الشروط الضرورية لنجاح سياسة تخفيض قيمة الاوقية / مولاي ولد أب ولد أگيگ

عادة ما يكون اجراء تخفيض قيمة العملة الوطنية ضمن حزمة من السياسات تتبعها الحكومة في اطار برنامج اقتصادي مقابل الحصول على مساعدات وتسهيلات مالية مقدمة من طرف صندوق النقد والبنك الدوليين. يسعى هذا البرنامج الى تحقيق اهداف تتعدد بتعدد الاختلالات الاقتصادية التي يعرفها البلد إلا انه يمكن اجمالها في تحسين معدلات الأداء الاقتصادي الكلي وتحقيق التوازن على المستويين الداخلي  والخارجي.

يتطلب تحقيق هذه الأهداف الاقتصادية لهذه البرامج القيام ببعض الاجراءات المصاحبة، يكون من بينها، احيانا، تخفيض قيمة العملة الوطنية باعتباره وسيلة لإعادة التوازن للميزان التجاري أو التخفيف من العجز الحاصل فيه. يتم ذلك انطلاقا من المبدأ الذي تقوم عليه هذه المقاربة و القائل بأن تغير قيمة سعر صرف هذه العملة مقابل العملات الأجنبية سوف يؤدي إلى تغييرات سعرية تُحدث تأثيرا على حركة الصادرات والواردات في اتجاه موافق للقضاء على العجز، ويحصل ذلك حسب الآلية التالية:
فمن ناحية، نجد أنه عندما تنخفض قيمة العملة الوطنية فإن ذلك يعني أن قيمة الوحدة النقدية منها ستصبح مساوية لعدد أقل من وحدات النقد الاجنبي وعندها ستصبح السلع الوطنية المعدة للتصدير أقل ثمنا بالنسبة للأجانب فيزداد طلبهم عليها و بالتالي تزداد حركة الصادرات مما يعني زيادة عائدات الدولة من النقد الاجنبي المطلوب لمواجهة العجز. من ناحية أخرى، نجد أنه عندما تنخفض قيمة العملة الوطنية فإن ذلك بالضرورة يعني أن العملات الاجنبية وبالتالي السلع المستوردة تصبح مرتفعة الثمن بالنسبة للمستوردين المحليين مما سيؤدي في النهاية الى انكماش طلبهم عليها و بالتالي تراجع الواردات. وهكذا، بهذه الطريقة، نجد أن الصادرات تزيد والواردات تنخفض وبذلك يتوارى العجز.
إلا أنه في واقع الامر، المسألة ليست بهذه السهولة وليست مضمونة النتائج بالنسبة لبلد نامٍ كموريتانيا التي يتوقف نجاح هذه السياسة فيها، وفي غيرها من الدول، على توفر مجموعة من الشروط
اللازمة لضمان فعالية هذا الاجراء، فبالنسبة للصادرات هناك ثلاثة شروط ضرورية:
1. تمتّع الطلب العالمي على الصادرات الوطنية بالقدر الكافي من المرونة وتلك مسألة تتوقف على نوعية تلك الصادرات، ومن المعلوم ان الصادرات الموريتانية تتشكل اساسا من المواد الاولية (خامات الحديد و السمك) التي تعرف انخفاض مرونة الطلب العالمي عليها. ففي سنة 2015 بلغت نسبة الحديد من قيمة اجمالي الصادرات حوالي 24% وبلغت نسبة الاسماك 28%  وبلغت نسبة النحاس 14% و الذهب 24%.
2.  تمتّع العرض المحلي لسلع التصدير بدرجة عالية من المرونة، بمعنى أن يكون الإنتاج المحلي للسلع المعدة للتصدير قابلا للزيادة مباشرة بعد تخفيض العملة حتى يتمكن من تغطية الطلب المتوقع. وهذا الشرط هو الاخر غير متحقِق في موريتانيا وذلك بالرغم من وجود طاقات انتاجية عاطلة، خاصة في قطاع الصيد البحري الذي بلغ انتاجه من الاسماك 773000 الف طن سنة 2016، إلا انه لم يبلغ بعد طاقته الاستغلالية. وتجدر الاشارة الى ان تشغيل هذه الطاقات المعطلة لن يستجيب مباشرة للزيادة المتوقع حدوثها في الطلب العالمي حينما تنخفض أسعار الصادرات، اضافة الى ان تشغيل هذه الطاقات يحتاج هو الاخر الى موارد أخرى تدعمها وتؤهلها للاندماج في الاقتصاد الوطني.
3. استقرار الأسعار المحلية لسلع التصدير، ذلك أنه لو ارتفعت هذه الأسعار بعد تخفيض قيمة العملة الوطنية فإنما يستفيده المستورد الاجنبي من هذا التخفيض سوف يخسره بارتفاع الاسعار المحلية التي يشتري بها من البلد الذي قام بالتخفيض.
من الواضح ان هذا الشرط لا يتوفر في دولة نامية كموريتانيا التي تعرف معدلات مرتفعة للتضخم، الشيء الذي يمحو أي أثر لعملية التخفيض فيما يتعلق بزيادة الصادرات. فمثلا، في سنة 1995م عمدت السلطات الى تخفيض قيمة الاوقية ب 4.95% إلا أنه في نفس السنة عرفت الاسعار المحلية ارتفاعا بلغ 4.8% مما يعني أن الثمن الذي سيشتري به المستورد سيتغير ب 0.15% فقط.
4. الشرط الاخير اللازم توفره هو أن لا يقابل هذا التخفيض بإجراء مماثل من الدول الاخرى التي تنتج سلعا تصديرية مماثلة. وبما أن سياسة تخفيض قيمة العملة الوطنية تأتي، غالبا، في إطار برنامج توافقي بين صندوق النقد الدولي و الدول النامية (بشكل عام) والتي تتشابه صادراتها الى حد كبير فإن هذا الشرط لا يتوفر من حيث الاساس.
وهكذا يتضح مما سبق أن الشروط اللازمة لإنجاح سياسة تخفيض قيمة الاوقية في زيادة الصادرات لا تتوفر على النحو الذي تقتضيه هذه السياسة.
اما بالنسبة للواردات، فهناك شرطان أساسيان لابد من توفرهما حتى يمكّن تخفيض قيمة الاوقية من تقليصها (الواردات):
1.  أن يكون الطلب المحلي على الواردات السلعية مرنا، أي أن ارتفاع الأسعار المحلية للسلع المستوردة بنسبة معينة(نسبة التخفيض) يجب أن يقابله انخفاض في الطلب على السلع الاجنبية بنسبة أكبر من نسبة التخفيض، إلا ان هذا الشرط يستوجب هو الآخر شروطا أخرى حتى يكون قادرا على التحقيق. ومن ابرز تلك الشروط ان يكون جهاز الانتاج الوطني قادرا على انتاج سلع بديلة تحل محل السلع المستوردة، أو يكون (الجهاز الانتاجي) قادرا على اعادة توزيع موارده الاقتصادية على نحو سريع لكي يخصص جزءا منها لإنتاج سلع محلية تحل محل الواردات.
2. ان تكون مرونة عرض الواردات كبيرة. بمعنى أن يقوم المصدرون الاجانب بتخفيض الكمية المعروضة من سلعهم في سوق البلد الذي يقوم بعملية التخفيض وذلك لمواجهة انخفاض الطلب الذي طرأ على منتجاتهم بعد ارتفاع اسعارها محليا لأنه لو لم يفعل ذلك فستبقى الاسعار مرتفعة ثابتة بعد التخفيض.
كما هو واضح، فإن هذين الشرطين مفقودانِ، فبإلقاء نظرة على تركيبة واردات البلد نجد ان قيمة الواردات من المواد الغذائية بلغت 022 128 مليون اوقية سنة 2015 وهو ما يمثل نسبة 20% من اجمالي الواردات من السلع، والمحروقات بلغت قيمتها 441 109 مليون اوقية سنة 2015 وهو ما يمثل نسبة 17% من اجمالي الواردات من السلع وهاتان السلعتان ضروريتان ولا يمكن انتاجهما محليا على المدى القصير ولا الاستغناء عنهما وبالتالي لا يُتوقع ان ينخفض الطلب عليهما حتى لو ارتفعت اسعارهما بعد تطبيق التخفيض.
اذن، مما سبق يتضح ان سياسة تخفيض قيمة الاوقية كوسيلة للحد من تقليص الواردات و لزيادة حجم الصادرات لم ولن تكلل بالنجاح في ظل الظروف التي اوردناها سابقا والتي تعرف غياب شبه تام للشروط الضرورية لنجاح العملية. مما يعني ان الدولة التي تلجأ  او تنصاع لها ستجد نفسها خاسرة، لأن عائداتها من النقد الاجنبي عن طريق الصادرات ستشهد  تراجعا واحتياجاتها من النقود الاجنبية اللازمة لتغطية الواردات ستصبح في تصاعد بعد التخفيض. وبالتالي فالمستفيد الاكبر (إن لم لكن الوحيد) هو الاقتصاديات القوية التي ستدفع أقل من اجل الحصول على المواد الاولية و تجني أكثر من خلال ارتفاع قيمة وارداتها بالنقد الاجنبي) الى الدول النامية بعد التخفيض.
وفي رأيي أن المؤسسات النقدية الدولية ومن خلفها تدرك تماما عدم جدوائية سياسة تخفيض قيمة العملة الوطنية في الدول النامية نظرا لغياب الشروط اللازمة لنجاحها، ولو أن الامر مخالف لذلك لَلجأوا دولاً وهيئات الى التصدي لتطبيقها لأنه في تلك الحالة ستكون تلك السياسة ناجعة وفعالة في زيادة الصادرات والتقليص من الواردات، وهذا هو ما تقوم به بالضبط الولايات المتحدة الامريكية عند كل تخفيض تقوم به الصين لقيمة عملتها(الايوان) بدعوى أنه سيعطي صادراتها ميزة تنافسية غير عادلة.


 

6. سبتمبر 2017 - 10:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا