الرسائل الأساسية لاستفتاء الخامس أغسطس في موريتانيا / محمد بابا ولد موهدا

تفيد القراءة الأولية لاستفتاء الخامس غسطس2017 في موريتانيا مجموعة من الرسائل الهامة تتعلق بطبيعة المشهد السياسي القائم الذي افرزه، والنتائج المترتبة عليه بما في ذلك تداعياته المرتقبة، وأبرز السيناريوهات المحتملة لما بعده.

وكان الاستفتاء الذي صوت عليه الناخبون الموريتانيون قد تضمن تعديلا دستورية تتعلق بإلغاء مجلس الشيوخ، تغيير العلم الرسمي، ودمج ثلاث مؤسسات في مؤسسة واحدة هي مؤسسة الفتوى والمظالم حيث يتعلق الامر بكل من مؤسسات: وسيط الجمهورية، المجلس الإسلامي الأعلى، ومجلس الفتوى والمظالم.
1 ـ  أول هذه الرسائل عدم وجود فائز مطلق  في الاقتراع من  ضمن الفريقين   الذين  تواجها فيه : الرئيس وحكومته واغلبيه الحاكمة من جهة، والمعارضة  ممثلة في الجبهة المنشاة حديثا من  ابرز أحزاب  المعارضة (التكتل ـ تواصل ـ تقدم ـ عادل ـ ايناد ..) وبعض  التيارات  الحقوقية  (حركة  ايرا) والشبابية (حركة محال   تغيير الدستور)، والمدعومة  في موقفها  من الشيوخ  وبعض الشخصيات النافذة في الخارج من جهة ثانية.
فلا الرئيس استطاع ان يعلن فوزه الكاسح كما كان متوقعا في السهرة التي أقامها   ليلة الإعلان عن النتائج للاحتفاء بنصره على المعارضة وذلك بعد تصريحاته المتكررة بعدم وجودها في الواقع واقتصار هذا الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أن المعارضة ـ ورغم ادعائها افشال الاستفتاء وانتصارها على الرئيس  وحلفائه ـ لا تستطيع بدورها التمويه على بعض المظاهر القوية لأداء حملة الرئيس لإنجاح التصويت بنعم على التعديلات، مما  يطعن في ادعائها بان النتيجة متحصل كليا بالتزوير وذلك بسبب وجود عدد من المكاتب لم يصوت بها  سوى اشخاص قلائل من  بين  مئات  المسجلين في مقابل تلك التي بلغت فيها نسبة المشاركة والتصويت بنعم مستوى قياسي تجاوز نسبة 90%.
والظاهر للعيان ان رموز السلطة من وزراء ورجال الاعمال وجنرالات قاموا بتعبئة جيدة لقواعدهم وبطرق مختلفة عكستها المسيرات والمهرجانات أثناء فترة الحملة الدعائية التي سبقت التصويت على الاستفتاء، وان فشل أغلب هؤلاء في ترجمتها الى نتائج كبيرة في صناديق الاقتراع في الدوائر الانتخابية المحسوبة عليهم.
2 ـ  ترك انطباع قوي بوجود  تأثير بالغ للمعارضة على  ساكنة المدن  الكبيرة واهمها العاصمتين السياسية (نواكشوط) و الاقتصادية(نواذيبو) اللتين تراوحت نسبة المشاركة فيهما بين 36%  و40% على  التوالي،  وذلك مقابل بروز نفوذ  النظام الحاكم في  القرى ومدن  الداخل والارياف حيث معاقل  النظام القبلي  والعشائري    المسيطر  والمتحالف  مع  السلطة  لضمان امتيازات سياسية واقتصادية او  تحصيلها أو زيادتها ويتعلق الامر هنا بكل قبيلة ذات وزن  ديمغرافي أو  شريحة  اجتماعية  من الشرائح  الثلاث  العرب  والارقاء  السابقين  والزنوج.
3 ـ بدا جليا للعيان نجاح تعبئة المعارضة ضد الاستفتاء وهي التعبئة التي عملتها بشق الانفس حيث كان النظام  يضايقها برفض الترخيص  لأنشطتها  المناوئة للتعديلات  الدستورية ،  مع  ملاحظة  أساسية مؤداها ان المعارضة  وان  لم  تنجح في اخراج الجماهير  للمشاركة  معها  في  التظاهر ضد  الاستفتاء ومواجهة  عصي  الشرطة وغازاتها  المسيلة  للدموع،  فقد  نجحت الى حد ما في التشكيك بجدوائية وقيمة التعديلات  واهميتها  الامر  الذي ظهر عكسه بشكل واضح تدني نسبة المشاركة خصوصا في المدن الكبيرة التي  تعتبر معاقل لها.
4  ـ أظهرت النتائج  المعلنة للاقتراع ان  الرئيس يعيش في وسط  معارض وهو الذي كان يصر  على انكار  وجود المعارضة او تأثير  خطابها   على  الناخبين، حيث أن العاصمة  نواكشوط والتي هي مقر الرئيس  حققت ادنى  مشاركة على مستوى  الوطن بنسبة تصويت لثلث  المسجلين  فيها على  القوائم  الانتخابية، الامر الذي  يمكن ارجاعه ـ مع احتساب دعاية  المعارضة ـ الى عوامل أخرى مثل  نوعية  الشعارات  المرفوعة،  وطبيعة التعديلات المقترحة  للتصويت ومدى اهميتها لدى الناخبين،  وكذا مدى شعبية وجاذبية المسؤولين  الذين  اوكل   لهم الرئيس مسؤولية  تعبئة المواطنين للتصويت على التعديلات  خصوصا في  العاصمة.
5 ـ تفيد التوقعات توجه الرئيس عزيز للقيام بمراجعة شاملة لدائرة المحيطين به من مستشارين ووزراء، حيث يتوقع في هذا النطاق ابعاده للكثيرين منهم خصوصا الذين تولوا مراكز قيادية للتعبئة لصالح التصويت للتعديلات الدستورية في المحافظات والمدن التي تميزت بوجود نسبة مشاركة متدنية.
6 ـ خروج الشيوخ من العملية السياسية بعد تصديق المجلس الدستوري على نتائج الاستفتاء واعلانه نتيجته بصفة نهائية، حيث ظهر ان هدف الرئيس من الاقتراع بالأساس يتلخص في اخراجهم من المشهد (يعتبر الغاء مجلس الشيوخ أهم بند في التعديلات الدستورية المصوت عليها) وذلك  لتخفيف الضغط على معسكره بعد أن انتقلت معهم المعارضة من الشارع الى داخل مؤسسة تشريعية ذات صلاحيات وازنة في إقرار القوانين والاتفاقيات والرقابة على الحكومة، مع توقع انسحاب عدد من الشيوخ فرادى أو مجموعات من الحزب الحاكم الى  المعارضة  بقصد محاولة الاستمرار قريبين من دائرة الضوء والتأثير  في المشهد السياسي من خلال خرجات إعلامية او مبادرات معينة.
7 ـ تسجيل تغير مفاجئ في موقف رئيس حزب التكتل أحمد ولد داداه و الذي صرح بعد اعلان نتائج الاستفتاء استعداده للحوار مع الرئيس عزيز والذي كان يتحفظ على محاورته، وهي خطوة ينتظر أن تخلط  كل اورق السياسة في موريتانيا، كما يتوقع أن تعمل ـ في  حالة  تمخضها  عن وجود تقارب أو اتفاق بين الطرفين ـ الى قلب المشهد السياسي راسا على  عقب، حيث يعتبر ذلك  تغيرا كبير في  موقف ولد  داداه بعد ان كان من دعاة  مقاطعة الحوار مع  نظام عزيز  حيث  انسحب قبل  اشهر قليلة من منتدى  المعارضة بسبب الانقسام الذي تسبب فيه نتيجة تمسكه بشروط مسبقة للحوار مع النظام.
8 ـ يؤشر الوضع السياسي الحالي في موريتانيا الى تغير في علاقة النظام مع المعارضة، و يخص  ذلك نوع وطبيعة تعامل  الرئيس  مع  المعارضة  مؤخرا حيث يلاحظ رجوع  علاقته معها الى  المربع  الأول  سنة  2008 بعد أن بات  يخاطبها بالعصي  والهراوات ومسيلات الدموع كما فعل معها بعد معارضتها الانقلاب الذي قاده ضد سيدي ولد الشيخ عبد الله.
وقد جعلت الإجراءات التي لجأ اليها نظام عزيز للتعامل بنوع من القسوة مع معارضي الاستفتاء المناخ السياسي يتجه ليكون محتقنا ومشابها للمناخ الذي مهد لانقلاب 2005 وانقلاب 2008 ، خصوصا الوضع الذي نشا عن هذا الانقلاب الأخير بفعل معارضة بعض القوى السياسية له، حيث تسمح المقارنة بينه وبين الوضع الحالي وذلك لوجود مشتركين بينهما:
يتمثل الأول في وجود قوة برلمانية(مجلس الشيوخ) تناوئ الرئيس عزيز وتآزر معارضيه، وذلك مقابل ما عرف حينها (2008) بكتيبة النواب المغاضبة للرئيس ولد الشيخ عبد الله، فيما يخص الثاني عودة نظام عزيز لاستخدام القوة ضد مناوئيه في المعارضة كما  فعل  بعد انقلابه 2008 سبيلا لفرض قبولهم بتنازلات في أي حوار يجريه معهم مستقبلا، مع وجود فارق  مهم يتمثل  في انحياز الجيش للكتلة البرلمانية في العام 2008 ضد الرئيس وهو الامر الذي سمح بخلعه عن طريق انقلاب  في  النهاية  بسبب  ازمته معها، وانحياز المؤسسة العسكرية حاليا   لصالح  الرئيس ضد كتلة الشيوخ مما  مكنه من السعي لإخراج عناصرها من  اللعبة  بإلغاء مجلسهم.
9 ـ تشير الدلائل الى أن سلوك وتصرفات كل من النظام  والمعارضة باتت تحكمهما وتفسرهما محاولة كل طرف توجيه الأمور والتأثير في الاحداث  لما  يخدم فوزه في الاستحقاقات الرئاسية 2019 ، ولعل ذلك ما يلقي بعض الضوع على الخطوة الجديدة لولد داداه بإعلانه استعداده للحوار مع عزيز، اذ يتوقع ان يكون ولد داداه يرمي من وراء ذلك الى بلورة صيغة للتحالف مع النظام ضد  رجل الاعمال  المعارض  محمد ولد بوعماتو الذي  اظهرت  احداث  الشيوخ ومسيرات المعارضة  انه منغمس في المشهد السياسي الموريتاني وفاعل  فيه بتمويل أنشطة المعارضة ودعم موقف الشيوخ المعارض لعزيز، ومما  يجعله مصدر تهديد حقيقي لكل من نظام الرئيس عزيز وامال ولد داداه  في الرئاسة.
ويرجح ان تكون الصيغة التي يسعى ولد داداه لعرضها على عزيز هي اتفاق يعطي بموجبه ولد داداه ضمانات محددة لتامين خروج امن للرئيس وابرز معاونيه من السلطة 2019 (او في انتخابات  مبكرة)، وذلك مقابل  دعم عزيز لولد داداه في تلك الانتخابات،  والعمل معا بصفة مشتركة ضد ولد بوعماتو لقطع  الطريق  امامه  للوصول  الى  السلطة  في موريتانيا في تلك الاستحقاقات او قبلها اذا خرجت  الأمور عن سيطرة عزيز في انقلاب او ثورة شعبية او محاولة اغتيال.
10 ـ يرى  مراقبون أنه سيكون  من الصعب على الرئيس أمام حلفائه الغربيين (الاوربيين والولايات المتحدة) اجراء تعديلات جديدة على الدستور ـ كما وعد بذلك خلال الحملة الدعائية لاستفتاء 5 أغسطس ـ الا بعد اطلاق حوار جديد مع جميع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي او اقناع كتل سياسية وازنة مثل حزب التكتل للمشاركة معه في استفتاء جديد، ويرى هؤلاء المرقبين أن نسبة المشاركة المتدنية في الاستفتاء لا  تفيد في اقناع الغربيين بضرورة اجراء استفتاء آخر، حيث تطرح اكثر  من  سؤال حول نجاحه، وتزيد من تعميق الازمة القائمة بين النظام والمعارضة التي ستجد في معارضتها ومما قد يلجأ معه النظام لمزيد من الإجراءات القمعية معها الامر الذي سيحرج الغربيين أكثر ويدفعهم الى ممارسة الضغط على النظام للتراجع عن تلك التعديلات، او ترك الحرية للمعارضة للدعاية ضدها مما يهدد النظام اكثر في تماسكه ويضعف من فرص زيادة نسبة المشاركة او حتى طرح احتمال اسقاطها بالاقتراع نتيجة الحرية الكبيرة المتاحة للمعارضة لإفشالها في هذه الحالة.
11 ـ تتمثل أبرز السيناريوهات المطروحة لما بعد الاستفتاء، في إعادة تشكيل الخارطة السياسية من جديد لتنقسم الى معسكر التصويت بنعم على التعديلات الدستورية المألف من الحزب الحاكم والأحزاب المساندة له، ومعسكر المقاطعين للاستفتاء أو المصوتين بلا عليه من أحزاب سياسية منظمات أهلية وشخصيات مستقلة، وتوقع ظهور دور ابرز لولد بوعماتو في قيادة المعارضة بعد الكشف عن تمويله لبعض أنشطتها ليسمح له ذلك بالانغماس اكثر في التأثير على الاحداث في موريتانيا وممارسة مزيد من الضغط على عزيز لاحترام  تعهده المتكرر بعدم الترشح لمأمورية ثالثة مع محاولة اضعاف سلطته ونفوذه في الداخل والخارج، مع امكان قيام تحالفات جديدة بين عزيز وولد داداه كما ذكرنا سابقا، أو بين ولد بوعماتو ومنتدى المعارضة تقود لترشيحه من قبل هذا الأخير في انتخابات 2019 كمرشح لأهم قطب في المعارضة.

 


محمد بابا  ولد  موهدا                                  
رئيس المركز الموريتاني الدولي  للدراسات والاعلام(المدى)

12. أغسطس 2017 - 18:02

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا