عهد البريكس / المصطفى ولد البو

في عام 2006 دخلت أربعة دول هي الصين و الهند و روسيا و البرازيل في مباحثات من أجل تأسيس كيان اقتصادي ينافس الهيئات الاقتصادية الغربية و يلعب دورا مهما و مؤثرا على الخريطة الاقتصادية العالمية، و بالفعل تم الإعلان عن ميلاد هذا التكتل و نظمت أول قمة له في عام 2009 تحت اسم “ البريك " و هو اختصار مكون من الأحرف الأولى للدول الأعضاء و في عام 2010 انضمت جنوب إفريقيا ليضاف حرف “ الأس “

 للقب و يصبح “ بريكس “ و يعتبر الخبير الاقتصادي في مصرف غولدمان ساكس جيم أونيل هو أول من  أطلق هذه التسمية على المنتدى، و يمثل تكتل قوى البريكس الاقتصادية نادي أغنياء الدول الصاعدة و أملها في تمثيل أكبر ضمن هيئات الحوكمة العالمية، كما أنه يقدم نفسه كبديل حتمي للمجموعات الاقتصادية الدولية المنبثقة عن أمريكا و أوروبا و التي يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يتفوق عليها فعلا في نهاية  الربع الأول من القرن الواحد و العشرين.. دول البريكس تمثل مجتمعة نسبة 30 بالمائة من اليابسة على الكرة الأرضية و 40 بالمائة من سكان العالم و 18 بالمائة من الناتج الاقتصادي العالمي و 15 بالمائة من حجم التجارة الخارجية وتجذب المجموعة نصف الاستثمارات الأجنبية حول العالم.
تعتبر الصين أكبر مصدر و ثاني مستورد على مستوى العالم إلى جانب كون اقتصادها الثاني عالميا، و تحتل البرازيل المرتبة السادسة على لائحة أقوى اقتصادات العالم وتحظى روسيا بنفس تلك الرتبة لكن على لائحة أكبر القوى الشرائية و مع عدد سكانها الهائل مازالت الهند أهم الأسواق العالمية و أكثرها جذبا للمستثمرين و مع انضمام جنوب افريقيا أقوى اقتصاد في القارة السمراء تصبح المجموعة التي تمثل أربع قارات قد حجزت لنفسها مبدئيا مكانا مهما على الساحة الاقتصادية الدولية في انتظار ترجمة ما يصدر عن قممها من قرارات إلى واقع على الأرض.

التحديات
رغم ما تتمتع به دول البريكس من مميزات و كثير من نقاط القوة إلا أنها كمجوعة ناشئة تواجه الكثير من التحديات و أولها حسب الخبراء الاقتصاديين هو تدويل العملات المحلية للدول الأعضاء و إسماع صوت الدول الصاعدة في النظام المالي العالمي هذا مع تشكيك الكثير من المراكز البحثية سواءا في  ستاندفورد أو  مورنينغ ستار في قدرة قوى البريكس على مواجهة العقبات الاقتصادية القادمة فبالنسبة للصين أثر اعتمادها الكامل على الاستيراد و التصدير على توازنها الاقتصادي كما شهدت السنوات القليلة الماضية تراجعا ملحوظا في حجم الواردات في كل من روسيا و الهند و البرازيل مع معاناة جنوب إفريقيا من فساد حكومي مستشر. دول البريكس أيضا تعاني كغيرها من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي و تراجع أسعار المواد الأولية و النفط و ضعف التنسيق بين التكتلات الاقتصادية المختلفة و اتساع رقعة الإرهاب.
ليس هذا فقط فالدول الأعضاء تعاني مشاكل سياسية داخلية كبيرة و تلاحقها تهمة عدم الشفافية خاصة في مجال الاستثمار.

دول البريكس بين السياسة و الاقتصاد
لا يخفى على المتابعين للمشهد السياسي و الاقتصادي الدولي حجم الهوة و الاختلاف الكبيرين بين أغلب دول البريكس و إن كانوا اتفقوا على أمر واحد و هو التطلع نحو قيادة الاقتصاد العالمي ضمن كتلة واحدة لكن إلى جانب الطموح الاقتصادي لدول البريكس هناك أيضا تعطش كبير لتحقيق مكاسب سياسية فمثلا تسعى كل من الصين و الهند و رغم حدة الخلاف بينهما و الذي وصل مؤخرا إلى التراشق بين جنود البلدين على الحدود إلى استغلال قوتيهما الاقتصادية و البشرية من أجل التأثير في القرارات الدولية و العمل على محاولة تقزيم دور القطب التقليدي الأوحد، و كانت الصين ايضا وراء ضم جنوب إفريقيا للبريكس لتكون بوابة المجموعة على القارة الإفريقية و لمواجهة التأثير الأمريكي المتصاعد في القارة السمراء.
قد تكون الهند تحفظت على ضم جنوب إفريقيا و ترشيح اقتصادات صاعدة أخرى مثل كوريا الجنوبية و تركيا و المكسيك لكنها رفضت من منطلق سياسي و بشكل قاطع إقتراح الصين ضم باكستان و إن كانت عبّرت عن هذا الرفض بعبارات من قبيل " ليس الوقت مناسبا للحديث عن " بريكس + " و هي التسمية التي سيحملها المنتدى مع أول انضمام جديد.

قمة شيامين فوتيان
تعتبر مدينة شيامين أهم مدن  إقليم فوتيان و بوابة الصين على الجنوب، كما أنها تضم أهم الموانئ التجاري الصينية و تصنف كأنشط مراكز التبادل التجاري و واحدة من أسرع مدن الصين نموا، شيامين معروفة أيضا بصناعة الشاي و تضم أهم ماركات الشاي في العالم و يزيد عدد سكانها على الثلاثة ملايين.
عقدت قمة دول البريكس هذه السنة في شيامين للتأكيد على أهداف مجموعة البريكس و التي يعتبر التبادل التجاري أحد أهم أهدافها بمشاركة ضيوف شرف هم مصر و غينيا و طاجيكستان و المكسيك و تايلاند.
تم إغلاق مركز المدينة بالكامل و خلق مربع أمني كبير و محكم لا تتجول فيه سوى الباصات التي تحمل الوفود و سيارات الشرطة، في شيامين واحدة من أهم و أجمل قاعات المؤتمرات في الصين و العالم و كما عودتنا الصين دائما في تظاهرات بهذا الحجم و المستوى تم تجهيز مركز إعلامي ضخم يتوفر فيه كل شيء بدءا مما يمكن أن يحتاجه الصحفي لأداء عمله انتهاءا بما يساعده على الاسترخاء مثل أريكة أتوماتيكية للتدليك و التخفيف من الضغط الجسدي و النفسي إلى جانب مطاعم و غرف للصلاة خاصة بالمسلمين.

بدأت القمة بخطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ و الذي كان ذو نبرة هادئة كعادته في خطاباته حيث بدأ كلامه بمثل معروف في شيامين عن ضرورة الاعتماد على النفس في إشارة ضمنية تحيل إلى التخلص من الهيمنة الاقتصادية الغربية، مؤكدا على مواصلة الصين تطبيق الشيوعية بخصائص صينية و مشيرا في الوقت نفسه إلى أن مجموعة البريكس قد حققت نتائج مرضية بدأتها بالبنك الخاص بالمجموعة مرورا بالهيئات المنبثقة عنها و التي ذكر أنها قدمت مساعدات مهمة للدول النامية.
شي جين بينغ قال أيضا إن الخريطة الاقتصادية العالمية في طريقها إلى التغير و أن على الدول الأعضاء في البريكس أن تحرص بشكل أكثر على تبني مفهوم مشترك يتعلق بالأمن و الاستثمار و تعزيز التواصل الإنساني و توسيع الشراكة الاقتصادية و الاهتمام أكثر بأحوال الفقراء و محاربة تشغيل الأطفال و تقديم الدعم المستمر للدول النامية.

ستظهر مستقبلا كيانات و تكتلات اقتصادية جديدة و سيستمر الصراع على خريطة التحالفات المالية و الاقتصادية العالمية كما سيستمر سعي بعض البلدان القوية نحو تحقيق طموحاتها في كل من النمو الاقتصادي و التأثير السياسي فبوصلة التحكم في الاقتصاد العالمي تتجه نحو بلدان جديدة و نحن  في عهد البريكس و البريكس + رغم ما يواجهونه من تحديات
 

4. سبتمبر 2017 - 17:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا