يبدو أن أسعار خامات الحديد مرشحة لأن تواصل مسارها التصاعدي خلال الربع الحالي من السنة الجارية، فقد ارتفعت خلال يوليو المنصرم بحوالي 13 دولارا للطن، وواصلت ارتفاعها خلال الشهر الجاري لتصل حاليا إلى حوالي 80 دولارا للطن.
وأغلب التوقعات في الآونة الأخيرة تشير إلى أنها ستواصل ارتفاعها نتيجة لاستمرار ارتفاع أسعار الصلب الصيني؛
مما عزز انتعاش الطلب الداخلي الصيني على المادة الخام، وبالتالي تراجع حجم المعروض من المادة الخام على مستوى الموانئ الصينية، والذي قدر في 18 من الشهر الجاري بحوالي 136 مليون طن، ومن المتوقع أن يستمر انخفاض هذا المعروض خلال أغسطس الجاري، وسبتمبرالقادم بسبب سوء الأحوال الجوية خلال موسم الأعاصير قبالة السواحل الصينية؛ مما قد يعزز من فرص تحسن الأسعار أكثر.
هذه النظرة الإيجابية لسوق خامات الحديد العالمي دفعت غولدمان ساكس (Goldman Sachs) مؤخرا إلى أن تحسن من توقعاتها حيال الأسعار، حيث توقعت أن يصل معدل الأسعار خلال الربع الحالي من السنة إلى ( 70 دولارا للطن) بدل (55 دولارا للطن ) في توقعاتها السابقة.
وفي تقرير له صدر مؤخرا حول السوق العالمي لخامات الحديد توصل مصرف كريدي سويس(Credit Suisse ) السويسري إلى نتائج غير متوقعة، حيث قال إنه مع زيادة نمو الطلب الصيني على المادة الخام حصل تغيير في قاعدة السوق قد يفضي في النهاية إلى كسر حالة العرض أكبر من الطلب التي دامت منذ 2014م، وقد ذكر التقرير أنه خلال أسبوع واحد فقط انخفض المخزون على مستوى الموانئ الصينية بمقدار مليوني طن، كما انخفض بمقدار 9 ملايين طن عن ما كان عليه في يونيو المنصرم.
ويأتي هذا التحسن في الأسعار في ظل الكشف عن بيانات الواردات الصينية من خامات الحديد خلال النصف الأول من السنة الجارية، و التي أظهرت حفاظ بلادنا على مكانتها في نادي العشرة الكبار المصدرين لخامات الحديد إلى السوق الصيني رغم الانخفاض الطفيف لحجم صادراتها مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، حيث بلغ حجم صادرات بلادنا إلى الصين خلال النصف الأول من السنة الجارية حوالي (4103408.133 طن)، بينما كان قد بلغ حوالي (4317758.44 طن ) خلال النصف الأول من 2016 .كما تشير هذه البيانات إلى تنام كبير في حجم الصادرات الهندية، والسيراليونية، و الإيرانية من خامات الحديد إلى الأسواق الصينية، حيث شهدت الصادرات الهندية زيادة بنسية 151.5 % ،و السيراليونية زيادة بنسبة 115.2% ،و الإيرانية زيادة بنسبة 56% .
هذا التحسن في الأسعار جاء أيضا في ظل بروز جملة من العوامل تشير إلى اتضاح بعض ملامح إستراتيجيةالصين الهادفة إلى التحكم في أسعار خامات الحديد، والتي يبدو لي أنها تتركز على ثلاثة محاور رئيسية هي:
تخفيض قدراتها الإنتاجية من الصلب بحوالي (100 إلى 150 مليون طن) خلال 5 سنوات، وهو ما يمثل حوالي 15% من الإنتاج الصيني، وزيادة نسبة إعادة تدوير الحديد المستخدم، حيث تسعى الصين إلى ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال إعادة تدوير الخردة فمن جهة التخلص من أطنان الخردة التي تشكل مشكلة بيئية، ومن جهة أخرى استخدامها كبديل للاستغناء عن خامات الحديد المستوردة خاصة الخامات عالية التركيز، والمحور الثالث هو الحديد الإفريقي، الذي قد يكون ورقة الصين الرابحة في حربها مع الأربعة الكبار بعد تمكنها من وضع يدها على مناجم مهمة في كل من غينيا، وسيراليون، و ليبيريا، والجزائر وغيرها، مما قد يمنح الصين إمكانية إنتاج 100 مليون طن سنويا من المناجم الإفريقية . هذه الاستراتيجية قد تجعل من الصين المتحكم الأول في أسعار خامات الحديد في أفق 2025م.