وعي المرأة وانحراف الأجيال / محمد ولد الطالب ويس

"بدأت المرأة تعي حقوقها"، جملة طالما كررتها متثاقفات الشاشات واللاتي لا تحملن من العناوين في الغالب إلا "ناشطة في منظمات المجتمع المدني"، ولا يعنين بهذه الجملة إلا فساد الأسرة أي إدمان المرأة التبكير والتهجير والسُّرى وطرق أبواب المكاتب والأسواق والمطارات متأبطة حقيبتها متنقبة بنظاراتها السود هاملة بيتها وما فيه من مسؤوليات تاركة أطفالها لمثلث الحاضنة والتلفاز والنت، وعندما تعود إلى البيت وغالبا 

ما يكون ذلك وقت الهاجرة ترمي طرف اللحاف متأففة من كل شيء،! ذلك هو وعي المرأة لحقوقها حسب متثاقفات المجتمع المدني،،،! فهل هذا هو الوعي المطلوب لامرأة تعتبرها الشريعة والتربية والمدنية الحديثة المربية الأولى للأجيال!؟ وهل صدق الشاعر حين قال:

الأم مدرسة إذا أعددتها// أعددت شعبا طيب الأعراق؟

كان علينا أولا أن نُعَرِّف المرأة والوعي والحقوق وحتى الأسرة  لنكون على بينة مما نحن بصدده وحتى نعرف المستند الذي تستند عليه " الناشطات" في قولهن، لكن مقالا بسيطا كهذا لا يتسع لهكذا منهجيات، سنقتصر على النظرة السائدة لوعي مرأة اليوم وتحررها والمتمثلة في مسايرة هذه المرأة للرجل و مرافقتها له جنبا إلى جنب في القسم والمكتب والسيارة والطائرة وفي طوابير البحث عن العمل بل وحتى في تقاسم الولادة والحضانة إن أمكن ذلك،! شيء واحد غاب عن هذا الوعي وهو حاجة الأطفال إلى قسط منه لتنضج الحضانة والتربية وتأخذ شكلا يتماشى ووعي الأم في عصر العولمة، وحتى نسلم من الشطط و الإسراف سنتغاضى عن البعض ونقول لا بأس في ولوج المرأة لسوق العمل وقيامها بكل المهام التي ظلت إلى وقت قريب  حكرا على الرجل و ذلك من أجل أن تثبت أنها ليست دون الرجل من الناحية الفسيولوجية على الأقل!، وحتى تجد بعضُ المعاذير القليلَ من التبرير، مثلاً، أن المرأة نصف المجتمع وأن مجتمعا مشلول النصف لا يرجى له تقدم، هذا صحيح، و أن المرأة بحاجة إلى تأمين مستقبلها المادي حتى تتمكن من إعالة أطفالها في حالة الطلاق، وهذا أيضا صحيح، لكننا في المقابل ندعو المرأة ودعاةَ هذا النمط من الوعي إلى معرفة وفهم شيء مهم وهو أن عمل المرأة في البيت خدمةٌ للمجتمع وأنه عمل لا يقل أهمية عن عمل الرجل خارج البيت. الشيء الذي يغفل عنه البعض عن قصد أو عن غير قصد هو أن الأسرة الخلية الأولى للمجتمع تتكون من رجل وامرأة وأطفال وأن الرجل والمرأة يتقاسمان الأدوار في الأسرة خدمة للمجتمع، فالرجل يعمل خارج البيت لأنه مؤهل فسيولوجيا لذلك أكثر من المرأة، والمرأة تعمل داخل البيت لأنها مهيأة لذلك ابيولوجيا و عاطفيا،،، والرجل والمرأة في عملهما يربيان الأطفال، والأطفال هم المجتمع، فلو تصورنا كل أسرة تقاسمَ رُكناها الأساسيان الأدوارَ الطبيعية لهما وقاما كلٌّ بما عليه لصلح المجتمع بأسره أو كاد،! فليس المجتمع إلا مجموعة أسر، وإذا افترضنا أن المرأة يَفرضُ عليها العصر العمل خارج البيت فإن عمل المرأة ومزاولتها لمختلف أنواع النشاط لا ينبغي أن يجعلها تتملص نهائيا من واجباتها المنزلية التي لا يمكن لغيرها القيام بها، فإن هذا العمل إنْ جعلها تتملص من تلك الواجبات فإن ضرره على المجتمع سيكون أكثر من نفعه، ذلك لأن الواجبات المنزلية بما فيها من إعداد وتربية للأطفال وتوفير لراحة الرجل المعيل من آكد المهمات وأوجبها وأكثرها نفعا للمجتمع، فإذا ما قامت المرأة بتربية أطفالها وإعدادهم للحياة الإعداد الأكمل فإنها بذلك تخدم المجتمع أكثر من خدمتها له وهي في مكتب في البر أو في البحر أو في الجو، لأن أطفالها جزء من المجتمع وبصلاحهم يصلح المجتمع وبفسادهم يفسد برا وبحرا وجوا،! تصوروا أن كل امرأة تفرغت لتربية أطفالها وإعدادهم في مرحلة ما قبل المدرسة إعدادا جيدا وهي المرحلة التي يجمع المربون أن الطفل تتحددُ ملامح شخصيته المستقبلية منها، هل سنكون بحاجة لرياض أطفال، هل سنخشى على أطفالنا من ضياع مرحلة مهمة من حياتهم يترتب عليها مستقبلهم بأسره،؟ وإذا قلنا إن الحاضنة و رياض الأطفال تكفي عن دور الأم فإننا نكون قد تجنينا عل حضن الأم ودفئها وإخلاصها وما هي قادرة وحدها على بلوغه من خصوصيات بناتها وأبنائها، وعلى فتحه من مغاليقهم المستعصية على غيرها، فهل يمكن لحاضنة أو أب أن يبلغ ذلك، وهل لشكاوي الأطفال قلب استقبال غير قلب الأم وهل للمستها القطنية ورنين صوتها الحنون عوض!؟ ثم إن نمط التربية المطلوبة يختلف من بيئة إلى بيئة حسب القيم والثقافة و الدين، فقد تلعب الرياض دور الأم في مجتمعات، ويستحيل لعبها لذلك الدور في مجتمعات أخرى، نُضيف إلى ذلك شيئا آخر وهو أن لأسرة من أدوات نقل ثقافة المجتمع ( القيم، الأخلاق، العادات، الدين، التراث،،،) من جيل إلى جيل، فإذا ما تصورنا أسرة أوكلت تربية أطفالها لذلك المثلث الأجنبي (الحاضنة والتلفاز والنت) بسبب انشغال الأم مع الأب في العمل عن الأبناء واكتفائهما بتوفير مستلزمات الجسد،! فإنه علينا أيضا أن نتصور حجم الانبتات الذي سيعيشه هذا المجتمع، وما سيترتب على ذلك من تنافر يصل في بعض الأحيان إلى استحالة التعايش الأمر الذي بدأنا نعيش ارهاصاته في انحطاط تربية الأجيال وغربة تفكيرها وقيمها، وتمردها على كل ماله علاقة بالمجتمع، وأخذها لنجوم الكرة وأفلام "الآكشن" نماذج لا تقبل الطعن،،، إلى غير ذلك من الاغتراب المهلك، وللتأكد أكثر من ذلك فما علينا إلا أن نقوم بدراسة على عينتين من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، العينة الأولى أطفال عاشوا هذه المرحلة في حضن الأم وتحت رعايتها، والعينة الثانية أطفال حُرِموا حضن الأم ورعايتها في هذه المرحلة، وسنتكئ على خصائص النمو الاجتماعي والانفعالي والعقلي ودور الأم  كأساس لكل بناءات النمو الداخلية المشار إليها للطفل في هذه المرحلة وذلك لإعداد بيانات استمارة الاستبيان، لا شك سنلاحظ الفرق الكبير بين العينتين في مستوى التحصيل ومستوى الأخلاق ومستوى الارتباط بثقافة المجتمع ومستوى التمازج به، كما سنلاحظ مستوى السرعة التي نسير بها نحو المجهول بسبب سياسة البيت الفارغ!!

خلاصة القول، جميل هو وعي المرأة، لكنه جميل أكثر إذا انطلق من خصوصيةٍ وأساس، والأجمل من ذلك أن تمتلك المرأة الشجاعة وتعترف بالزاوية التي ستكون منها خدمتها للمجتمع جُلَّى، لا أتكلم عن المرأة من منظرو اجتماعي تقليدي، بل أتكلم عن المرأة من منظور تربوي بحت، تلك الأم المَدْرَسَة التي بغريزتها الرحيمة الحانية على أطفالها تتغلب على عناد صلافة الرجل و قساوته مُقَدِّمَةً بتلك الغريزة خدمة للمجتمع من حيث لا تشعر مجسدة فكرة "اليد الخفية" للفيلسوف الاسكتلاندي أدم اسميث والتي تُعبِّرُ عن إيمانه بنظام طبيعي يجعل الأفراد بسعيهم لتحقيق مصالحهم الخاصة يحققون من حيث لا يشعرون المصلحة العامة.

11. سبتمبر 2017 - 9:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا