إن الوضع الراهن - للأسف البالغ -غير مطمئن بشكل حازم على حاضر ومستقبل الوطن، فالنظام قرر الدخول في دوامة القمع والعنف ، على الأقل حتى الآن ، حسب واقعة معركة الاعتصام في ساحة ابن عباس رحمه الله، وحسب مؤشرات أخرى متعددة ، مثل أسلوب تعامله مع الغضب الطلابي وأحداث الوسط الجامعي الملتهب ، ومحاولة فض اعتصام عمال "جرلانية " في إسنيم ، قطاع أزويرات، على وجه الخصوص .
وغير ذلك من دلالات التوجه صوب الخيار الأمني .
والمعارضة - في المقابل – لم تحدد صيغة البديل لولد عبد العزيز في حالة تحرك الجيش لإزاحته عن الحكم وإعطاء البديل الدستوري الفرصة للتبلور، ولو تدريجيا ، ضمن سياق مدة إنتقالية وجيزة ، يحميها الشعب والجيش "يد واحدة " – كما يقول المصريون –ويتصدرو واجهتها مجلس رئاسي مؤقت ، يتزعمه برلماني ، محلي توافق بين أعضاء الغرفتين ، لامسعود ولا بانمبارى لأنهم على الأقل في الوقت الحالي غير محايدين ، ولاكذلك أحد نواب المعارضة البارزين .
فإن تعذر العثور على شخصية برلمانية توافقية ، يحظر عليها الترشح وعلى جميع أعضاء المجلس الرئاسي المرتقب ، فيكون الأمر إلى عدد الأصوات ، ففيه الحسم والفصل ، على أن يكون منح الترشيح ومنع الأشخاص الأكثر حماسا للتحيز ، وغير ذلك من صمامات الأمان - إن وجدت – مصدر ومبعث أمل للمرور من عنق الزجاجة إلى شاطئ الأمان!.
فإصرار عزيز على الخيار الأمني والقمع لن يمنعه - على وجه أكيد يقين – من الرحيل .
وإصرار المعارضة – ممثلة في المنسقية- على الإعتصام ومواصلة مشوار مطلب الرحيل الطوعي أو الرحيل القسري ، قد لا يكفي لصنع الحدث ، ما لم تتبلور خارطة طريق وبديل مأمون للخروج بالبلد إلى منطقة آمنة ، لدى أغلب الأطراف ، المدنية والعسكرية ، إن لم يكن كلها .
فالجيش لن يقدم على عملية الإنقاذ المحدود الحصري ، ما لم يطمئن على جدوائية المخطط المرسوم ، بصورة جماعية ، وتجاوز المنسقية وحدها لجميع المنتخبين والسياسيين الآخرين ولو فرطو نسبيا ، في سفينة الشأن العام قد لايتجسد بسهولة، وثوار ابن عباس هم مصدر إلهام الجميع ، أغلب حيثيات الحدث الثوري السلمي الجاري.
لكن هؤلاء الثوار الأشاوس ، قد لا يقدرون لوحدهم على تحقيق النصر ، ولو أن السياق القرآني مع غير المسلمين ، وهذا مختلف عن حالتنا ، يؤكد (كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) سورة البقرة .
والإيمان لا يجافي عادة الحكمة والسلم ، ما لم يقهر أصحابه على الدفاع عن النفس ، الذي قد يتحول هو الآخر إلى سواه ، تحت فورة الغضب والعواطف الجياشة .
وفجأة وبدون حساب ، قد نفقد الطابع السلمي للثورة البيضاء ، المهددة فعلا هذه الأيام بجدارة ، خصوصا بعد أحداث الاعتصام في ساحة ابن عباس ليلة 3 مايو 2012 التاريخية المدلهمة ، الحبلى بدلالات وإشارات وتفاصيل الحدث الثوري المرتقب ، الذي قد لا يسلم من بعض بقع دم ثوري راجح لا قدر الله .
وهذا قدر إن وقع ، لكنه خطير ، على مستقبل وحاضر الوطن ومشروعه التغيير السلمي المنشود .
وهنا يتحتم إعادة مخاطبة جميع الأطراف ، عسى أن نقلل الخسائر على الأقل ، إن لم يتم التحكم في مخارج العنف بشكل كامل.
إن العنف أعمى أصم ، عندما يتحرك لايعرف له سبيل محدد ، لأنه لايرى أمامه ، فهو لايعرف إلا أنه انطلق وعليه أن يشفي الغليل، وهذا مستحيل ، وعليه أن يحسم المعركة لوحده ، وهذا مكلف ، وقد يفضي إلى واقع هش ممزق ، أكثر سلبية مما نعيش الآن ، رغم الإستبداد والتلاعب بالشأن العام ، بشتى صنوف التلاعب والتسيب والاستغلال. أن النظام وخصوصا الأجهزة الأمنية –المتورطة جزئيا – حتى الوقت الراهن – فيما حصل من قمع مشين ، مطالبون بالتعقل ومراجعة الحسابات .
فالوطن ليس وطن عزيز لوحده ، ولاوطن المعارضة لوحدها، ولا وطن الشرطة ،ولا أو الدفاع المدني ، أو شرطة الطرق، ولا الدرك ولا.......، وإنما هو وطن الجميع باختصار .
والقانون - وإن كان معطلا الآن – فهو موجود رغم شوائبه النظرية و التطبيقية ، وعند اللجوء إليه ، سيكون من المحتمل الراجح إدانة الطرف الرسمي بجميع مكوناته.
مسالمون ساروا بسلم ،واعتصموا بسلم ،يهجم عليهم في عقر دارهم – والوطن عقر دارهم –فيضربو ن ويسحقون بالمياه الملوثة والمسيلات السامة ، ثم يدعي النظام حفظ الأمن .
أين تهديد الأمن في مسير سلمي وتجمهر سلمي وخطاب سلمي ؟.
إن عزيز كان يملك ورقة التغاضى ، ولو طبيقها ، ربما ما نجحت الثورة ، إلى نهاية مأموريته .
وإن نجحت فعلى فترة غير قريبة ، وبعد إستهلاك الوقت والزمن لصالح النظام القائم الفاسد !.
ولكنه بسبب الحرص على السلطة - بئس المرضعة وبئس الفاطمة كما قال صلى الله عليه وسلم - تعجل حتفه السياسي المحتوم ، بيده وبيد أزلامه الطائشين المأمورين .
فالطاعة إنما تكون في المعروف ، وصدور الأمر الرئاسي بالقمع والظلم ، قد لايكفي يوم القيامة أمام العدل ، ذى الطول والجبروت ، القائل في الحديث القدسي ( إنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) ولا يكفي عند مقاطع الحقوق " أمرت فاطعت دون حساب للعواقب الدنيوية والأخروية ".
إن الإستغراق والولوج في هذا المنحى العنيف القمعي خطير ، وخطره السياسي والقانوني و الأخلاقي أكثر على مرتكبيه من ضحاياه.
فلاتسرف يا ولد عبد العزيز في هذا المسار، وتعقل وتوقف عن التهور والإنزلاق ، فعندما تصر على القمع والخيار الأمني ، تصبح الشفاعة فيك عند الثوار الأبرار المسالمين المخلصين ، مستحيلة ، يوم يظفروا بك، و هو يوم قريب غير بعيد ، عند من له بصيرة أوفراسة ، فما عاد يفصلنا عنه ، إلا وقت يسير يسير بإذن الله .
فا ختر لنفسك ، صيغة المصير والرحيل ، وماأظنها وعلى وجه اليقين ، إلا ذلا وقهرا قادما قريبا، في الأفق المنظور الوشيك .
بسبب ما أقدمت عليه من قبل، من مظالم وتصفية الحسابات ، ومناصرة قبلية واضحة مكشوفة ، عندما حالفت بوعماتو ، وأتيتم بي مقيدا من قارة إلى أخرى ، ثم إلى السجن مباشرة ، والتغريم والحرمان والمعاناة المستمرة حتى اللحظة .
واليوم ننصحك فلا تسمع ، ونعظك فلا تتعظ!!!والعياذ بالله .
وتتجرأ على المسالمين ، فتصب عليهم المياه الملوثة وتفجر في وجوههم السموم الخانقة، وتعتدي على حرماتهم وممتلكاتهم .
فما احسبك إلا(مزب ) ، كما يقال فى الحسانية وما أحسبك بلغة الضاد ،إلا أدركك في الدنيا بعض ظلمك الكثير المتنوع ، الذى تصر عليه وتكابر .
أبشر، برجال مخلصين أوفياء أقوياء ، لايخافون فى الله لومة لائم ، مقبلين غير مدبرين هذه المرة ، يقفون في وجه عنفك الأعمى ، فيغلبونه بالحكمة والصبر والدفاع عن النفس ، وليس بالهجوم .
مشكلين سياجا دفاعيا متينا ، لايقدر عليه جندك بإذن الله، فتسقط هيبة المهاجم المأمور والآمر على السواء ، في ساحة ابن عباس يوم 9 مايو المرتقب إن شاء الله .
وأصحاب التغيير السلمي مطالبين بتصفية المقصد والنية لله وحده ورضوانه ، وتطبيق شرعه بإذن الله ، في كل الحالات وعند التمكين المنتظر (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا لله عن المنكر ولله عاقبة الأمور)سورة النور ( ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ).
والخطاب مكرر مركز، مؤكد للجميع ،أن حذار من العنف .
إن الفعل ورد الفعل ما تجاوز الدفاع عن النفس ، وجهان لعملة واحدة ، وإن كان البادئ أظلم .
والإسهام في ضربه خطيرالعاقبة والمصير ، أخرويا ودنيويا ، قال جل شأنه " من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) سورة المائدة
وخلاصة القول لولد عبد العزيز أن يعتبر ، وللموالاة ( ولو كانت مكسونة بأغلبية معارضة مغلوبة على أمرها )،وللمعارضة ، ولغير المتسيسين ،إن موريتانيا رقعة علم ودين، و أرض لغة الضاد الأولى في عصرنا الحاضر، وهي ماوى المسلمين الشناقطة جميعا ، دون تمييز كبير ، بين العرب والصنهاجة والزنوج وغيرهم .
وأعداؤها بهذا المعنى الحضاري الإسلامي المتنوع كثيرون ،وإن شئتم، قلت صراحة خارجيا وداخليا على الترتيب .
ولا بديل لنا عن هذا الوطن ، فلا تحرقوه.
ومرحلة السيبة، ما قبل الدولة الوطنية الحديثة ،انتهت ولو شكليا ، بميلاد الجمهورية الإسلامية الموريتانية .
ولا رغبة عند الوطنين الرشداء بالعودة إليها كليا أوجزئيا ، ولاحل الى التعقل.
ومطلب الرحيل السلمي ، وأقول السلمي ، قد يكون مطلبا اضطراريا مشروعا ، فرضته تراكمات المظالم ، في هذا النظام وغيره ، ورحيل ولد عبد العزيز ، يراد من خلاله رحيل نظام فاسد برمته ،منذ 1978 وإلى اليوم ، ولو تدريجيا ، ولا رجاء لشائبة "الشخصنة "في مشروعه الوطني الكبير .
ولا رغبة كذلك في إفساده ، من قبل النظام بالإصرار على البقاء في الحكم والكرسي بعد الفشل الذر يع ، وتعريض سفينة الوطن للخطر ، تحت قيادة ربان طائش عاجز ، وسط موج هادر متلاطم، محليا وإقليميا ودوليا.
ولا رغبة أيضا ، في رد فعل على القمع ، يتحول إلى عنف جماعي مفتوح ، لايقدر أحد على كبح جماحه الأعمى.
إذن فلتكن ثورتنا بيضاء ، مسالمة بإذن الله ، بعيدا عن العناد "العزيزي " أو غضب المعتصمين المظلومين ، والأولى الصبر على خط دفاعي حذر ضد العنف والقمع ، ولا خير فيما سوى ذلك .
عاجل : " ياأيها الذين ءامنوا خذوا حذركم"
وأخلصوا نية التغيير لرضوان ربكم ، وتطبيق شرعه الحنيف الشامل، العاصم من كل زلل أو ضياع أو تيه.