أبوالمقاومة المجاهد سيدي ولد مولاي الزين (حقائق جديدة تنشر لأول مرة) / المرابط ولد محمد لخديم

كنت قد كتبت مقالا عن المجاهد الأمير سيد أحمد ولد أحمد عيدة:مسيرة جهاد الرابط:
http://www.aqlame.com/article34351.html
  وقد آليت على نفسي أن أكتب مقالا آخر عن أبو المقاومة الشريف سيدي ولد مولاي الزين  والذي جعلني لم أكتب عنه قبل أي مجاهد آخر هو افتقاري للمعلومات لازمة لذالك الحدث الذي كسر شوكة المستعمر إلى الأبد...

   يممت وجهي إلى المكان الذي انطلق منه المجاهد الكبير  وهي قرية صغيرة تبعد 67 كلم شرق مدينة أطار عاصمة ولاية آدرار تسمى بامحيرث..في هذا الوادي زرت مسجد المجاهد ونخيله والمكان الذي انطلق منه...
   التقيت بالكثير ممن سمعوا عن هذا الحدث الجلل لكنني وجدت شيخا كبيرا متعه الله بذاكرة قوية حيث كان يروي الأحداث من أفواه المجاهدين ممن رجعوا سالمين من المعركة...
ارهاصات العملية
عندما سمع الشريف سيدي ولد مولاي الزين أن كبولاني دخل موريتانيا واستقراره في قلعة تجكجة  وماقام به جنوده ومعونوه من افساد في الأرض في تكانت ولعصابة خاصة بعد معركة “بوﯖادوم” واستشهاد المجاهد الكبير بكار بن اسويد احمد…
بدأ يعد العدة لقتل هذا المحتل الغاشم طاف بسكان آدرار شرقا وغربا طولا وعرضا..
  كان التحدي أمامه هو مدى قدرته على تسويق فكرة الجهاد،في بلد يعيش نوعا من الفوضى والتشرذم..وضعف السلطة...وتعدد الولاءات ...
كانت ساكنة آدرار تجل سيدي وتقدره لما يتمتع  به  من جاذبية روحية ودينية..
   لكنه لم يكن يملك نفوذا سياسيا وهو ماجعله يلقي صدودا خاصة أنه كان يعرض في كل مرة على القوم قتل كبولاني...و من هنا بدأ ينظر اليه بنوع من الريبة والتهكم المحترس معللين ذالك بعدم تكافؤ في العدة والعتاد...
  فيصعب أن نتصور مواجهة السيف ولكشام بالقرطاس والمدافع الآلية..ومئات الجنود المدربين بعشرات الرجال الغير مدربة...!! 
لكن الرجل كانت لديه همة عالية تغذيها رؤيا أصبحت تغض مضجعه في كل مرة وقد فسرها بقتل كبولاني … …!!  

ولما يئس من هذا كله رجع إلى امحيرث وعقد العزم على الذهاب قدما بما تيسر,,      
  زار شيخه محمد محمود ولد الشيخ الغزواني شيخ الغظف في أوجفت .وقد شجعه وحثه على المضي قدما إلى قلعة تجكجه، وفسر له رؤيا بقتل كبلاني وحصل على تبريكاته ودعائه،  وعندما هم بمغادرته أهداه سيفا بتارا صارما(الصورة) ، وأخبره أنه الأداة التي سوف يقطع بها رأس الكفر...

مسار الرحلة:

  من واد امحيرث، نقطة الانطلاق بدأ  القائد الشريف سيدي ولد مولاي الزين في إعداد وجمع عناصر خطته ليجتاز طريقا يمتد لأكثر من ثلاثمائة وعشرين كيلومترا,,
بات يطوف بأطراف خيمته ويقول:

ال لاه اشين لي ذ المشي .....يسكت مافات  أذكرهالي
بي طاريل ذي الليلة ..........من لحزيم ال ماكط أطرالي.
الليالي الليالي ........الأيام تلك الليالي....

   ويبدوا أنه حزم أمره في المضي قدما في هذه المهمة  قال لزوجته زينب بنت أعلي  وهو يودعها (لقد بعت نفسي للجهاد في سبيل الله وقد لا ارجع ..)
  اصطحب معه ابن أخيه شيغالي وتلميذين من الغظف وهما:عبد الله ولد عبد السلام ومحمد   ولد سيدي ولد أباه اتجهت الراحلتان صوب فارس في مكان يسمى(اتويليليلت) وفي منتصف الطريق بصر خيمة أعميرة قال:سيدي لأبن أخيه أبلغ أعميرة أنه إذا أراد أن يشارك في الجهاد وقتل كبولاني فاليلتحق بنا (وهي الرسالة التي يكررها شغالي في كل مرة عندما يأمره سيدي) ...التحق به أبنا عميرة الاثنين في فرع الطين..
   عندما رسم سيدي ولد مولاي الزين المسار لم يعرج على أحد فقد كان كل المجاهدين يلتحقون به من كل الجهات...
  تابعوا المسير ولما وصلوا إلى موضع يسمى شاش قرب الكارة الزرقة في مكان يسمى (أركينت آلوكاي) بين تيروراتن وشاش حيث تتموضع  خيام أفريك كبير فيه ابنه اللل وابن أخيه أحمد ولد زيدان وشيخ لفريك يسمى محمد السالك ولد السالك(أجاش) ولما بلغ شغالي رسالة سيدى لشيخ لفريك  التحق به ومعه ثمان مجاهدين ...
   وأثناء المسير وبالذات عند موضع يسمى ظهر العتروس في محاذاة الكارة الزركة صادفوا كلا من أحمود ولد أعلي وأحمد ولد عثمان وكانا في رحلة صيد يقول أحمود أنه أخذته سنة من نوم  وعندما فاق رأى الغزال في متناوله فأجهز عليه فتزامن قتل الغزال مع  وصول سيدي وجماعته اجتمع في ذالك الموضع 14 مجاهدا...
  بعد صلاة العصر أمر سيدي ابن أخيه شيغالي بأن يحمل تلميذي الغظف الاثنين ويرجع بهما إلى الديار..
واصل الركب مسيره وعندما وصل إلى موضع يسمى (انيوكرظ) اعترضتهم خيمة سيدي ولد ويس فدعاهم سيدي إلى الجهاد واصطحب معهم ابنه سيد أحمد ولد ويس ..
   نزلوا من طريق يسمى (اصبع امسكارة) على قرية تسمى تيمكازين سكانها من أهل أحمد ولفظيل مع صلاة المغرب..
   أمضوا ليلتهم في ضيافة أمحمد ولد اعل فال..وقد زودهم بالتمر واللحم وفي الصباح قال سيدي ولد مولاي لأحمد ولد عثمان يجب أن ترجع إلى والديك لأنهم غير راضين بسفرك معي..
    فكل من معي من المجاهدين ماضون في رحلة الشهادة... ومتفقين على ذالك في السراء والضراء…وبهذا تكون قد وصلت تيمكازين اربعة عشر مجاهدا...
   واصل الموكب سيره  وفي موضع(تويكدات) التقو برفيق دربه ولد الصفرة ومعه ولد لميلح فدعاهما سيدي إلى مرافقته في رحلته وأخبرهما أنه ماض إلى قلعة تجكجة وأنه قاتل كبولاني فقبلا الدعوة...
وتنطلق القافلة متل كرات الثلج فكلما تدحرجت كبرت.وفي موضع يسمى اسباعية
(بطحاء تيتارك)  بصروا ببجاوي فاوجسوا منه خيفة ليلا يذيع أخبارهم ولما جائهم دعاه سيدي كالعادة إلى الجهاد فقال له على شرط أن ارجع إلى أمي وأخواتي سالما..
فقال له سيدي: سيكون لك ذالك إنشاء الله وبه يصل عددهم إلى سبعة عشر مجاهدا..
  باتو ليلتهم في بطحاء مريام وتعشوا بالزاد الذي أخذوه من تيمكازين..
  واصلوا المسير إلى أن حطوا الرحال بآغمورت قرب الشعرانية وإذا بغنم وابل وبقر..   انزوى سيدي عنهم على ربوة وكان يتكلم ويلوح برموز غير مفهومة عندما رجع إليهم قال لهم خذوا هذا العجل فقد أعطاه لكم الطالب ولد الخليل فاذبحوه قال محمد والسالك(اجاش)      لن نفعل ذالك لقد ذهبنا للجهاد ولسنا قطاع طرق عندها قال سيدي لابنه الل  صل بالقوم وبعد انقضاء الصلاة إذا برجلين يتجهان نحوهما وسلما عليهم وقالا لهم: ان الطالب ولد الخليل حصل له العلم بكم ويقول لكم أن تذبحوا ذالك العجل...‼
وهنا يبرز التساؤل لماذا لايخبر سيدي القوم عن قضية العجل؟ أم أن تفسيره سينعكس سلبا؟
    وبعد إجتيازهم "الخط"الذي يفصل بين آدرار وتكانت ظهرت مجموعة كانوا مطاردين من كبولاني، وهم::أحمد سالم بن عركاب  وموسي بن بوأبيط ومحمد بن عميرة وعبد الرحمن بن العبد ومحمد بن بوأبيط...
  أما الخامس وهو سيدي ولد بوبيط فقد وقع في قبضة كبولاني.وقد اطلق صراحه بوساطة من المترجم ولد ابن المقداد ليلتحق بهم لاحقا..
   حين بلغ ركب المجاهدين موضع"كيلمس" على بعد 20 كلم عن تجكجة، قرروا التوقف مؤقتا لتناول الغداء..وعند الغذاء التحق بهم الاسير سيدي ولد بوبيط منهكا فطلبوا منه أن يخبرهم عن القلعة فقال لهم انه لا يعرف عنها شيء فلقد كان مسجونا مع كوميات المدنيين
و حالته لا تسمح له بالمشاركة في المعركة فبقي عند الإبل والعتاد صحبة العربي ولد زيدان الذي أصيب بمرض أقعده وولد اعميرة..
وبقيت عشرون رجلا تتأهب لذهاب إلى المعركة وقد اجتمع في ذالك المكان كل من:
   القائد سيدي ولد مولاي الزين وإبنه عبد الرحمن الملقب اللل والعربي بن زيدان، ومحمد السالك بن السالك الملقب (الجاش)،والسالك بن الدده وول يما وسيد أحمد ولد أعميرة واحمد ولد أعميرة ،وأسويدات بن أبياه ومحمد المختار بن سيدي بن ببيط الملقب أندمان وسيد احمد بن بن ويس،والكوري بن الشويخ،أحمود بن أعلي،وأحمد بن هنون،ومحمد بن الصفرة،وأحمد بن لميلح،وأحمد بن ميلود بن لفرك. أحمد سالم بن عركاب  وموسي بن بوأبيط ومحمد بن عميرة وعبد الرحمن بن العبد ومحمد بن بوأبيط....
  بعد هذا اللقاء،توقف الشريف صحبة رفقته واخبرهم بالخطة التي سيتبعونها في القضاء علي كبولاني،وطلب منهم ان لا يصدر أي تصرف من أحدهم حتي يسمعوا منه التكبير بعد أن يدخل إلي المعسكر وقال لهم إن إجتماعهم هذا في هذا المكان سيجتمعونه أيضا تحت ظلال العرش يوم القيامة.فعاهدوه علي إتباعه حتي النهاية ..
   ولما وصلوا بالقرب من تجكجة إلتقوا بعامل سبق أن خدم في معسكر كبولاني ياخذ الماء من اليئر فلما رآهم فر هاربا فتبعه ولد الدد وأخذه وقالوا له لك الأمان سنحررك بعد الانتهاء من العملية فقال لهم آنا معكم ،فأخبرهم بحال المعسكر وبموقع الجنود وحالة الحرس وأعطاهم صورة عن القلعة وأن لها باب شمالي ،وآخر شرقي، وعند الباب الشمالي معظم الجنود ولآخر عنده المدنين وكوميات.
وبهذا يسخر الله لأوليائه كل شيء فمن كان لله  كان الله جل له,,
  إنقسمت الجماعة إلي فرقتين:
   فرقة معها الشريف سيدي،دخلت من الباب الشمالي وما إن ولج الشريف باب المعسكر حتي رفع صوته بالتكبير وأنقض علي الملازم "انتفاه" بالسيف فشج رأسه، فأطلق الضابط الرصاص من مسدسه على الشريف فسقط شهيدا، فلما رأى أحمد بن هنون ما جرى لسيدي اقترب منه ليعرف حالته فأصابته رصاصة سقط جراءها شهيدا، ثم جاء الكوري بن شويخ فأصابته أخرى فاستشهد....
   أما كابولاني فقد تولاه كل من سيدي أحمد بن عميره، واحمود بن اعلي الذي أطلق الرصاص على كوبولاني فأصابه إصابة قاتلة..ولما مات كبولاني وتنفيذا لوصية القائد سيدي
صعد سيدي أحمد بن عميره على الحائط وصاح بأعلى صوته: كوبلاني مات...كبولاني مات...كبولاني مات...
   عندئذ انسحبت الجماعة في اتجاه النخيل واتبعهم الجنود بوابل من الرصاص فأصابوا أحمد بن لميلح فسقط جريحا ثم لحقوا به فاجهر عليه النقيب فرير جان...فقتله..؟؟‼
   في اليوم الموالي للهجوم قام النقيب افريرجان باعتقال حوالي أربعين رجلا من إدوعلي، بتهمة الضلوع في مقتل كوبولاني، وظلوا في السجن حتى عثر على الجريح أحمد بن أباه و أعلن عن لا علاقة لأهل تجكجة بهذا الهجوم، فتم الإفراج عنهم..
   تم تشكيل محكمة عسكرية صورية بمبادرة من النقيب فريرجان لمحاكمة أحمد بن أباها الذي عثر عليه جريحا، لم تستغرق المحاكمة سوى وقت قصير حكم على أحمد بن أباها بالقتل شنقا، وبعد صدور الحكم عليه، أخبره الترجمان ولد ابن المقداد بأنه سيقتل، فرد علي بكل هدوء: الله أكبر...

استشهد في هذه المعركة كل من:
القائد: الشريف سيدي ولد مولاي الزين
ـ أحمد ولد هنون
ـ الكوري ولد اشويخ
ـ محمد ولد لحويرثي الغيلاني
ـ أحمد مولود ولد اميلح
- أحمد ولد اعميره ولد اباه الذي أعدم لاحق
أما الجرحى فهم:
ـ السالك ولد الدد ولد البطاح
ـ أحمود ولد اعليه
ـ اللّلّه ولد سيدي ولد مولاي الزين
ـ الجاش ولد البطاح
ـ سيداحمد ولد اعميره
ويتضح أن أغلبية هذه المجموعة من قبيلة اديشلي.. فخظ اهل التناكي حصرا.
    ومن الغرابة أن فرير جان هذا المجرم الذي قتل جريحا  وهو ولد لميلح وشنقا جريحا آخر  بوا سطة محاكمة صورية وأمر بوضع الشهداء في حفرة... نراه اليوم هو المؤرخ والكاتب المفضل عند الكثير من الموريتانيين.. ‼
وبهذا يسدل الستار على معركة لا يمكن أن يصدقها العقل فكيف لشيخ بلغ من العمرعتيا لايملك من العتاد إلا سيفا واحدا ومجموعة من الأشخاص الغير مدربة سلاحها بنادق تقليدية من نوع لكشام ينطلق من خيمته فجرا ويرسم لنفسه مسار لا يحيد عنه ويجزم بأنه سيقتل كبولاني برغم الفارق الكبير في العدة والعتاد وكان له ذالك.. ‼
  وتظل المقاومة العسكرية ناقصة مالم تصاحبها المقاومة الثقافية فمشايخ المحاظر بذلوا الكثير في التنفير من المحتل بخطبهم وفتاويهم فقد استطاعت المحظرة  أن  تكون حارسا أمينا وسورا منيعا في وجه المستعمر الفرنسي كمكمل لسلاحنا لغير متكافيء. بذلك شهد شاهد من أهلها: CRISTIAN LAGREيقول المسمي(كريستان لجرى) في رسالة سرية إلى الوزير المعني في فرنسا ما خلاصته:
« إن الأفارقة قلدونا في الملبس وفي كل شيء ماعدا موريتانيا التي تمثل الثقافة فيها أعلى مراقي المجد فما زالت لها مكتباتها(700 مجلد من شنقيط وحدها) ولهم قضاؤهم المستقل» ثم يقترح حلا لذالك الصمود, وهو زعزعة مكانة العالم, والمحظرة, وتشجيع أطفال المدرسة الحديثة بإعطاء المنح وفتح الكفالات وتوفير الملابس مجانا إلى أخر الاقتراحات.....
    وبهذا لا يجوز أن نفرق بين مقاومة وأخرى فهؤلاء الذين قضوا بذلو الغالي والنفيس في سبيل هذا الوطن على حين لم يفعل الأبناء شيئا يذكر غير القيل والقال.. ‼
  في حق رموز سيعيشون في خلدنا إلى الأبد ويستحقون علينا أن نكرمهم  ونعيد كتابة تاريخهم من جديد..لا أن نتركهم لقمة سائغة لأذيال المستعمر والأقلام المأجورة... ‼

قد مات قـوم ومـا ماتـت مكارمهم  +++ وعاش قوم وهم في الناس أموات.        


الهوامش:
شهادات محلية ممن أخذوا عن المجاهدين العائدين من المعركة..
وقد زودنا السالك ولد خوك بمعلومات جديدة أخذها من المجاهدين أنفسهم ممن لم يقض في معركة قتل كزافي كبولاني..
   الطريقة الغظفية طريقة صوفية تركز في التربية على العمل والإنتاج والتقشف والجَلـَد ،
وهي  مزيجاً بين الطريقة القادرية والطريقة الشاذلية، أسسها الشيخ محمد الأغظف بن حمى الله بن سالم الداودي المتوفى سنة 1210 هـ،.
الموكب الثقافي: الجمعية الوطنية للتربية والثقافة والعلوم: العدادان 4.5 مايو 1996م

 

4. سبتمبر 2017 - 17:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا