درس انتخابي بدار النعيم.. رسائل إلى من يهمه الأمر / هاشم ولد جعفر

شكل الاستفتاء الدستوري الأخير و ما تمخض عنه من نتائج، فرصة للمراقبين من أجل قراءة مآلات الأمور في عدد من الدوائر الانتخابية.
و قد حظيت مقاطعة دار النعيم التابعة لولاية انواكشوط الشمالية باهتمام كبير من طرف المتابعين نظرا لوضعيتها الخاصة كقلعة حصينة للمعارضة الرادكالية و "حزب تواصل" على وجه الخصوص.

لقد ظلت هذه المقاطعة ومنذ انطلاق المسلسل الديمقراطي في موريتانيا عصية على الأنظمة المتعاقبة بحكم حالة الاستقطاب الحاد الذي يميز مناخها السياسي المتقلب.
آخر انتخابات بلدية شهدتها بلادنا 2013 كان الفوز في هذه المقاطعة من نصيب حزب التجمع الوطني للإصلاح و التنمية "تواصل" بعد حسمه للجولة الثانية أمام حزب التحالف الشعبي التقدمي فيما حل الحزب الحاكم في الرتبة الثالثة. وبذلك يواصل حزب تواصل سيطرته على هذه البلدية التي كان قد تولى تسييرها أيضا في الفترة ما بين 2006-2013.
و لم تكن الانتخابات الرئاسية في العام 2014 لتغير من الوضع على الأرض حيث سجلت المقاطعة أدنى نسبة مشاركة على مستوى العاصمة انواكشوط، في ظل مقاطعة غالبية أحزاب المعارضة لتلك الانتخابات.
و قد يتساءل البعض لماذا فشل الحزب الحاكم في استمالة ناخبي هذه القاطعة حتى في الأوقات التي تتخذ المعارضة مواقف سلبية من المشاركة، ما يتيح أمامه الفرصة لكسب ود الناخبين.
تساؤل يرى البعض أن الإجابة عليه لا تحتاج كثير عناء، و إذا عرف السبب بطل العجب. فمقاطعة دار النعيم التي يعتبرها البعض خزانا انتخابيا للمعارضة، يعتبر آخرون أن هذا التوصيف لا يعكس بالضرورة الواقع على الأرض بل يميل للمبالغة و الدعاية السياسية.
فالحزب الحاكم متواجد في غالبية أحياء المقاطعة و يمتلك قاعدة انتخابية تؤهله للمنافسة، لكن العطب يتجلى –حسب العارفين بالميدان- في تناحر مسؤولي الحزب على مستوى المقاطعة و تنافسهم على تصدر الواجهة بأي ثمن، و انتخابات 2013 خير مثال على حالة التناحر هذه.
نتائج الاستفتاء الأخير وجهت رسائل عديدة أبرزها أن الخريطة السياسية للمقاطعة بدأت تتشكل من جديد، فنسبة المشاركة وصلت لحدود 32% ، و لم تكن لتصل إلى هذا الحد لولا جهود مضنية من طرف طاقم حملة الاستفتاء على الدستور.
فقد زج النظام هذه المرة بورقة قوية تمثلت في تعيين الوزير الشاب محمد ولد جبريل كمنسق للحملة على مستوى المقاطعة في إشارة إيجابية للشباب الذي يمثل النسبة الكبيرة من الناخبين، و من المعلوم أن الرجل يمتلك تجربة ناجحة في إدارة الحملات كونه المنسق الوطني لحملة الشباب في الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة.
و قد لاحظ المتابعون أن الرجل عمل على التنسيق مع كل الفاعلين السياسيين دون إقصاء أو تجاوز لأدوار الآخرين، بالإضافة إلى إنعاش 10 مهرجانات لليلة الواحدة في هذه المقاطعة، هذا فضلا عن عملية تحسيس نوعية أشرف عليها بعض الشباب المتمرس على التعبئة و التحسيس و هذه العوامل مجتمعة أسهمت بشكل كبير في نجاح حملة "باب، باب" التي أطلقتها المنسقية أياما قليلة قبل اختتام الحملة، رغم التحديات التي اعترضت عملها و لعل أقلها تركيز المعارضة على هذه المقاطعة ، حيث سجلت اجتماعات لعدد من قادة المعارضة كانت تسعى من ورائها لإفشال العملية الانتخابية.
و كحصيلة عملية يمكن القول أن قراءة موضوعية لنتائج الاستفتاء تمكننا من الخروج بالملاحظات التالية:
1- أن نسبة المشاركة مشجعة في وقت كانت التوقعات تشير إلى نسبة أدنى بحكم أن المقاطعة تسير من طرف حزب معارض مقاطع للاستفتاء.
2- تشير نسبة المشاركة و كذا نسبة التصويت ب "نعم" لصالح التعديلات الدستورية عن فشل خطة المعارضة المقاطعة في ثني الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، و تشير نسبة التصويت ب "نعم" التي وصلت لأزيد من 70% رفض الناخبين لدعوة بعض أحزاب المعارضة المشاركة في الاستفتاء و التي دعت الناخبين بالتصويت ب "لا" ضد الملحقين و البعض الذي دعا بالتصويت ب "لا" ضد ملحق واحد.
3- تأثير المهرجان الختامي لرئيس الجمهورية في خلق وعي شعبي بأهمية التعديلات حيث شارك الآلاف من سكان دار النعيم في هذا المهرجان و انعكس ذلك إيجابيا في توجههم إلى صناديق الاقتراع حيث صوت ما يزيد على خمسة آلاف مواطن لصالح هذه التعديلات في مقاطعة دار النعيم.
4- تراجع التعاطي الشعبي مع الاجتماعات السرية و العمل السياسي المغلف بإطار خيري، مما يستدعي من المعارضة البحث مستقبلا عن وسائل أخرى أكثر نجاعة في التأثير على الناخبين.
5- بات من الواضح أن الشباب هو وقود العملية السياسية بشكل عام، و الانتخابية على وجه الخصوص، و بالتالي كان اختيار منسق شاب لإدارة الحملة موفقا، و ذلك بحكم معرفته بمطالب شريحة الشباب التي تمثل النسبة الكبيرة من الناخبين، و قد أكد المنسق قدرته على التعاطي الإيجابي مع هذه الشريحة و هو ما كان له الأثر الإيجابي على نتائج الاستفتاء.
هذه الملاحظات السريعة تقودنا إلى القول أن هذه المقاطعة تشهد تحولات سياسية كبيرة ستلقي بظلالها –لا محالة- على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، و تؤكد كما أسلفنا أننا أمام خريطة سياسية بدأت تتشكل في هذه المقاطعة.

9. أغسطس 2017 - 23:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا