أبرزت نتائج استفتاء 5 أغسطس 2017 بجلاء موافقة الشعب الموريتاني بنسبة ساحقة على التعديلات الدستورية ، والتي استهدفت خصيصا:
1) تعميق الشعور الوطني من خلال ربط الأجيال الحاضرة والمستقبلة بتضحيات ماضي مشرف من البطولة والفداء من أجل الوطن من خلال تنمية نتائجها ، استقلال البلاد ووحدتها ، والامتنان للشهداء الأبرار من أبطال المقاومة وأبطال قواتنا المسلحة وقوات أمننا في حقبة ما بعد الاستقلال إلى اليوم.
وتجسد ما ترمز إليه تلك الدماء الزكية من خلال الدلالة الرمزية للخطين الأحمرين اللذين سيحيطان طوليا بالعلم الجديد.
2) دينامية العمل الديمقراطي وتفعيله من خلال الاستغناء عن غرفة الشيوخ، و الاكتفاء بغرفة النواب سيترتب عليه ترشيد المال العام ، وينعكس على حيوية العمل الحكومي ، ويضعف البيروقراطية ويسرع من مناقشة القوانين ، مما سيترجم إيجابيا على جهود التنمية ، والبناء وهنالك دول كثيرة تأخذ بهذا النظام واستفادت من كفاءته منها تونس، والكويت، ومصر، والسنغال، وغيرها.
وسيترتب أيضا على إلغاء هذا المجلس إنشاء مجالس جهوية مسؤولة عن التنمية الجهوية ، بما يقرب الخدمات من المواطنين، حسب أولوية كل إقليم ، أو ولاية في مجالات الصحة ، والتعليم ، والبنية التحتية ، والقطاع الريفي، مما سيحدث طفرة نوعية في مجال تنمية الداخل الذي عاش عقودا من التهميش لم تنته إلا عام 2009 عن ما بدأت مشاريع فك العزلة عن داخل البلاد، بل وتنظيم والأحياء العشوائية في انواكشوط وانواذيبو وغيرها وتهيئتها بالبنية التحتية اللازمة ، ناهيك عن بناء المستشفيات في عواصم الولايات بل وبعض المقاطعات الكبيرة ، وتغطية النقاط الحضرية الريفية الأخرى بالنقاط الصحية المجهزة.
هذا إضافة إلى مشاريع المياه الكبرى في آفطوط الشرقي ومثلث الأمل (الفقر سابقا) ... إلى آخره.
3) دمج مؤسسات دستورية ، ووطنية ، متشابهة الوظائف متداخلة الأدوار في مؤسسة دستورية واحدة مما يعكس الرغبة جادة في مكافحة التبذير ، واستغلال جهود هذه المؤسسات مجتمعة في عصب إداري وتنظيمي واحد بحيث يتمكن من العمل بفعالية في مجال الفتوى ، وتقديم الاستشارات للحكومة في الشؤون الإسلامية إضافة إلى القيام بدوره المرتبط بالعمل على رفع المظالم ، والوساطة بين المواطنين والجهات الإدارية المختلفة عند ما يطلب ذلك منه من طرف المعنيين.
4) تفعيل دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي من خلال إضافة المشغل البيئي كواحد من الأدوار الأصلية لهذا المجلس الهام مما سينعكس على جهود مواجهة التغيير المناخي ويسهم في مواجهة التحديات البيئية التي تواجهها بلادنا كغيرها من بلدان العالم في هذه الآونة .
إننا منذ يوم السادس من أغسطس تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء من طرف اللجنة الوطنية للانتخابات مدعوون إلى ما يلي:
1) على الموالاة أن تقوم بمراجعة شاملة لما أنجز، وما لم ينجز، والتركيز على إعادة النظر في استيراتيجية التنمية بما يتلاءم مع مخرجات التعديلات الدستورية سعيا لبناء موريتانيا جديدة أكثر حيوية ، وقدرة على النهوض الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي وغيره، مع مراجعة شاملة لأية أخطاء في المرحلة قبل التعديلات الدستورية، خاصة فيما يتعلق. باختيار الأشخاص لتولي المناصب، ووضع خطة للإسراع في تنفيذ المشاريع المقررة ، أو المتوقفة ، ولن يحدث ذلك إلا إذا تم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب طبقا لمبدأ الكفاءة ، والمؤهلات والخبرات، وينتظر أن تؤدي تلك المراجعة من بين أمور أخرى إلى حفز الطاقات الحية للولوج في عملية البناء الوطني وتحمل مسؤوليات التنمية الوطنية.
2) على المعارضة سواء تلك التي شاركت أو التي قاطعت أن تعلم أن موريتانيا الجديدة لا رجعة فيها، والتعديلات الدستورية أصبحت جزءا من الدستور ولا مجال لمناقشتها أو التحاور من جديد حولها كونها كما أبرزنا جاءت نتيجة حوار بين معظم مكونات الطيف السياسي مع أن الجميع كان قد دعا إلى الحوار، الذي أفضى لحزمة إصلاحات ، كان أهمها ما صادق عليه الشعب الموريتاني في الاستفتاء الأخير ، وقد كانت بعض هذه التعديلات مطلبا قديما لبعض أبرز أحزاب المعارضة المقاطعة.
إن الجميع مطالب بالانخراط كل من موقعه في موريتانيا الجديدة.
إنني لا أتصور أن المعارضة الوطنية بمختلف أطيافها تمنع عن الوقوف مع نظام وطني أعاد الهوية الحضارية للبلد، وخلصنا من عار إقامة علاقات مع العدو الاسرائلي المغتصب، وقد أثبتت أحداث الأقصى الأخيرة عظمة هذا الموقف وتاريخيته.
هذا النظام الذي انحاز للفقراء وحملة الشهادات والشباب العاطل من ذوي الكفاءات البسيطة والمتوسطة (مدارس التكوين المهني، مشاريع وكالة الشباب وأقام نهضة تعليمية (مدارس الامتياز...) وأحدث ثورة في التعليم العالي ( المراكز الجامعية ، مدرسة المهندسين ، المعادن ) كما عمل على تطوير ودفع قطاع الصحة لخطوات كبيرة (كلية الطب) المعاهد الصحية المتخصصة ) مدارس الصحة المتوسطة...) .
هذا النظام الذي عمل على محاربة الإرهاب ، والجريمة المنظمة ودعم الأمن الداخلي ناهيك عن دبلوماسية نشطة بشهادة مختلف دول العالم ومنظماته.
إن الجميع مدعو إلى السير مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز نحو بناء موريتانيا تعتمد على التنمية البشرية، وتستغل فيه ثرواتها الطبيعية في مشروعات التنمية، وبناء إنسان موريتاني يوحده الدين والوطنية والانضباط، وقيم المواطنة الصالحة ، وتنوع في ثقافته ، وخصوبة تقاليده وعراقته.
فهل نحن سائرون جميعا نحو هذا الهدف المشترك ، ألا نقدر لهذا النظام أنه جنب موريتانيا الحمد لله ويلات حروب ونزاعات عرفتها دول أقوى واكبر من موريتانيا فهل نحن فاعلون أم أن البعض سيظل يغلب المصالح الضيقة ، والخلافات الشخصية على المصلحة الوطنية العامة، وساعتها لن ينتظره القطار ، الذي بدأت أجراسه تدق بثقة ، وإصرار نحو رحلة بناء موريتانيا الجديدة القوية ، والمزدهرة ، دولة القانون ، والمؤسسات والحريات في ظل المشاركة الإيجابية والمسؤولية الوطنية الكاملة .