نحو شاطئ الأمان / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altالقرآن يدعو أصحاب الألباب - على وجه الخصوص - إلى التقوى ، وذلك في مواضع كثيرة من محكم التنزيل ، يقول جل شأنه " واتقون ياولى الألباب"

إن صا حب اللب - أي العقل - يرى عواقب وحقائق الأمور أكثر من غيره ، وهو أقدر على الإهتداء إلى الحق ممن سواه، رغم أن بعض الحجب ’ مثل الكبر والعناد أو الحسد أوالمكانة أو المصلحة الشخصية الذاتية الضيقة ، أو غيرها من الحواجز المعنوية السميكة ، قد تمنع أصحابها من النفاذ إلى الحق ، ولو أقروا به على على أنفسهم ، لكنهم لايتبعونه ، لأنه قد يضر بمكاسبهم ، حسب حساباتهم القريبة المورد والمدى ! وقد ينطبق الأمر أيضا على توقع النتائج ، بناء على النذر والوقائع الراهنة ، فيرى الفاهم الحاذق ، مالا يرى القاصر المغفل البليد، وإن رآه العنيد المستكبر ،لايتماشى معه ، لأنه يتعمد تجاهله ، عسى أن ينقلب الواقع الحالى أو المستقبل المنظور لصالحه ، وقد يكون كل ذلك مجرد إفراز وعرض لمرض العناد والكبر العضال الخطير المهلك ،للأفراد والشعوب على السواء . والرسول صلى الله علبه وسلم يقول" لايدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " سبحان الله. ملامح واقعنا تدل على أفق قاتم، قائم بعضه ،وقادم ،ولو خفي - نسبيا - جله وأكثره . وسيسد قناة الحل والتفاهم مؤقتا ، وقد تبقى مدينة أنواكشوط - بوجه خاص- لأيام عدة تحت حصار الشعب ، بسبب العصيان المدني والفعل الثوري السلمي التلقائي الغاضب ، طلبا لرحيل الحاكم الانقلابي محمد ولد عبد العزيز .  ولاأستبعد أن يساهم الجيش على غرار الجيش التونسي الجمهوري ، الذي فضل الحل الدستوري والطابع الجمهوري ، على ماسواه من الأدوار والسمات، فسهل مهمة وغاية الشعب ، (إرحل يابن علي). وفي اليوم المنتظر القريب ،سيكره الجيش الموريتاني التائب من الانقلابات الكثيرة الفاشلة ، على إختلاف تجاربها ، ولد عبد العزيز العنيد على الخروج قسريا من القصر الرمادي المغتصب مرارا وتكرارا. وسيبقى القرار بيد الشعب الثائر ،لأول مرة في تاريخه ، ليسير الأمر العمومي الحساس ، عبر شخصية برلمانية ، يتم إختيارها بعناية وتجرد لترأس مجلسا رئاسيا مدنيا مؤقتا يمهد بسرعة لكتابة الدستور ، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى أقرب المواقيت والآجال الممكنة ، ويومئذ يفرح الوطنيون بفضل الله وفرجه ، مع أقل الخسائر ،وأكبر قدر ممكن من التماسك واللحمة والتسامح ،بعيدا عن التشفى وتصفية الحسابات ، وعدم الانشغال بملفات جانبية ،ليس هذا أوانها على الإطلاق . والأفضل أن نقلل من النظر إلى الوراء ، إلا للاعتبار ، والحرص على التوق والتخطيط العميق المتأنى للمستقبل. عسى أن نخرج تدريجيا ،وبشكل نموذجي من أجواء الأزمة . وإلا كانت النكسة والارتكاسة الى الوراء، والهاوية السحيقة المخيفة الممزقة . إن مانعيشه اليوم من تخبط السفينة الوطنية في الوحل ، المهدد بالغرق والضياع ، لا يراه الكثيرون . إما لأنهم عمى صم ، فهم لايعقلون ، وإما لأنهم متعمدون التجاهل والتغاضي ، لان القادم المنتظر المأمول ، إن خدم الوطن، فهو يقينا –حسب تصورهم الخاص – لا يخدمهم هم ، لذواتهم ، قبل السواد الأعظم من الناس ، الذين لا يهمهم أمرهم، وقبل الوطن بأسره والأمة الموريتانية برمتها .  موريتانيا فى خطر ، وهي على مفترق طرق أخطر من الوضع المالي المجاور ،فإما أن نتماهى مع الدرس السنغالي الحكيم الديمقراطي الثوري السلمي الهادئ،وإما أن نتجه إلى وضع مماثل أوأدهى من الوضع المالي المجاور القريب . وإن الجار بحكم المحيط والتشابه والتقارب المكاني والجغرافي ، والمكون الأتنى ، والجامع المشترك الحضاري ، الإفريقي والإسلامي ،معرض لتأثر الكبير التلقائي بجاره ،وخصوصا الملاصق . وموريتانيا فعلا ،في الوقت الحالى ، في منطقة تأرجح وإهتزاز حذر وهش ،يحتاج إلى التحرك الحكيم الحاسم السريع ، قبل ضياع فرصة الاصلا ح والتغيير الملح . إنها تقع بين مناخ إفريقي ، تختلط فيه أوراق الإنفصال الأزوادي، و مطامع ومطامح القاعدة ، غير المحسوبة بدقة وخبرة كافية في العمل السياسي ، المختلف عن الخطف وقصص الرهائن وإنتهازية التعويضات وعمليات التهريب ، والفتاوى الجاهزة !!!،مع أوراق الديمقراطية الاضطرارية السنغالية ، وفشل الديمقراطية المالية الهشة ، التي جلبت ضياع جزء كبير من الوطن ،وربما على الأرجح إلى غير رجعة . ومن جهة ثانية تأثير الضفة المغاربية ، وأجواء الربيع العربي المغاربي ، المتراوح بين حكمة وتوفيق وسبق "إتوانسه " ، ودهاء العرش المغربي وإعتدال معارضته ، وتدرجها في تحقيق الأهداف والمقاصد،وثورة الليبيين الموجهة من الخارج، المتأثرة بالخلفية العشائرية والقبلية والمناطقية ،ومخلفات نظام القذافي الدكتاتوري المستبد رحمه الله. فمع أي أجواء الطقس الإقليمي المجاور سينجرف مناخ العاصمة انواكشوط ،المتقلب أصلا وطبعا ؟!. التغيير سيقع بإذن الله ، لكننا نرجوه إصلاحا ونفعا ، وصيبا نافعا ،لامطرا مدمرا مهلكا ، أو ريحا عاتية صرصرا، لاقدر الله. ولذالك ينبغي أن نتفادى - قدر المستطاع- مزالق الطريق إلى الإصلاح والتغيير المنشود . وهي كثيرة ومتنوعة ،وهي مثل النعم ،ظاهرة وباطنة خفية . قال تعالى: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة". ولتنطلق الثورة في يومها الحقيقي، الذي نتمنى- بصدق - أن يكون يوما وطنيا إلى جانب يوم العمال ويوم الوحدة الإفريقية، في شهر مايو الميمون . اعتصامات على عموم الترابي الوطني ينتظر- إن تواصلت - متجاوزة محاولات الإجهاض المتنوع، أن تصنع حدثا ملفتا وتاريخيا . يلفت الأنظار إلى كوامن الشعب الموريتاني، على إختلاف مكوناته العرقية والثقافية ،التي يجمعها العامل الحضاري الإسلامي، منبع النجاح والإلهام والتعايش المعقد . "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" سورة التوبة. وإن كان من ضرورة للتكرار، فإن القول يتلخص في ضرورة توقع مواجهة سلمية ، قد تنزلق أحيانا في بعض مراحل الطريق على نحو محدود ، يستدعى الحذر والمسؤولية الكاملة، والتحرز الكبير، من الشطط إلى ضفة العنف . وعندما تبلغ المواجهة المتشحة بشعار "إرحل" ذروتها، وقمة التوتر، الموحي خوفا وقلقا في نفس الحليم والسفيه على السواء، سيبدأ أفق الانفراج في الانبلاج ، ليخرج الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . ويبدأ فجر جديد بعد حديث تائه مبهر محير، عن ما قد تواجهه موريتانيا ،من خطر وتمزق، في حال ما، إذا ما استمر هذا الشد بين الطرفين . طرف يصر على بقاء الحاكم الانقلابي في عرينه الوهمي، بحجة أنه "رئيس الفقراء" وحامى (حمى الوطن والدين ) وغيره من التسويغ غير المفحم، فلا يجدي نفعا، ولا إقناعا ، مع قوم آخرين تكشفت أمامهم الرؤية والحجب، فلا عادت تنطلي عليهم حيل هذا العنيد المكابر، وأزلامه النفعيين ، الذين سيتحولون عنه جمعا وإجماعا، عندما ينقطع به الحبل إلى المهوى السحيق !. وقتها يكون لزاما ، حفاظا على الأمن، أن يكرهه صحبه على الخروج ،غير مستشار ولا مدلل!. على نهج تونسي صرف ، أو أكثر حذرا ومسالمة وتوازنا . فلا غرابة في عبقرية هذا الشعب ، الذي يبغض العنف ، ويفضل المخارج الأقل خسارة وتهورا، وتأمينا للسفينة المهددة بالضياع وسط الموج العاتى المتلاطم ،من كل حدب وصوب . ولا مجال وقتها لمسعودهم ،و لا صاحب الجنسية الفرنسية، والسوابق التمريرية . فيكون الحكم الدستوري وإرادة الثوار وحدهم المدعومين شعبيا ،على نطاق عريض، قوي السند والمدد . فيحصل الإجماع البرلماني على شخصية ، يتجسد فيها – بإذن الله - الوفاق على مستوى الغرفتين ، ليكون لنا أسلوبنا في التغيير السلمي المأمون، بعيدا فعلا على المزالق ومخاطر مثل هذه المنعطفات ،التي قد تنقلب حربا أهلية وفتنا عمياء لا قدر الله ، كثيرة الخسائر والمهالك ، ولو سميت ثورات شعوب وإرادات مشروعة للتغيير وحرية التعبير . لا انقلاب ولا انتقال طويل الأمد، ولكنها ثورة مسالمة ، نأمل أن تكون قصيرة المسار الزمني الانتقالي ما أمكن ، ولنا في الجار التونسي قدوة وأسوة. ومنهم قد نستجلب الفأل والعبرة والدرس ، مع مراجعة النواقص والمآخذ ، عسى أن نرفع سقف الحذر ، وتوخي القدر الأكبر ، من السير المتوازن ،نحو شاطئ الأمان. وأما الحديث عن جدوائية مثل هذا الفعل التغييري الاستعجالي السلمي، وشرح أخطاء الربان وأخطار السفينة المتموجة بين عاتيات وجبال الموج الهادر المنذر بالمصائب والفواجع ، فكما يقال في المثل الحساني (الي ما شاف اسم لا اتنعت لو) أي من لم ير السماء فلا تدله عليها والسعيد من اتعظ بغيره، وفي غاو وتمبكتو الخبر اليقين الفيصل ،قبل فتن الشام وأزمات اليمن وإهتزازات التجربة المصرية وغيرها . تبصير الأعمى في الغالب الأعم، هدف بعيد المنال، فكثير من المكابرين، المناصرين للحاكم الانقلابي العنيد، يبصرون المخاطر الحقيقة البينة الجلية للوضع القائم، لكنها الحجب والمكابرة ،وطمس البصيرة . المهم عدم الإنشغال بجدالهم العقيم، المضيع للوقت، وربما للفرصة الأخيرة المناسبة -توقيتا نوعيا- للعبور بالسفينة الوطنية المهددة بالغرق إلى شاطئ الأمان . ويبقى من أهم التحديات أمام هذه السفينة عندما تقترب من شاطئ الأمان ، هشاشة صف المنسقية، أهم مكونات الجسم السياسي المعارض الجاد، فهم متفقون على إخراجه من اللعبة ،ومن ثم يبدأ مشوار الطمع والصراع الضيق، الذي طالما أستغل ضد هذه المعارضة ،في سائر الأنظمة القريبة المتعاقبة . وقد استفاد ولد عبد العزيز من المعارضة، فلعب بها ذات اليمين وذات اليسار، أكثر مما استفاد من مؤهلاته ومؤيديه . فما أوصله إلا بعض من عجلة وطمع في الحكم عند البعض وحسابات مجاملة لينة، عند البعض الآخر فى وقت لاحق . أجل سيزمجرون ، كل وأسلوبه ، نحن من صنع "الحدث التاريخي " ولما يتم المولود الخداج بعد !!!. وبدافع حبها- أي الرئاسة - لن يقبل أحدهم غير ركوب المقعد المحرر،وكأنه صنع له أصلا ولأسرته، ضمن سياق توريثي إقطاعي (في باب السياسة) ، لا ندري كم سيجلب علينا من الخسائر الجديدة ، بعد ما مكن لعزيز ، بأخطائه وتصريحاته وتعهداته الخفية والعلنية ، وكأن الأمر كله أمر ترأس وتزعم فرد ، وليس معاناة شعب وأمة . ثم يأتى من يراقب الأحداث في المشرق والمغرب، المتصاعدة نحو كسب سريع غير معقم ولا محصن بالشكل الكافى، فلا يقبلون إلا أن يصبحوا القوة الأولى، دون مقدمات، تاريخية وموضوعية محلية ، مثلما حدث مع أترابهم في دول ومواقع أخرى ، من الوطن العربي المهزوز نحو المجهول . فى جو مشوب بالإقصاء والحرص على الأهداف الحزبية والجهوية والمؤسسية والشخصية الضيقة ،على حساب المشروع الوطني المفترض . كلهم ثوريون ،لكن يبيعون الثورة مقابل المقاعد والمغانم ، فهل حصل يوما أن أضحى سيدا، من يرجح الغنيمة على السيادة والوطنية والمعاني الجامعة . فمنكم يا منسقية المعارضة والإباء المؤقت المضطرب، نخاف أن نأتي كونوا وطنيين حقا ، ولو مرة واحدة في تاريخكم المتناقض، المفعم بالتضحيات والمبايعات، على غرار من عمل صالحا وآخر طالحا إن شاء الله ،وكان مصيره فى النهاية التوبة والقبول عند الله وعن الناس، وما ذلك على الله بعزيز، آمين . هل سنصل حقا إلى شاطئ الأمان ؟. وا فرحتاه بمجرد الحلم الجميل والأمل الكبير ،خلاصا من الألم الطويل ،والتيه الطويل ، والضياع المرهق ، والمعاناة المزمنة ، المتعددة الأوجه والكوارث والبوائق . اللهم شاطئ الأمان ،لجميع ركاب السفينة، حتى لو كانوا من الظلمة والمفسدين الحقيقيين ، عسى أن يتراحم الجميع ، وينقادوا من جديد ،نحو أسلوب جديد ، حكيم متوازن، يؤمن سفينتهم الوطنية ،التي هي المركب الوحيد ،طلبا لسعادة وصلاح الحال (الدنيوي إترانزتي) تمهيدا لرضوانك وجنانك في حياة المآل والمعاد . )يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (

24. أبريل 2012 - 13:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا