مقال جيد يوثق لتعديلات 5 أغسطس، فكرة المقال الرئيسية تتمحور حول التمييز بين الدستور الشرعي (قبل التعديلات) والدستور غير الشرعي (بعد التعديل)، وكذلك بين النظام الشرعي الذي يتوفر على القليل من الإجماع حوله، وبين النظام غير الشرعي الذي يتسبب في شرخ وحدة المجتمع الوطنية وانسجامها وبعثرتها. يضعنا الكاتب أمام وقائع وملابسات تلك التعديلات بلغة رصينة وتحليل منهجي سردي ووصفي متماسك.
الكاتب عنون مقاله بدهاء: "موريتانيا بين دستورين"، ووضع عنوان فرعي: "إعادة ترتيب مشهد منقسم".
صحيح أن هناك فرق كبير بين دستور الإجماع الذي رغم كل التعديلات التي أجريت عليه: (2006 استفتاء شعبي، 2012 مؤتمر برلماني في ظل النظام الحالي) بقي دستور لكل الموريتانيين. وبين دستور الشقاق والنفاق الذي أسقطه مجلس الشيوخ، وتم تمريره بالتزوير رغم أنف نسبة المقاطعة المرتفعة جدا وكذلك نسبة المشاركة المنخفضة جدا.
"موريتانيا بين دستورين"، حقيقة علمية معاندة. وربما تكون مزعجة لبعض أقلام النظام العسكري الانقلابي، لكن عليهم أن يثبتوا العكس، أنه ليس دستور انقلابي شكلا ومضمونا، وأن الجهة التي فرضته لم تكن انقلابية، وأن الشعب الموريتاني من صوت منه لم يصوت بمحض إرادته. من زاوية أخرى لعل هذا أول مقال يوثق لتلك الأحداث وينشره مركز دراسات معترف به ومرموق والدليل على أنه كذلك هو ما يسببه من إزعاج وردود الفعل. أما العنوان الفرعي الذي فضل الكاتب أن يكون "إعادة ترتيب مشهد منقسم"، فهو في الحقيقة إبداع وكأن الكاتب أراد أن يقدم للقارئ قراءة قانونية وسياسية في آن واحد وفقا للمقاربة الفرانكفونية المعززة بالدلائل والشواهد. انقسام الطبقة السياسية الذي تسبب فيه نظام 2008 المأزوم الناتج في الأصل عن انقلاب عسكري، الآن يقابله انقسام حول الدستور: دستور 5 أغسطس الذي هو دستور الجمهورية الثالثة التي تستمد شرعيتها من انقلاب 2008 العسكري وتُشرعِنُ لوجودها بالنبش في تاريخ البلد ومؤسسيه ورموزه تخوينا واتهاما وإهانة، وتدعي النزاهة، والطهر والديمقراطية، ونسي هؤلاء الطريق التي أوصلتهم إلى السلطة. ودستور الشعب الموريتاني الذي كان ولا يزال محل إجماع ووفاق بين النخب المعارضة والموالية حتى في أوج انقلاب 2008 وصعود نخبه الجديدة.