لا شكّ أنكم أيّها الأحبة الأكارمْ أوْ بعضكم على الأقل قد خاض امتحان شهادة الباكلوريا بكل ما فيه من مُفارقاتٍ ومطبات وابتلاءات... هلْ تتذكّرونَ مثلا لحظة توزيع قصاصات الأسئلة وقدْ بلغت القلوبُ الحناجر والمراقبون يقفون في كل الزوايا والدروب اللّصيقة والمناسبة.. مُحملقين في وجوه الطّلبة يحصون عليهم كل صغيرة وكبيرة ويعدّون كلّ دقيقة وثانية ويُدقّقون في كل واردة وشاردة..!! فلا تسمع حينها أوْ تحسُّ إلاّ همساً أوْ نظرةٍ بطرف خفي علَّ وعسى...؟؟!!
وأكثر من هذا وذاك مُفاجآتُ رئيس مركز الامتحان وما أدراكمْ ما مفاجآتُ رئيس مركز الامتحان وهو في تطوافه المستمرّ والدائم جيئة وإيّاباً تارة مُحذراً ومُتوعّدا وتارة في بعض الأحايين الأخرى مُرعداً ومُزبدا...!! وقدْ بلغ القلق والحيرة بالطالبين المدى وتقلّصت وتقمّصت وندّت.. المعارفُ التي تعلموا وتعبوا واشتغلوا...في تحصيلها سنينَ عَددا!! وبدل أنْ يستجمعوا قواهمْ وذاكرتهمْ من أجل الإجابة على ما تمكن الإجابة عليه من الأسئلة المُسطّرة أمامهمْ تخارُ قواهم وتنهارُ معنوياتهم إلاّ من رحم ربك أمام هول الصدمة وتنهال وتنثال.. عليهم: نقاط الاستفهام من كل حدب وصوب..!! هلْ يمكن لي أنْ أتجاوز السؤال الأول من أجل الإجابة على السؤال الثاني؟ وما هي الإجابة المناسبة لهذا السؤال؟ وهلْ الأفضل لي أنْ أجيبه بما تيسّر مع عدم تأكّدي من دقة الإجابة أمْ أتجاوزه إلى ما بعده؟؟ وهلْ يا تُرى يحسن بي أنْ أبادر بالتسويد والإجابة بما تيسّر لديّ من إجابة ومعارف قدْ لا تكون مُوفقة أوْ دقيقة بالمرّة؟ أمْ أنه عليَّ أنْ أتريث قليلا في الإجابة علّ وعسى أنْ... وقدْ أدْفعُ نتيجة لذلك ثمناً غالياً وهو ضياعُ الوقت وبالتالي سحب أوراق الإجابة من قبل المراقبين دون حائل أوْ طائل...؟؟ أمْ أمْ أمْ...؟؟!!!
كل الذي تحدّثنا عنه آنفاً من الخوف والحزن والقلق.. والحيرة اللاّمحدودة والأرق.. كل هذا أمام امتحان دنيويٍّ سَلس وربما بسيط وبسيط... جدا وبإمكان أيٍّ كان الترشح له وأكثر من ذالك الترشح له والترشح أكثر من مرة ومرة...,
فما بالكم أيها الأحبة الكرام إذا كان ذانكم الامتحان أوْ ذالكمْ الاختبار ولله المثل الأعلى والأسماءُ الحسنى والمقامُ الأسْمى والأسنى... أخروياً بحتا وما أدراكمْ إذا كان امتحاناً أخرويا بحتاً؟؟!!! اللهم سلمْ سلم.. إنه امتحانٌ أمام رب الأرباب ومُعتق الرقاب ومزجي السحاب... إنه امتحانٌ أمام الواحد القهار الجبار الكريم المنان الغفار... إنه امتحانٌ أمام من يعلم السِّر وأخفى إنه امتحانٌ أمام من لاَّ تخفى عليه خافية ولا ياخذه نومٌ ولا سنةٌ تعالى جلّ وعلا عن ذالك علواً كبيرا إنه امتحانٌ لا ينفع فيه أبٌ وليده أوْ حفيده ولا خلٌ خليله أوْ سميره أوْ جليسه ولا صديقٌ صديقه أو رفيقه ولا ولا...!!! إنه امتحانٌ لا يمكن أنْ يترشّح له مُترشحٌ أكثر من مرة ومرة واحدة فحسب!! إنه امتحانٌ إنه امتحانٌ إنه امتحانْ... وبالحرف الواحد إنه امتحانٌ لا كالامتحاناتُ وابتلاءٌ لا كالابتلاءات..!! إنه امتحانٌ يتفرّق فيه المُمتحنون وكُلنا مُمتحنون فريقان إمَّا إلى الجنة وإمَّا إلى النار وبئس القرار فإمّا أنْ تكون ناجحا فائزا مع المؤمنين الآمنين المخلّدين في أعلى عليّين وما أدراكمْ ما أعلى عليّين؟!! وإمَّا أنْ تكون مع الراسبين الهالكين الذين هم والعياذ بالله في نار جهنم خالدين [لا يُقضى عليهمْ فيموتوا وَلا يُخففُ عَنْهمْ مِنْ عَذابها كذالكَ نَجْزي كُلَّ كَفور]
وخلاصة القول أيها الأحبة الأكارم أنَّ أيَّ واحدٍ منّا أتيحَ له أنْ يُشيِّعَ أماً أوْ أباً رحيماً أوْ خلاً حبيباً حميماً أوْ صديقاً عزيزا كريماً أوْ أوْ..., فإنّ عليه أنْ يحمد الله حمدا كثيرا وأنْ يعظمه ويكبره تكبيرا... على الخصال الجميلة التي خصّه بها من مواهبه وعلى الخلال الثلاث التي ساق له في مصيبته وهي: أنْ ألهمه الصبر على مصيبته وأثابه عليه وأنْ جعل له من موت حبيبه عِظة وذكرى والذكرى تنفع المومنين وأنْ أمدَّ له في عمره بعده عساهُ أنْ يعمل فيما بقي له من أوقات وساعات, ويتلافى ما فرّط فيه من عبادات ومُعاملات..,
وبادر التوبَ والأيامُ مُقبلة...فقدْ يُباغتكَ المقدورُ عن عجل,
...................
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه...وأراهُ أهوَنُ ما عليكَ يضيعُ
ولقدْ أحسن أحمد الهلالي في نصيحته ذائعة الصّيتْ, ودقيقة الترتيب والتّثبيتْ, حيث يقول فيها:
كيفَ يَلذُّ النّومَ من لاَّ يعلم...يسلمُ في عُقباهُ أوْ لا يسلم
فاذكرْ بقلبٍ حاضر مَجموع...ومقلةٍ تفيضُ بالدموع
ولازم الشّكرَ على الأيادي...لتجتني الظّفرَ بازديادِ
وفي الختام أحبتي الكرام فإننا جئنا إلى هذه الدنيا الفانية من عدمٍ سابق قادمين ومُرغمين وإننا بكل يقين وتأكيدٍ لسنا بها باقين أوْ مُخلّدين وإننا مهما طال المقامُ بها أوْ قصر على صفحتها عابرين وعلى سبيلها مسافرين وعن خيراتها وملذّاتها نازحين ومُغادرين..!!! وبعد ذالك كله فإننا يقينا من مراقدنا مبعوثين ومحشورين وأمام ربنا جلًّ وعلا موقوفين ومحاسبين... إذاً فحذاري حذاري لنفسي وإياكمْ أحبتي الأكارم من أنْ نضيّع ما تبقى لنا من ساعات ودقائق وأيام وشهور وثوان وأعوام.. قبل أنْ يباغتنا أوْ يختطفنا الموت وإنه لطوافٌ خطوف وساعتها لات حين مناص, ولا فرصة لنجاة ولا خلاص... أدعو الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أنْ يختم لنا ولكم ولأحبتنا ولجميع المسلمين بالحسنى إنه على ذالك قدير وبالإجابة جدير هو حسبي ونعم الوكيل, والله من وراء القصد, وله الأمر من قبل ومن بعد, عليه توكلت وإليه أنيب.