الصيد البحري: تعرف على نظام الحصص الفردية لتسيير المصائد / د.سيدي المختار ولد الطالب هامه

بعد انهيار غالبية الأنواع المختلفة للمخزون السمكي العالمي، انطلقت في بداية الثمانينات وفي جميع أنحاء العالم عمليات البحث عن نظام تسيير جديد يمكنه أن يستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة مع ضمان تحقيق هدفي الاستفادة القصوى من الموارد السمكية وحفظها وحمايتها.

وجاء أيضا هذا البحث عن أساليب مبتكرة جديدة بعد فشل نظم تسيير عديدة تمت تجربتها في دول مختلفة؛

 وهذه النظم كانت إما عبارة عن حزمة من إجراءات استصلاح الثروة الفنية والمالية التقليدية أو استراتيجيات متكاملة تشكلت في الغالب على أساس تلك الإجراءات الاستصلاحية.

وفي هذا الإطار سارع خبراء الاستصلاح في القطاعين العام والخاص إلى تصور نظام جديد يمكنه أن يوفق بين هدفي التنمية والمحافظة على الثروة بحيث يكبح الجري وراء الأرباح المتزايدة من جهة ويشجع الرغبة في الحماية المستدامة للموارد من جهة أخرى فكانت ولادة نظام الحصص الفردية (IQ) أو نظام الحصص الفردية القابلة للتداول أو تحويل الملكية من جهة إلى أخرى (QIT).

وكانت دولة نيوزيلندا التي غالبا ما تؤخذ كمثال للدول التي جربت هذا النظام قد بررت إدخال نظام الحصص في تسيير مصائدها البحرية بعيد إعلان المنطقة الاقتصادية الخالصة في عام 1983 وفي فترة زمنية اتسمت بارتفاع معدل التضخم وانخفاض الأسعار في الأسواق الدولية واستمرار العمل بحواجز الحماية التجارية والسياسية.
ويلاحظ أن البلدان الشاطئية الأخرى التي اعتمدت هذا النظام لتسيير مواردها السمكية كانت لها أوضاع مماثلة أو تتقاسم ظرفيا نفس المخاوف والانشغالات فيما يتعلق بثرواتها البحرية البيولوجية.

أما بالنسبة لبلادنا بصفة خاصة فقد جعلت مؤخرا من هذا النظام خيارا تعلق علية السلطات العمومية أملا كبيرا من خلال "الإستراتيجية الوطنية المسئولة من أجل تنمية مستدامة للصيد والاقتصاد البحري 2015-2019" ؛ فهذه الإستراتيجية تهدف إلى ترقية فكرة أن الموارد السمكية الوطنية ملكا لجميع الأجيال الحاضرة واللاحقة وإلى التخلص من مساوئ نظام التسيير عبر جهد الصيد وأخيرا إلى ضمان تسيير اقتصادي وبيئي لهذا التراث السمكي يكون شفافا ومنصفا و عادلا ومستداما.

ويذكر هذا المقال بجملة من العناصر حول نظام الحصص الفردية القابلة للتداول (QIT) تجب معرفتها على كل من يهتم بقضايا قطاع الصيد ويرغب في إبداء الرأي حول أهمية سياساته وخاصة ما تعلق منها بنجاعة نظم الولوج إلى الثروة في المياه الخاضعة للسيادة الوطنية وبخلق القيمة المضافة. إنها عناصر يجهلها الكثير من المراقبين وتتضمن التعريف بالنظام وبأشكاله ومخاطره وسلبياته، كما تتضمن أخيرا مجموعة من الشروط التي بدونها لا يمكن لنظام الحصص أن يشكل بديلا حقيقيا لنظم التسيير التي تم استخدامها في السابق.

وحسب المراجع المتخصصة يعرف نظام الحصص على أنه "الحق في حصد قدر محدد من إجمالي الكمية المسموح باستخراجها سنويا من الثروة (TAC)  وذلك ضمن منطقة خاضعة لنظام الحصص (QIT)، وأنه حق إخضاع السمك للملكية".

ووفقا لنفس المراجع يمكن لتلك الحصص أن تأخذ الأشكال المختلفة التالية:

- أن يكون مالك الحصة سفينة أو مجموعة سفن أو أسطولا؛
- أن تكون قابلية تداول الحصص بين الملاك حرة أو مؤقتة أو دائمة ونهائية؛
- إمكانية إعطاء الحصص بناء على حسن الأداء في الماضي أو عدد أفراد الطاقم أو حجم السفينة؛
- تسليم الحصة لمدة قد تكون محددة بخروج واحد إلى البحر أو بأسبوع أو بشهر، إلخ؛
- تحديد مواصفات بالرجوع إلى النوع أو بمنطقة الصيد أو بوسم الصيد أو الكمية المسموح بها.

أما بشأن المخاطر والعيوب، فيمكن تلخيصها في ما يلي:

- نظام الحصص الفردية يغذي السعي إلى الأرباح ولا يشجع الرغبة في حماية الثروة؛
- الاختفاء التدريجي للأسطول الوطني واستبداله شيئا فشيئا بأساطيل أجنبية أفضل أداء وذلك في إطار اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أو عبر اتفاقيات رخص حرة مع خواص أجانب أو أخرى تتعلق بتأجير سفن بما في ذلك تأجير ''سفن عارية '' وهي العملية التي ليست في متناول أي مواطن عادي بسيط ؛
- صعوبة السيطرة على الإحصاءات أي الكميات التي يتم اصطيادها فعلا في المنطقة الاقتصادية الخالصة من طرف كل فاعل، وهذه الإحصاءات هي عبارة عن الكميات التي يتم إنزالها وتلك التي تصطاد وترمى في البحر لأسباب متعددة ومتنوعة. أما هذه الصعوبة في السيطرة الفعالة على الإحصاءات على مستوى جميع المنطقة الساحلية فتؤدي عادة إلى الاستغلال المفرط ؛
ـ خسارة الأموال الطائلة التي تصاحب هذا النظام في كثير من الأحيان، وذلك ناتج عادة عن (أ) الغش الذي ترتكبه أفراد الرقابة البحرية لأسباب اقتصادية (الرشوة) وسياسية مثل وجود جهات لا تتعرض للرقابة لحمايتها من طرف نافذين في الدولة، (ب) طريقة دفع حق الولوج إذ في الغالب يدفع فقط ثمن الكميات المصطادة من طرف المستفيد بينما الحصة تبقى بالكامل محفوظة لصالحه طيلة مدة التعاقد و أخيرا (ج) تحديد السعر المطبق على الحصة على أساس النوع المستهدف في الوقت الذي تشتمل عادة الكميات المصطادة على أنواع أخرى بعضها ثمين لاسيما في المناطق الاستوائية حيث معظم المصائد مختلطة أو متعددة الأنواع؛ إن هذه الوضعية التي يوجد فيها العديد من الأنواع المختلفة جنبا إلى جنب توجب أخذها في الحسبان أثناء عملية تحديد أسعار الحصة الواحدة؛
- تركيز الحصص في أيدي عدد قليل من الفاعلين الاقتصاديين خاصة إذا ما سمح بمبدأ تداول الحصص عن طريق الشراء أو الإيجار؛
- الاختفاء غير المعلن لسياسة اجتماعية تضمن الحفاظ على التشغيل وعلى المجموعات الساحلية التقليدية وعلى الصيد الحرفي أو التقليدي؛
- صعوبة ضمان المساواة والعدالة في المرحلة التأسيسية لتطبيق نظام الحصص أي صعوبة تحديد وتطبيق معايير يستبعد على أساسها بعض ملاك السفن أو يسمح للاعبين جدد بالدخول من بين من لديهم وسائل إنتاج أو مصانع شغالة أو نشاط سابق في قطاع الصيد أو من ليست لهم علاقة سابقة بالقطاع عموما (مسألة الأهلية question de l’éligibilité).

ولا بد من الإشارة إلى أن  التنفيذ الفعال لنظام الحصص يتطلب التوفر المسبق لبعض الظروف كما يفرض تنفيذه ميدانيا اعتماد مجموعة من الخيارات الأخرى تراعي الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية لكل بلد ثم أولويات سلطاته العمومية وقدرتها على تطبيق هذا النظام بالشكل الذي يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من العملية كلها.

ومن أبرز ما يجب أن تتضمنه تلك الظروف المطلوب توفرها قبل اعتماد نظام الحصص الفردية وجود عدد كاف من الموانئ وذلك من أجل الحيلولة دون عمليات إنزال الإنتاج بعيدا عن أعين أجهزة الرقابة البحرية وكذلك من أجل ضبط الإحصائيات والسيطرة على الحقوق الضريبية المتعلقة بالكميات المصطادة وعلى طبيعة اليد العاملة المستخدمة في عمليات الإنتاج خاصة.

ويتطلب تحقيق هذان الهدفان وجود أداة رقابة وتفتيش فعالة بحيث تفرض تطبيق الترسانة القانونية المتعلقة أساسا  بالأنواع المرخصة وأحجامها ومناطق الصيد وفتراته والأدوات والتقيات؛ وعلى هذه الأداة أيضا أن تكون قادرة على منع المسافنة في البحر و تصدير المنتجات السمكية بصورة غير قانونية.

ومن الظروف كذلك التي يجب توفرها مسبقا هيئة للبحث العلمي قادرة على مد صانعي القرار بتوقعات لإجمالي الكمية المسموح باصطيادها سنويا (TAC) وذلك في بداية كل سنة أو في أي وقت مرجعي آخر من السنة يتم الاتفاق عليه وله ما يبرره موضوعيا حسب ديناميكية المجموعات.

وفيما يتعلق بإدخال نظام الحصص للمرة الأولى فمن الضروري أن تسبقها عملية تقييم المخزونات التجارية الرئيسية وتحديد الإجمالي المتوقع للكمية المسموح باصطيادها سنويا ((TAC. وينبغي أن تستند هذه العملية على توقعات "أقصى عائد مستدام" محسوب إما بناء على المقبوضات المعلنة (الإحصاءات) أو على نتائج حملات البحوث التجريبية أو على أساس كلي الطريقتين في آن واحد.

لمنع الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الحساسة عادة، من المستحسن أن يتم إدخال هذا النظام تدريجيا بحيث يبدأ أولا بتطبيقه بالنسبة للأنواع الموجودة في أعالي البحار ثم يتوسع تطبيقه بعد ذلك  لشمل مصائد الأسماك الشاطئية عموما والسطحية منها خاصة.

وفي هذه المرحلة بالذات يجب أولا سن القوانين المتعلقة بالأنواع أو مجموعات الأنواع والمناطق الخاضع تسييرها لنظام الحصة ونشرها على الملأ وثانيا تحديد مكونات الثروة الأخرى التي يستمر تسييرها بواسطة الطريقة التقليدية المتمثلة في جهد الصيد و التراخيص.

وفي كل الحالات يمكن للدولة تخصيص الأنواع الغير خاضعة لنظام الحصص للمواطنين كما يمكنها استخدام هذه الأنواع في سياسة اجتماعية بالتوازي مع نظام الحصص الفردية (QI)  الذي لا يهتم كثيرا بمثل هذه الأمور عادة؛ وكل ذلك من أجل منع ارتفاع معدل البطالة وحدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية بالنسبة لأساليب حياة المجتمعات الساحلية وذلك إثر التأثير السلبي على مصادر رزقهم.

وبعدما يتم وضع نظام الحصص رسميا ويشرع في تطبيقه ميدانيا تبدأ عادة انحرافات خطيرة لدى أصحاب الإدارة نتيجة الأطماع والإغراءات التي يبرزها الصراع على الثروة بين الفاعلين الاقتصاديين من المواطنين والأجانب ونافذين سياسيين؛ وفي خضم هذا الصراع على الظفر بالثروة السمكية التي هي في الواقع ملك لجميع الأجيال في الحاضر والمستقبل تتولد لدى أصحاب الإدارة الرغبة في تحقيق منافع خاصة فتغيب العدالة والإنصاف.

لكن عندما تغلب المصلحة العامة لدى الإدارة، فإنها ستجنب أمورا كثيرة من أهمها منع احتكار الشركات الكبيرة لغالبية الحصص وبالتالي الحيلولة دون تركز هذه الأخيرة في أيدي أقلية من اللاعبين أو الفاعلين الاقتصاديين.

ولتفادي هذا النوع من الأخطاء والأخطار لا بد من حد حجم الحصة بوضع سقف لها بالنسبة لكل مستفيد كما لابد من منع إمكانية تداول الحصص أي نقلها من مالك إلى آخر؛ وفي حال إقرار مبدأ التداول يجب أن يكون نقل الحصص تحت شروط موضوعية وتقييدية أو مقيدة.

وهذا يعني على سبيل المثال أن لا يمكن لأحد أن يحصل على أكثر من نسبة كذا في المائة من إجمالي الكمية المسموح باصطيادها سنويا بالنسبة لأي نوع من أنواع الثروة في منطقة معينة، كما يعني أيضا أن في حالة السماح بتداول الحصص فإن العملية لا يمكن أن تتم إلا بعد فترة زمنية معقولة تبعا لحجم الاستثمار وأن لا تستفيد منها إلا الشركات التي لا يملك الأجانب في رأس مالها نسبة مئوية تتجاوز كذا (سقفا محددا سلفا).

وفي هذا الصدد يكون الحل الأمثل في سن قانون يقضي بحق الدولة من جهة في استرجاع الحصص التي لم يستخدمها أصحابها لسبب ما ومن جهة أخرى سحب أي فائض في جهد الصيد عندما تظهر علامات الاستغلال الجائر على أي من المصائد، وهنا قد يتم  هذا استرجاع ذلك الفائض عن طريق شرائه بواسطة صندوق خاص يوضع لهذا الغرض من قبل الدولة وتتحمل تموينه. ومن هذه الحلول الملائمة أيضا لهذا النظام بيع الحصص التجارية المخصصة للأجانب عن طريق المزاد العلني.

وفي المناطق الاستوائية حيث التنوع البيولوجي عاليا والمصائد ذات النوع الواحد نادرة جدا، يجب أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار عند تحديد ثمن الحصة  وذلك من أجل أن يعكس ذلك الثمن حجم وقيمة الأنواع التي يمكن أخذها إلى جانب الأنواع أو مجموعة الأنواع المستهدفة أصلا في الترخيص. وفي هذا السياق يجب أيضا فرض دفع ثمن الحصة بالكامل مقدما أو على الأقل مقابل إيداع وديعة في المصرف تعادل قيمة الحصة. ويحذر الخبراء عادة من خطر تجاوز (TAC) ومن تأثير المنافسة غير المشروعة الناتجة عن إدخال السفن الأجنبية ذات الأداء الأفضل وأخيرا من الاستغلال المفرط الذي قد يسببه، من بين أمور أخرى، إهمال متابعة جهد الصيد لاسيما بالنسبة لمكونات الثروة الخارجة عن نظام الحصص عموما وللمصائد التقليدية على وجه الخصوص.

وعلاوة على ذلك، فيجب تغليب الاهتمام بالتنمية الأفقية في إطار تطبيق نظام التسيير عن طريق الحصص وذلك من خلال تشجيع الصناعات التحويلية بالإضافة إلى أي عمل يرمي إلى خلق المزيد من القيمة المضافة.

إن هذا التوضيح الموجز يرجى منه أن يكتشف المراقبون لقطاع صيد الأسماك والمهتمون بقضاياه أن هناك تحديات خاصة مصاحبة لنظام الحصص على الرغم من نعته بالنظام المنقذ من طرف مؤسسيه وبعض من جربوه؛ وهذه التحديات تكمن أساسا في كيفية تغليب السيادة على قوة جماعات الضغط الخارجية أولا وطابع الملكية المشتركة للثروة السمكية على النظرة التقليدية حيالها ثانيا؛ وهذا كله بالنظر إلى القيم النقدية لاستخدامات النظم الإيكولوجية البحرية.

ويرجى منه أيضا أن يكتشف الجميع أن في غياب الضمانات المناسبة واحترامها الدقيق يمكن لنظام التسيير بواسطة الحصص أن ينزلق بسهولة من نظام أشبه بمثالي نحو وسيلة للغنى السريع لعدد محدود من اللاعبين وإلى كارثة لا مرد لها بالنسبة للمالك الحقيقي للثروة السمكية المستغلة. 

22. أغسطس 2017 - 23:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا