رويدا رويدا.. كما أسلفت في المقال السابق نظرا لصعوبة تضاريس الأرض وسهولها ووهادها وأخاديدها وأنجادها.. وعند ما وصلنا أوْ كدنا نصل مضارب بومديد تراءى لنا من بعيد الطود الراسخ والجبل الباذخ, على مرّ الحقب والتاريخ وهو يطاول عنان السماء ألا وهو الطود الأشمْ المعروف محلياً بــ: (توباد) وهو يطلّ من المشرق على مدينة بومديد الحبيبة والعتيقة.. وكأنه يحرسها من نوائب الدهر وعاديات الزمن.., يخيّل إليك وأنت تراه أوّل وهلة من بعيد يجلببها بجلباب من العزة والقوة والشموخ... أنه بالفعل حارس ضخمُ العواتق قويَّ السواعد صعب المراس ينامُ على أطرافها يرقبها من بعيد, ويحملق في وجه كلَّ من هبَّ ودبَّ باسطٌ ذراعيه بالوصيد!! وعند اقترابنا رويدا رويدا من مدخل المدينة الجميلة يطالعنا من الغرب على اليسار غير بعيد الطود الصغير الموسومُ محلياً بــ: (بلكليب اسقيرْ) وكأنه في شموخه ورسوخه وشممه وتحفّزه وارتفاعه... يراقب الثريا أو زحل أو الجوزاء..!
أقول لأصحابي ارْفعوني فإنني***يقرُّ بعيني أنْ سُهيلا بدا ليا
بأنَّ سهيلا لاح من نحو أرضنا***وأنَّ سهيلا كان نجماً يمانيا
ومع اقتراب الليل وقدْ جلبب بسواده العظيم الوادي المضمّخ بالعزة والكبرياء والشهامة والسيادة والإيباء.. وقدْ صدحتْ جميع مآذن بومديد بملإ فيها أنْ حيَّ على الصلاح حيَّ على الفلاح أزفت اللّحظة التي ترقبها الجميع, وعزف على أوتارها الرفيع والوضيع.., وتسمّر في انتظارها الكبير والصغير والرَّضيعْ...!!
في مدخل الحمراء كان لقائنا***ما أطيب اللّقيا بلا ميعادي
فقدْ لبستْ مدينة بومديد العتيقة والعزيزة.. أبهى حللها وتسربلتْ بأحسن مكارمها ومثلها.. انتظاراً لقدوم الأحبة والإخوان فرحّبتْ بهم بأبلغ أسلوب وأفصح بيان,
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع***وجب الشكر علينا ما دامَ لله داع
ولسان حالها ينشد ويشدو مع الشاعر القديم:
ولا خير في الدنيا إذا أنت لمْ تزرْ***حبيباً ولمْ يطربْ إليك حبيبُ
فلا تسألوني بارك الله فيكم ومتعكم بما تحبون ومدّكمْ بأكثر مما ترجون وتودّون وتتوقعون... عما يجيش بالنفوس من المودة والسرور بل ولا حتى عما يختلج بالقلوب والأذهان والصدور من السماحة والحماسة والظرافة والحبور...!!!,
بتنا ليلتنا في أنعم حال وأهدء بال وأصبحنا وأضحينا في أتمّ نعيم وأكمل إفضال.., وفي المساء نظّم المهرجان وحضره الأحبة والأصدقاء والإخوان... وصدر منه ما صدر وكان ما كان.... مما حدّثتكم عنه سابقا في المقال الآنف النشر والفائح الطيب والعطر.. بأبلغ وأنصع بيان.. وفي الختام وللأمانة في الكتابة والنقل والكلام.. أشير إلى أنني قرأت بعد القطعة الأولى التي سطرتها لكم في المقال السابق بعنوان: رحاب المجد قرأت بعدها مباشرة ودون أدنى تمهّل أوْ تريث: قطعة أخرى وهي في الإشادة برئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وهي بعنوان: شنقيط قبلك ما زالت معذبة, وسأسطّرها لكم هنا تسطيرا إكمالا للفائدة وإمعانا في الشفافية والمتعة والتشويق والإطراء... وهي على النحو التالي:
شنقيط قبلك ما زالتْ معذبة:
إنهضْ فدتكَ الغواني معصماً خضبا***وانسابَ غيثك في الصحراء مُنسكبا
انهضْ إلى غدكَ الميمونُ طالعه****تأبَّط المجدُ في عليائكمْ رُتبا
انهضْ عزيزُ فما في القوم مثلكَ في***ردِّ المظالم للمسكين مُسْتلبا
كانتْ بلادكَ قبل الأمس تائهة***واليومَ فاقتْ بلادَ العجم والعربا
فذي معاهدها تسموا بكمْ شرفاً***وذي منابرها تشدو لكم طربا
وذي مرابعها تلقاك باسمة***وذي مزارعها ترنو لكمْ عجبا
شنقيط قبلك ما زالتْ معذبة***تشكو النكاية والتهميش والنّصبا
فارفعْ منارتها الغراءَ شامخة***واحفلْ بها وطناً واطربْ لها أدبا
أنتَ الفتى ابنُ جلاّها وابنُ بجدتها***أكرمْ بكمْ نسباً أكرمْ بكمْ حسبا
تلكَ السيادة والرحمن يعصمها***تلك الشهامة لا زوراً ولا كذبا
ونظرا لكون هذه القصيدة قدْ لا تروق أبدا مع الأسف الشديد لبعض الأحبة والأصدقاء لأسباب تخصهم وتعنيهم أكثر من غيرهم, يطيب لي هنا وفي ختام هذا المقال الذي يبدو أنه قد طال وانثال إلى أبعد الحدود عن غير قصد مني ولا إصرار ولا تدبير..., فإنني سأحاول في ختامه أنْ أفيَّ ولو بشكل مقتضب بوعد سبق وأنْ قطعته على نفسي لبعض الإخوة والأصدقاء عن الإفصاح إفصاحا ودون أدنى مواربة أو رتوش عن ماهية مواقفي وتبريراتي مما يدور في الساحة الوطنية هذه الأيام ونظرا لأنّ هذا المقال بدأ يطول ويطول ويطول..., فإنني سأحاول الإجابة من خلال أسطر قليلة عسى أنْ أعود للموضوع في مقال لاحق بحول الله وقوته ولطفه وتوفيقه.. إنْ قدّر لي ذالك وبقيَّ في العمر متّسع وفي القوس منزعٌ... وستكون إجابتي غير تقليدية بالمرة بلْ ستكون في جملة تساؤلات نكرة في سياق العموم عسى أنْ تجد من يجيب عنها بكل تجرّد وتبصّر وتمعّنٍ وإنصاف... بعيداً عن الاصطفاف والاستقطاب الحاد والمواقف والمواقف المضادة في الثنائية العقيمة التي عشناها وما نزال نعيشها للأسف الشديد بين الموالاة الناصحة والمعارضة الناطحة!! فهؤلاء في الأغلبية لا يرون إلاّ البياض الناصع وبالتالي فالبلاد في نظرهم على أحسن ما يرام من البناء والنماء والرفاهية والشفافية والازدهار والشهامة والسيادة والصفاء والنقاء...
أمّا المعارضة الناطحة فلا ترى إلاّ السواد القاتم يجلبب الأفق والسماء ويحطّم الآمال والأحلام والحال والمآل والنماء..!! فلا طرق ولا مستشفيات ولا صحة ولا تعليم ولا إنجازات..! كلما هنالك تفاهات ومتاهات ومطبات وخزعبلات...!!!
دعوني هنا أيها الأحبة الكرام وبادئ ذي بدءٍ أشير إلى أنّ الديمقراطية الغربية البادية الجودة والشفافية والمرونة والإنصاف...! هذا في نظر البعض منا طبعاً حتى لا أعمّم لا تمتّ إلى الإسلام بصلة ولا حسب ولا نسب ولا ولا.. ولا هم يحزنون!! فما هي بالشورى الإسلامية المعهودة والمعروفة في صدر الإسلام ولا هي بالحلّ السحري للمشاكل والعوائق والأسقام... بل غاية ما اخترع القوم وانبهر البعض به عندنا وفي جميع الدول الإسلامية أيَّما انبهار وأصرّوا على تطبيقه حرفياً في بلادنا وبلاد المسلمين أيّما إصرار وإصرار وإصرار.. محبذين السير خلفهم المنكب بالمنكب والساق بالساق وحتى لو دخلوا جحر ضبٍ يجب في نظرهم أن ندخله وراءهم وإزاءهم وأمامهم.. !!, إنّ القوم يا سادة قد اخترعوا وصمموا ونظموا نظاما ديمقراطيا يناسبهم بلْ وعلى مقاسهم ومقاصدهم ومراميهم وأهدافهم... لا يحدّه سقف ولا حدود ولا يؤطّره شرع ولا عرف ولا عهود..!! أمّا نحن المسلمون فلنا ولله الحمد أكثر من حدٍّ وضابط ومؤطّر... وأوّل مؤطّر ومؤشّر وأوّل ذالك وأحده وأدقه.. هو قوله صلى الله عليه وسلم: {عن العرباض بن سارية السّلمي رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ:" أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".} وإنّ من قواعد الشريعة الإسلامية المؤكدة والغير مبتذلة أوْ منقوصة أوْ منسوخة..: (منْ اشتدّتْ وطأته فقدْ وجبتْ طاعته) وفي هذا المعنى يحكى عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنّه ردَّ على عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما لمّا استنكر عليه مبايعته لليزيد ابن معاوية خليفة للمسلمين بقوله نعم بايعته (وإنّ حاكماً غشوم خيرٌ من فتنة تدوم) وبالعودة لتساؤلاتي الآنفة الذكر أقول وإنني أعلم ما أقول وأعنيه وأدافع عنه وأحميه.. : منْ من الرؤساء الموريتانيين على كثرتهم وتنوعهم واختلاف مناهجهم وخطاباتهم وحتى اتجاهاتهم الجهوية والإقليمية من منهمْ استطاع أنْ يسطّر في سجل رآسته الذهبي الإنجازات التالية: من منهم طبع المصحف الشريف في نسخة شنقيطية موريتانية كريمة وأنيقة..؟؟ من منهم أنشأ محطة تلفزية قناة المحظرة تهتمُّ بشؤون الإسلام وأصول الدين بعيدا عن السياسة ومطباتها؟؟ من منهم استطاع أنْ ينشئ محطة إذاعية راقية وذائعة الصيت تفقه الناس في أمور دينهم ودنياهم فتعلم الجاهل وتنبه الغافل وتذكر الناسيَّ وتوقظ اللّاهيَّ وتبث الآداب وتسبي العقول والألباب وتثبّت مكارم الأفعال والأخلاق.. ألا وهي إذاعة القرآن الكريم الرائدة في مجالها والرائقة والماتعة والمفيدة.. في مضمونها ومؤداها؟؟ ثم يا ترى من منهم أنشأ وأسّس حالة مدنية ابيو مترية آمنة ومؤمنة موحدة الأهداف والأرقام وحامية وضامنة للسلام والوئام والنظام...؟؟ من منهم استطاع بكل بسالة وشجاعة منقطعة النظير أنْ يكنس سفارة الكيان الصهيوني جهارا نهارا ودون أنْ يرفَّ جفنه أوْ ترتعد فرائصه..؟؟!! من منهم جسد سمعة وطنية رائدة في الداخل والخارج؟؟ من منهم يا ترى استطاع وبكل شجاعة وشهامة وأريحية وبسالة أن يستضيف القمة العربية في خيمة عربية كريمة وأصيلة.. وأعدَّ لها إعداداً حسنا وجميلا في برهة من الزمن قصيرة بعد أنْ اعتذر عنها البعض اعتذارا وفرّ أمامها فرارا وما هو منا ببعيد!! حفاظا على سلامة البيت العربي وانسجامه ووحدته ووئامه... فأعاد بذالك لبلاد شنقيط ألقها وعطائها وبديعها وبيانها وهي التي ظلّت ردحا من الزمن غير قصير تلاقي من الأخوة الأشقاء النكد والتهميش والنسيان.. والدفع بالأبواب والإبعاد والإقصاء والحرمان...؟؟!!! منْ منهم قاد القادة الأفارقة في قمة رائعة سامقة.. من بحث لهم بكل أمانة وصدق وتجرد.. عن حلول مشاكلهم فحلّ منها ما حلَّ وذلّل منها ما ذلّل وشرق فيها وغرّب واختزل وأسبل... ؟؟ من فكّ العزلة القاتلة ومهّد السّبل السابلة عن مقاطعة باركيول وكنكوصة واركيز ومال وسيلباب وكوريْ وجكن وازويرات وتكانت وبومديد وتيشيت في الطريق ووو... والحبل على الجرار؟؟؟ من شيّد مطارا كبيرا خارج العاصمة يتّسع للكثير والكثير.. من الطائرات والأمتعة والأشخاص...؟؟ من أنشأ وأسّس واشترى ورتب أصطولا جويا قويا في ظرف وجيز؟؟ منْ شيّد الجامعات الجامعة؟؟ منْ بنى المستشفيات وزودها بجميع الأجهزة والمستلزمات وما مستشفى كيفه عنا ببعيد؟؟!! من سلّح الجنود وأمّن الحدود وجيّش الجيوش وأكرم الجوار وحمى الأعراض والديار والذمار..؟؟؟ من ومن ومن...؟؟؟!!!
ومع هذا كله لا أجد غضاضة مطلقاً في أن أقرَّ بأنه ما زالت هناك نواقص ونواقص... تبحث عن حل لمّا تجده بعد وإنّ التمام والإحاطة والكمال في جميع الشؤون والأمور من الدلال والمحال كما يقول ابن دريد في مقصورته الشهيرة:
إذا تصفحتَ أمور الناس لمْ***تلفَ امرأ حاز الكمال فاكتفى
ويقول الآخر:
ومن ذا الذي ترضى سجاياهُ كلها***كفى المرءَ نبلاً أنْ تعدَّ معائبهْ
وأخيرا يقول الشاعر الآخر ولقدْ أحسن أيّما إحسان:
ولستَ بمستثنٍ أخاً لا ذمّه***على شعثٍٍ أيُُّ الرجال المهذبُ
وخلاصة القول وزبدته وحصيلته... هي في نظري أنّ الأمور كلها نسبية إلى أبعد الحدود والسقوف والنتيجة والمآل..., إلاّ أنّ ما لا يدرك كله لا يترك جله إذاً فعلينا أن نعترف لكل ذي حق بحقه وبعد ذالك نطالبه بما كان من نقصان إن كان من أولي الأمر ومن حماة الأرض والعرض من الخوف والضر والإصر..., وأمّا الانشغال بالمتاهات والمطبات والخزعبلات... والتنابز بالشتائم والألقاب..فلا فائدة ترجى من ورائه ولا حكمة ولا وحدة ولا نموَّ ولا سموَّ ولا حتى شهامة أوْ سيادة تجتنى من خبائه وكمْ ضاعت التنمية والأمن والدول وحتى البلدان والأوطان من برحائه وتداعت القيم والأخلاق والمكارم في أوّار غباره فلا زمان ولا مكان ولا حنان يحمي ويؤوى له حين لا قدّر الله يقترب أوان أوانه... فاتقوا الله عباد الله في وطنكم الكريم وكونوا من دونه حصنا منيعا رفيعا أمام كل خطب رهيب وجسيم.. فما أنتم عنه بمنتقلين ولا أنتم له بمبدّلين أوْ مستبدلين ويجب ألاّ تكونوا لخيره الشامل وحضنه الدافئ وعطائه الدافق وأمانه العاصم بالمنكرين والجاحدين.. فكونوا عباد الله إخوانا واعتصموا بربكم ودينكم ووحدتكم وألفتكم...وحافظوا على وطنكم فإنه يسعكم جميعا من قبل ألاّ يكون لكم وطن أوْ بلاد أوْ تضيع البلاد والعباد ويتبخر الرشاد والسداد.. ولات حين مناص حين لا ينفع الندمْ وحين لا يمكن لأحدكم أنْ يتأخّر أوْ يتقدمْ على حدّ قول القائل:
ندمَ البغاة ولاتَ ساعة مندم***والبغي مرتعُ مبتغيه وخيمُ
ألا هلْ بلّغتْ اللهم فاشهد؟؟؟
ولله الأمر من قبل ومن بعد, عليه توكلت وإليه أنيب هو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلاّ به سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلاّ على الظالمين.
والله من وراء القصد,هو حسبي وعليه اتكالي ومعوّلي واعتمادي...,