فوجئت برد رئيس الجمهورية على أحدهم عندما قال إن الصحافة تعيش وضعا صعبا وأنها لم تتلق دعما من الحكومة منذ وصوله إلى السلطة، حيث اختصر الرئيس رده في جمل قليلة لكنها جارحة في حق سلطة يفترض أن تكون اليد التي يبطش بها والعين التي يبصر بها،
هذا إذا كان فعلا يؤمن بشعار طالما حمله من أجل التغيير والحرب على الفساد؟!، قال الرئيس باختصار "الصحافة دائما في وضعية سيئة وسياراتها متعطلة". ألم يسأل السيد الرئيس نفسه عن عدد الصحفيين الذين يمتلكون أصلا سيارات، ألم يسأل نفسه عن مصادر دخلهم، وكيف يصرفون على أسرهم، أو كيف يحصلون على رواتبهم؟ سيدي الرئيس إن الصحفي في التعريف المهني، هو من يحصل من خلال مهنته على 65% من دخله.. فهل في موريتانيا من توفر له مهنة المتاعب هذا المبلغ، وهل قدمت حكومتكم منذ وصولك إلى السلطة دعما للصحافة، ألم تعلنها حربا لا هوادة فيها ضد الصحافة والصحفيين أثناء حملتك الانتخابية 6/6، ألم تكرس عداءك لها عمليا بتجفيف منابع دعمها، كما فعلت أمريكا مع القاعدة، واكتفيت بزمرة قليلة تلتقي بها بين الفينة والأخرى وتقدم لها الفتات. سيدي الرئيس: لقد أرهقتنا التفتيشات الدورية التي تقوم بها سلطة الوصاية، للتأكد من المؤسسات الإعلامية التي تلتزم بقانون المؤسسات، (مقار، عقود عمل، ضمان اجتماعي، نظام محاسبة)، منذ ثلاث سنوات ونحن نخضع لهذه الآلية التي هي أشبه ما تكون بتدخلات صندوق النقد الدولي في تسيير دول العالم الثالث لمواردها، الفرق الوحيد هو أن مؤسسات (بريتن ووتس) تقدم قروضا مقابل هذا التدخل؛ بينما الدولة الموريتانية تكتفي بتقديم ما تسميه بالمزيد من "الحريات" وتمنع المزيد من العيش الكريم، فالحرية وحدها لا تكفي لكي يقف الإنسان على قدميه، لأن من لا يحصل على قوته اليومي لا يمكن أن يفكر أو يمر، وهذان المبدآن أساسيان في العرف الديمقراطي. لقد التزمت سيدي الرئيس بتقديم الدعم المقرر سريعا، أملي أن لا يكون مشروطا حتى لا يدخل ضمن طائلة التقييم "الجبراني" نسبة إلى جبران خليل جبران القائل: "ما أظلم من يعطيك من جيبه ليأخذ من قلبك"، لأن الدولة الموريتانية تعودت أن تكافئ من يبني لها قصرا من رماد، وتحاصر من يسمي الأشياء بأسمائها. لقد حان الوقت للتعامل مع المؤسسات الصحفية وفق المعايير والشروط التي تضمنها قانون تنظيم المهنة، بعيدا عن الزبونية السياسية والأمنية التي تدفع لمن يتخذ من حقيبته مقرا، لمجرد أنه من شيعة الجنرال فلان، أو من الذين يسألون الناس إلحافا.... أخيرا هل وعيت سيدي الرئيس أن سبب معاناة الصحافة هو حربك المشتتة التي تختار ضحاياها كما يختار الأعمى هدفه، هل قرأت في تقارير مخابراتك والصحفيين الذين يعملون لتلميع صورة نظامك، أن شعبية الرئيس ولد الطايع الذي أطحت به من أجل محاربة الفساد، في تزايد، لا لشيء سوى أن الشعب اشتاق لعبارته الشهيرة كلما وشى إليه أحدهم بفرد أو مجموعة: (خلو عنكم الناس اتعيش)، وكما قال المشارقة (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، فارفع هامتك عن حروبك الصغيرة مع أفراد شعبك، وتقبل النقد بصدر رحب سواء كان من صحفي أو زعيم حزب سياسي. سيدي: ستبقى الصحافة كمهنة، وسيدون التاريخ، أنك الرئيس الوحيد الذي عادى فرسان المتاعب ونعتهم بأقذع النعوت، لمجرد أن أحدهم تناوله بالنقد، وتذكر أيضا، أن نيرون مات وبقيت روما.