حول مساواة المرأة بالرجل في الميراث / إسماعيل محمد خيرات

في سياق النقاش حول ما جرى ويجري في تونس وخاصة في المواريث : اعتقد انهم يسيرون باتجاه خطإ ديني وحضاري فادح، لقد انتصرت فكرة المسارات المتعددة للحداثة  على فكرة المسار الأوحد  أو الاتجاه الأوحد (لقد كنت  وإلى حد قريب مؤمنا بأن المجتمعات الغربية المتطورة هي المصير المحتوم الذي نسير جميعا نحوه) ، "ملكوتي"   Melkoteوكل الاجتماعيين ما بعد الحداثة في أسيا وفي الغرب أيضا، و أمريكا اللاتينية The dependistsدافعوا بكل شراسة عن الأمر، 

أي أن "الأوربة"  او الحداثة الأوربية أو الصيغة الأوربية للحداثة ليست هي الخيار الأوحد ،هناك طرق متعدة للحداثة ،لم يعد  أحد يستدل الآن بدانييل برن صاحب النظرية الشهيرة  عن عقلانية الحداثة التي ستنتصر على الإسلام والتقاليد الشرقية في كتابه عن تحولات المجتمع التقليدي في تركيا والمشرق  إلا في جزئيات بسيطة .


السؤال هو : هل  هناك طرق متعددة للحداثة  والعيش الكريم أم إنه طريق واحد هو الحداثة الغربية ؟ المسار الذي تسلكه النهضة في تونس وسلكه بورقيبة من قبل  هو (في رأيي) " أوربة" ، مثل أوربة محمد عالي باشا لمصر في القرن التاسع عشر  وليس حداثة نابعة من حقائق الذات وطبيعة الأمة والمجتمع، وما يفعله الغنوشي  هو  نفس ما فعله رفاعة الطهطاوي  طبعا مع فارق التوقيت والظروف، ولا أقصد طبعا أن الأمر سلبي، ولكنه تواطؤ مستمر واعتراف مسبق بفكرة نهاية التاريخ.


طبعا هناك مشكلة بالدوام أو على الأصح مشكلات ، المجتمعات الاسلامية والشرقية كلها تقريبا بل، أوووه لنقل العالم كله يعيش أو يتعايش  منذ الأزل مع مشكلة اختلال الدخل ، أي أن نصف البشرية يملك كل ثروات العالم تقريبا، بينما لا يملك النصف الآخر (النساء) شيئا ،  ومن منظور التطور الاقتصادي فإن العالم يبدو وكأنه شخص يركض على رجل واحدة  منذواثني عشر الف سنة تقريبا أي منذو اكتشاف الزراعة ،  ومن منظور تنموي فإن الإسلام قدم تنازلا جزئيا فقط ، والواقع أنه، و بغض النظر عن أي شيئ آخر فإن المساواة الكاملة  للمرأة بالرجل في الميراث تحسب لصالح تقليص فوارق الدخل ومساواة النوع ،وهي بلا شك  أمور مفتاحية في مسارنا  (البشر) الذي نؤمن به ونتمسك به وهو التنمية المستدامة ..

غير أن هذا لا يعني أننا نهمل الخصائص المحلية والثقافية للشعوب في مقاربات التنمية،إن هدم العقائد والقناعات هي سياسة تسطيحية للمثل الايمانية والأخلاقية ، وقياسا على نظريات ترابط النظم كما في البيولوجيا فإن هدم قناعة واحدة قد يزعزع  قناعات أخرى وبالتالي قد تنهار المنظومة كلها..وبالنسبة للمواريث فالمعلوم  أن القرآن العظيم يفتتح أيات الميراث بعبارة تحصينية (كأنه يحصنها من  اجتهادات محتملة)  "يوصيكم الله" ويختتمها بعبارة زجرية "تلك حدود الله فلا تقربوها" ..


من المؤكد أن  الانصياع هنا  لن يسقط السماء على الأرض، بل ربما العكس،قد يمسكها أن تقع،  والواقع أن هناك صيغا ممكنة لتقسيم المواريث دون الإخلال بالتعاليم الإسلامية الثابتة ، أو أي تعاليم عقائدية أخرى، فالأمر ربما يمس شعوبا وثقافات غير الإسلام ، فالابن  مثلا الذي أُنفق عليه  حتى أكمل تعليمه العالي واحتل المركز اللائق به يمكن أن يحسب له ذلك  كقيمة محصلة، وبالتالي يتنازل عن التمييز لصالح بنات لم يكملن، دون الإخلال باصل الحكم ، وهذا داخل في مبدإ عدم الإضرار الذي هو جزء من مقاربة الحكم الرشيد ، وهناك مقاربات أخرى كثيرة ومتعددة الأبعاد، يمكن دوما  الاستناد إليها في خلق صيغتنا ونسختنا الخاصة للحداثة.

21. أغسطس 2017 - 8:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا