اقتراحان عمليان يجبُ أن تفكر فيهما المعارضة الموريتانية المقاطعة / باب ولد سيد أحمد لعلي

حسمت على ما يبدو بموريتانيا مسألة الدستور والتعديلات المثيرة التي انبثقت من حوار ضمّ أحزاب الأغلبية وبعض من أحزاب المعارضة المعتدلة كما توصف بذلك عند أهل النظام وبغياب تام لأغلب أحزاب المعارضة الممانعة حسب دلالات نفس الوصف لنفس الجهة ، ويبدو أن النتائج قد تعتمد على علاتها وعلى ما شابها من تزوير واضح وبين قام على رؤوس الأشهاد .

وهي مسألة لا يجبُ على المرء أن يسكت فيها على الإطلاق لأنها مسألة مرتبطة بالوطن وبمصالحه العليا على الأقل أن يساهم فيها باقتراحات وعرض لبعض ما شهد عليه من تزوير – وذلك أضعف الإيمان – ويترك الحكم بعد ذلك لله وللتاريخ والأيام المقبلة كفيلة بأن ترجح من على الحق وتضحط حجج الكاذبين الذين يستهزؤون بالوطن وبالشعب من أجل مصالحهم هم الخاصة .
لم تبخل المعارضة جهدا من أجل إفشال ما اعتبرته المسار غير الدستوري الذي سلكته هذه التعديلات بتفعيل المادة 38 من الدستور الموريتاني بعد إسقاط الشيوخ له ، كما أنها لم تدخر جهدا في التظاهر والصبر على القمع والتنكيل أيام الحملة التي أطلقت قبل الاستفتاء عليه ، وفي مقابل ذلك لم تبخل الأغلبية الرئاسية ولا الحكومة والا الرئيس نفسه شيئا من أجل إنجاح هذه التعديلات وإقناع الناخب الموريتاني بها ، وإذا ما نظرنا فاعلية الموقفين نجد أن موقف المعارضة كان أكثر فاعلية من موقف الأغلبية رغم فارق القوة والوسائل ، حيث أنهم استطاعوا أن يقنعوا الناس بالمقاطعة  ليضطر بذلك النظام وأعوانه للتزوير .
وإذا ما نظرنا فاعلية التعديلات نفسها وانعكاساتها الإيجابية مستقبلا على موريتانيا ، فإنه يبدو للوهلة الأولى منذ أن بدأت تداعياتها أنه سيفتحُ بابا واسعا للتغير مستقبلا والتغير للمضاد وهو شيء لن يثبت معه شيئا فقط لأن الأمر أبرم من دون وفاق وطني تام وفي مسائل حساسة تتعلق بتغير النشيد والعلم من ناحية وتعزيز سلطة السلطة التنفيذية وإلغاء مجلس الشيوخ من ناحية أخرى ، ولنكن موضوعين لا يوجد شيء محرم ٌ دون التغير والتبديل ، لكن للتغير أسلوب وطريق خاص وهو ما لم نشهده في كل ما تم.
لأسف يبدو أننا أمام ديكتاتورية من نوع خاص لم يشهد العالم مثلها ولا يشهد مثلها ، يتعلق الأمر بدلالات أول تصريح للرئيس الموريتاني بعد الاستفتاء عندما ما قال أننا دولة ديمقراطية وأن المنابر والشوارع مفتوحة للمعارضة من أجل التظاهر ، وهذا هو أسوء شيء ، يعني أنه قال لهم تظاهروا ونددوا كما شئتم وأنتم مواطنون لكن ليس لكم إلا ذلك فكلامكم غير مسموع وشعبيتكم غير معتبرة وتظاهركم إذا تجاوز الحدود سيقمع وليس لكم غير ذلك ، على الأقل من اعتبره مواطن وله الحق في أن يتكلم ويتظاهر يجب أن أسمع كلامه وأن أعبره وإلا ما فائدة كل ذلك إذا لم يُسمع ويعبر من أجل الوطن ؟...!
وهذا نوع جديد من الديمقراطية لم نشهده إلا مع فهم الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز ، ربما كان نوع من تجليات فهم السلطة والحكم عند الجنرال ، فكل شيء ذا فهم مختلف عند العسكر ، وربما هو نوع من الاستخفاف والاستحقار بالآخر وتلك شيمة من شيّم الجبناء ...
لكن الإشكال الذي فرضته الظروف الحالية وتطورات ما بعد الاستفتاء المثير للجدل هو مستقبل العلاقة السياسية بين النظام والمعارضة ، فقد وصلت على ما يبدو لأفق مسدود جدا لا يمكن أن تحلّ فيه على الأقل داخليا ما لم تأتي قوى خارجية وتفرض ذلك بوساطة ، فلا مجال لفتح حوار جديد كما يصر على ذلك النظام ، ولا قبول للمسار الأحاد كما تصرّ المعارضة على ذلك ، ولا بد  ان نفكر في حلٍّ داخلي قبل أن تشرإب الأعناق لا قدّر الله لما هو خارجي .
على المعارضة أن تفكر في القيام بمسألة من المسألتين التاليتين والتين قد يكونا أكثر فاعلية من سواهما خصوصا في تعاطي النظام مع الأمور .
أولهما : أن تفكر في جل جماعي لأحزابها لتقدم درسا مماثلا في القوة للنظام ، فليس معقولا أن يتقبلوا فكرة أن يمن عليهم الرجل بعدم كتم صوتهم والسماح لهم بالتظاهر في نفس الوقت الذي يستحيل حسب كل المعطيات أن يصغي لهم ويخفض الجناح ولو قليلا  أحرى أن يعتبرهم أصحاب وشركاء في العملية ، فلو حلوا أحزابهم لضربوه ضربة قوية جدا وغير متوقعة وتكون الرسالة مفادها لم تقبلنا وتجبرت واستبددت وهذه أحزابنا التي تمن علينا تركناها لك إلى حين أن تقوم حريات وعدل بالمعنى الحقيقي للكلمة ، ويكون المراد من ذلك هو تطبيق الفكرة التشاركية في بناء الدولة
ثانيهما : أن تقوم المعارضة بوصفها رافضة شكلا ومضمونا للتعديلات الدستورية بتشكيل حكومة انتقالية على غرار حكومة ولد عبد العزيز وهو موقف يعطي مصداقية أكثر للمسار الذي سلكته هذه التعديلات بعد إسقاط الشيوخ لها والذي اعتبروه غير قانوني ، في ذات الوقت الذي يتشبثون فيه بحجج التزوير والمقاطعة الواضحة للاستفتاء من قبل الشعب يوم التصويت 05/08/2017 
فالنظام ليس نظاما عادلا وأثبتت التجارب معه أنه يسعى دائما إلى إضفاء الطابع الشخصي على الخلافات السياسية ، وهو أنموذج فريد لم يسبق أن وصلت إليه الأمور في موريتانيا خاصة إذا ما علمنا ان الخطاب السياسي أصبح ساقطا لحد غير مقبول وغير مسبوق ، فيقف الرئيس ويدعو ويسبُ ويصف بأبشع الأوصاف خصومه وهو أمر غير طبيعي مطلقا ، ويفيد بأن عقلية الرجل مزاجية ومحكومة بطبع طفولي متغلب على فهمه للأمور ، وهذان الحلّان قد يكونان أكثر فاعلية من غيرهما ، من أجل مستقبل موريتانيا أولا ومن أجل إيجاد أرضية للتوافق الوطني ، فقد علمتنا التجارب السياسية كذلك في موريتانيا أن الحلّ لن يأتي ما لم يُسد الأفق السياسي كله ، كما علمتنا التجار أيضا أن كل الذين تعاقبوا على السلطة منذ أول انقلاب عام 1978 لهم نفس العقلية ونفس التفكير ونفس المزاج باختلافات طفيفة متفاوتة ، فيأتي الواحد منهم وسط أزمة كبيرة وأفق مسدود ليحدث الانفراج في أول زمنه ثم ما يلبتُ أن يخط نهايته بنفس الطريقة التي ذهب بها سلفه !!

12. أغسطس 2017 - 6:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا