المحرقة: هل ينبعث الاعتدال من رماد "التطرف" / المختار ولد نافع

altرب ضارة نافعة يقول المثل العربي!! فهل يمكن أن نحول جريمة إحراق كتب الفقه النكراء شرعا وعقلا وأخلاقا ومنطقا إلى فرصة للتفكير في القضية التي أراد هؤلاء نفعها فأضروها وكيف نحمي كلمة حقها من الإرادات الباطلة والوسائل الباطلة والطرق الباطلة؟

فما هو أهم من إدانة هذا الجرم الذي يحمل في قبحه كفاية عن هجوه ، وما هو أهم من الحمية لكتب الفقه والدفاع عنها، وهي الجبال الشم التي في حلمها متسع لاستفزازات قرون التيس، هو أن نفكر قليلا كيف أمكن أن تقع هذه الجريمة وكيف استغلت قضية لا يختلف عليها اثنان في الوقوع في منكر لا يختلف عليه اثنان؟ إن تحرير مظلمة الحراطين التاريخية من الاستغلال السيئ –سواء كان سوءه من سوء نوايا أصحابه أو من سوء وسائلهم- وهو الذي يمثل أفضل عمل ينبغي أن يرد به على هذه الفعلة المنكرة لا بد له من تبني كافة أطياف المجتمع وقواه لهذه القضية ليس بالكلام المعسول والبيانات الشاحبة كما تفعل أطراف المعارضة والمثقفين والكتاب وليس ببرامج ذر الرماد في العيون والدعاوي الحكومية الفارغة، وإنما المطلوب تبن حقيقي لهذه القضية والسعي لحلها بدء بتبيين الموقف الإسلامي الصريح بعدم شرعية العبودية وإصدار ذلك في فتاوى عامة، ثم انخراط الدولة في القضاء على بقايا العبودية وإزالة آثارها ببرامج اقتصادية واجتماعية جادة تتبنى بشكل واضح رؤية تمييزية في مجالات دعم التعليم ومكافحة الفقر والدعم الاجتماعي، وصولا إلى إزالة الثقافة الإقصائية والاستعبادية والتفاضل بمنطق الطين الفج. نقول ذلك لأنه إذا كان بعض من حملوا راية مكافحة العبودية أساءوا إليها فإن من تخلوا عنها أساءوا لها أكثر: أساءوا لها بتخليهم عنها، وأساءوا إليهم بترك من حملوها يسيئون إليها، فلا مجال لتحصين أي قضية عادلة من الاستغلال إلا حين يلتف حولها من كل حدب جماعات المدافعين الصادقين. نعم! لقد سلكت "إيرا" (أو بعض قادتها بشكل أدق لأني متأكد أنه ليس كل أفراد الحركة موافقا على هذه الخطوة) مسلكا متطرفا بحرق الكتب الفقهية وربما يكون ذلك تتويج لمنهجها الذي اتخذته، ولا عذر لها في أنها دفعت لذلك دفعا بتخلي الأطراف الأخرى عن حمل القضية، فالتطرف هو التطرف سواء كان اختيارا أو اضطرارا بل إنه لا يكون في الغالب إلا ردة فعل وهي بذلك تتحمل مسؤوليتها كاملة عن منهجها وعن وسائلها، إلا أن ذلك من جانب آخر لا يعفي من تسبب في تطرفها من مسؤوليته، فقد كانت هنالك أطراف أخرى دافعت عن مظالم هذه الشريحة بوسائل معتدلة ومع ذلك ما أدى عملها شيئا ولم تلق ترحيبا إلا حين برزت "إيرا" فهب الجميع يثنون على اعتدالها ولكن بالمجان. لقد جنى "التطرف في القضية" على نفسه وأراح الناس من مغبة الجدال معه وانطبق عليه بوضوح قولة الشاعر: ما يبلغ الأعداء من أحمق*** ما يبلغ الأحمق من نفسه

فهل معنى ذلك أن البديل عنه هو "التطرف في التخلي عن القضية"؟ كلا! كلا! وإنما البديل هو الركون إلى الاعتدال الوسط القائم على إنكار الظلم ورد المظالم وقولة الحق دون مخافة لومة لائم.

29. أبريل 2012 - 15:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا