لماذا لا يتدخل العسكر في موريتانيا عند حاجة الناس؟! / بون ولد باهي

هناك مقولات شهيرة تستمد منها الأنظمة العسكرية شرعيتها في معظم الدول التي حطمت فيها الانقلابات العسكرية الرقم القياسي، أو التي لا تزال محكومة بقبضة من حديد من حكام عسكريين يرفضون مغادرة السلطة مثل النظام الموريتاني، من هذه المقولات عدم أهلية الشعوب لحكم نفسها بنفسها كما في النظم الديمقراطية، عدم أهلية النخب المدنية للحكم وممارسة السياسة، افتراض أهلية وحياد المؤسسة العسكرية، هذه باختصار هي المقولات الثلاث الشائعة في الثقافة السياسية الجديدة للأنظمة العسكرية، نعرض لها كالتالي:

ـ عدم أهلية الشعوب لحكم نفسها بنفسها، كثيرا ما تعمد الأنظمة العسكرية إلى نشر دعاية أو لنقل ادعاء بأن الشعوب التي توجد فيها اثنيات عرقية معرضة للفوضى والاقتتال ويجب أن تحكم بقوة السلاح. وهو اتهام مباشر لها بالتخلف والهمجية وبرفض التعايش والاجتماع. وقد ظلت الأنظمة العسكرية المتعاقبة في موريتانيا تستمد بقائها من التلاعب بتناقضات المجتمع وتنوعه وحولت عوامل القوة إلى ضعف، فبدل خلق ظروف للتعايش بقيت في حدود (أبيض، أسود) أو (عرب أفارقة)، لنزع صفة المواطنة عن الجميع. 
ـ عدم أهلية النخب المدنية للحكم وممارسة السياسة، وكما أن عدم أهلية الشعب كانت حكما مسبقا، فهو لم يسأل يوما هل الانقلابات العسكرية أفضل له أم لا؟ تبعد النخب المدنية بحكم مسبق وهو عدم أهليتها للحكم، لتضرب بذلك أهم فكرة في السياسة وهي علاقة العسكري بالمدني التي ينبغي أن تكون علاقة تبعية لا العكس، في جميع الحالات بما في ذلك السلم والحرب.!
ـ افتراض أهلية وحياد المؤسسة العسكرية، يقوم هذا الافتراض على خدعتين كبيرتين، الأولى حياد المؤسسة العسكرية وأنها تقوم بالانقلابات العسكرية لصالح الشعب. على الأقل في موريتانيا جميع الانقلابات العسكرية كانت تنتهي بتربع زعيم الانقلاب على كرسي الرئاسة تكريما لقوته وشجاعته حتى يأتي من هو أقوى منه وأكثر شجاعة، باستثناء حالة واحدة 2005، الثانية وهي أن هشاشة المجتمع يستعاض عنها بتماسك المؤسسة العسكرية، وكأن هذه المؤسسة لا يمكنها أن تقوم بواجبها إلا إذا تربعت على الحكم أو مارست وظيفتها في الانقلابات العسكرية. مع العلم أن المفارقة الكبيرة في موريتانيا هي أن الأنظمة العسكرية لا تريد أن تظهر على أنها أنظمة عسكرية بعد وصولها إلى السلطة.
هذا ما جعلني أنظر في دور المؤسسة العسكرية في حسم الخلافات والنزاعات السياسية وكذلك أهلية وحياد هذه المؤسسة التي هي في الواقع تبدو أهم مؤسسات الدولة. صحيح أنه في أي بلد عندما تتأزم الأوضاع وتذهب الأمور في اتجاه الانسداد لا يكون هناك سوى حلان، حل سياسي، وهذا لم يحدث في تاريخ الأزمات الموريتانية؛ وحل عسكري، وهذا ما تعود عليه الموريتانيون منذ العام 1978. 
وقد جاءت الحلول العسكرية كالتالي:
ـ عام 1978 قادت المؤسسة العسكرية أول انقلاب في تاريخ البلد، وحمل هذا الحل شعار "الإنقاذ الوطني" وكان يهدف كما هو معروف إلى ثلاث غايات: إيقاف الحرب، وتحسين الوضعية الاقتصادية التي فاقمت منها ميزانية الحرب، وإقامة دولة المؤسسات.
ـ مرة ثانية عام 1980 بعد موجة من الانقلابات السريعة، تدخلت المؤسسة العسكرية لتعلن عن الحل الثاني الذي حمل شعار " الخلاص الوطني"، وبعد أن استتبت الأمور تم الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية. 
ـ وثالثة عام 1984، وهذه المرة تحت شعار "حركة التصحيح" فقط لما قبل وما بعد الانقلاب العسكري.
ـ ورابعة عام 2005، تحت شعارين هما: العدالة والديمقراطية.
ـ وخامسة 2008 وأخيرة، حملت بدورها شعارين وهما: حركة "التصحيح" و"محاربة الفساد".

إذا افترضنا أن هذه الانقلابات العسكرية كانت كلها حلولا لأزمات خانقة عانى منها المجتمع، وأن العسكريين هم النخبة الفاضلة التي أنتجها المجتمع وهي الضامنة لوحدته واستمرار دولته، وهي كذلك فوق الجميع، لماذا لا يتدخلون عند حاجة الناس إليهم؟! أليست الأزمات السياسية التي حطمت الرقم القياسي في تاريخ الأزمات الموريتانية خطيرة على البلد أم أنها مجرد أزمات عابرة؟! أليست الأزمات الأخلاقية والاقتصادية والدبلوماسية وتغيير معالم ورموز البلد أزمات؟! أليس تحويل مؤسسات الدولة لخدمة النظام لا الشعب وتحويل القضاء لخدمة النظام وعبث النظام بالمؤسسات التشريعية وسجن الأبرياء والانتقام منهم خطرا على البلد، وإلا متى يكون الخطر؟
لقد أثبتت خبرة الانقلابات العسكرية أن المؤسسة العسكرية لا تحكم ولا تقوم بالانقلابات العسكرية في موريتانيا، وأن من يحكم ومن يقوم بالانقلابات العسكرية هم أفراد مهووسون بالسلطة وهم من ينقلبون على بعضهم مع أول فرصة، وهم من يقودون موريتانيا إلى بحر من الدماء لن ينجو منه عسكري أو مدني. أما ما يتعلق بعدم أهلية الشعب، أو عجز النخب المدنية، أو أهلية المؤسسة العسكرية فكله خدعة، إذ يستحيل أن يوجد شعب يرفض الديمقراطية، أو نخب مدنية تفضل الحكم العسكري على المدني، أو مؤسسة عسكرية مهووسة بالحكم وترفض أن تظهر حكما عسكريا فرديا أو جماعي. ولهذا وحسب نفهم بعد كل ما حصل لماذا لا يتدخل العسكر في موريتانيا عند حاجة الناس؟!
 

6. سبتمبر 2017 - 10:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا