في "الكاب" عاصمة دولة جنوب إفريقيا افتُتح منذ أيام قليلة أكبرُ متحف للفنون الإفريقية المعاصرة في العالم ضم أجنحته و استوعبت ردهاتُه و اتسعت مغاراتُه لأعمال آلاف الفنانين الأفارقة. و يقع المتحف بداخل بناية شاهقة و متسعة الأرجاء بطراز معماري راقي فريد يحمل الطابع الإفريقي، و ناطقٌ بالحداثة بأجل ألونها في الوقت الذي يرزحُ فيه متحفنا تحت وطأة الإهمال و التقادم و سقف المعمار الشيوعي الكوري من السبعينات،
لا يزوره من المواطنين إلا ذوو الفضول الشاذ و الأجانب المتعطشين على معرفة بعض أوجه تاريخ البلد و اكتشاف ملامحه الحضارية ليذهبوا منه و قد اعترتهم غُصة في الحلوق و خنقتهم مرارة في النفوس زادت من جهلهم أكثر بالبلد و أهله... حقيقة مرة لكنها دامغة و بارزة للعيان.
و في غينيا الاستوائية تشهد العاصمة "مالابو" تحولا جذريا حيث تمتد الطرق المتقاطعة عبر القناطر و الأنفاق و ترتفع العمارات الشاهقة و تنتشر الصناعة التحويلية و ينشط الشعب في كل المجالات و على كافة الأصعدة و في شتى المجالات و كافة المستويات، و تعاني عاصمة البلد نواكشوط من ضعف البنى التحتية و قلة النشاط و تكاسل المواطنين و غياب المبادرات الرسمية و الخصوصية من رجال الأعمال الذين يكدسون الأموال السهلة و لا يؤسسون بأي وجه أو حال لاقتصاد يشغل اليد العاملة الوطنية و يسعى إلى تكوينها...
السياسة بثوب الخصاصة
عجبا لبلد تقوم فيه السياسة على المصالح الفردية و القبلية و لا حيز في معتركها لـ"قِدْر" الوطن الذي يغلي بقوة بركاني التحول الاجتماعي القاصر و التخلف الاقتصادي على إيقاع فساد ظهر بعيد ميلاد الدولة و على وشك الفوران. أحزاب بعدد القبائل و الإثنيات و الشرائح و الأيديولوجيات المفصولة عن لبها و مقاصدها تتصارع بمخالب حادة و خطابات كأنما وجدت للاصطياد في مياه السياسوية الراكدة على عفن؛ أحزاب رأت النور بجرة قلم أو صوت قبلي مبحوح أو سلطوي يمده قدر النفاق اللحوح إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا لعادة التناوب التي ابتدعوها على قهر البلد بعقلية "السيبة" و توافقات شياطينها؛ أحزاب مهما انقسمت بين أغلبية تُولد من رحم التزلف و تقبيل الأيادي القابضة من دون خطاب أو برامج أو التحام بالجماهير، و بين معارضة تعانق أمراض القلوب فتعمى أن ترى ضياع المصلحة العامة في سوء تقديرها للواقع و ضعف وسائل التغيير لديها أو غيابها على الأصح، تَخذل المواطن و تعرقل سير البلد إلى بناء الدولة القادرة على البقاء.
هواجس الخواص لا هواجس الوطن
عجيب أمر المثقفين و المتعلمين و السياسيين في هذه البلاد، لا يقرؤون ما يكتب و ينشر في إعلامهم الملتزم و إن فعلوا فلغير الكتاب الموريتانيين من المجتهدين المهتمين بشؤون البلد و قضاياه الكبرى. و لا ينصتون لصوت الضمائر الحية و إن فعلوا فلأصوت النشاز و التغريدات و التدوينات العجاف. يسترسلون في نقاش قشور الأخبار و دنيء الأسرار عبورا بأجنحة السفسطة فوق الأهم، فلا تسمعهم يتبادلون الرأي حول غياب المنتج الوطني أو ارتفاع الأسعار أو الجريمة المنتشرة على نطاق واسع أو أزمة التعليم أو ضعف شبكتي الطاقة الكهربائية و المائية أو سيئ أداء الإدارة رغم تضخم أعداد العمال فيها بالوساطة المجحفة على خلفية السياسوية المضمخة بالقبلية و الاثنية و الشرائحية المبتدعة. و لا يرى كذلك هؤلاء المثقفون و المتعلمون يشجعون حركة أدبية أو فنية أو فكرية أو سياسية ناضجة تستشرف آفاق مستقبل واعد، و إنما يشاهدون غارقين إلى الودجين في متابعات "غرضية" سقيمة لأبعد الأمور هن هموم المواطن الملحة و البلد المستعجلة كالحديث المسهب هذه الأيام عن الأموال التي قدم ولد بوعماتو الرجل الأعمال الثري و المعارض الذي خرج إلى المهجر لبعض الناس ربطتهم و إياه علاقات تتراوح بين التحتية و الفوقية، و الاجتماعية و في القالب السياسي الأعم.
ضعف حركة المواطن ظلم من طراز آخر
ضعيفة بالمشاهدة هي في هذه الفترة حركةُ مرور المواطنين بين المدن عواصم الولايات على الرغم من الجودة النسبية التي طرأت على أغلب الشبكة الطرقية. و يرجئ الكثيرون سبب ذلك إلى الركود الاقتصادي الذي تعاني منه فئتا الطبقة المتوسطة و قد تقلص عددها و ضعف نموها و طبقة المستضعفين التي تتخبط في مشاكل لا حصر لها تبدأ بالقوت اليومي و تنتهي بتمدرس الأولاد المتعثر فوق تعثر التدريس نفسه في ذات الوقت التي تنعم فيه قلة متخمة بالمال العام و الخاص السهل على خلفية كل الإختالات البنيوية للمجتمع؛ قلة تُعلم أبناءها في أرقى المدارس و بمناج تربوية خارجية خالقة بذلك "بورجوازية تعليمية" آثمة تُوَرِّث الوظائفَ و القيادةَ السياسية و العسكرية لأبنائها دون سواهم. فهل يستوي الأمر بذالك؟ و هل يضمنُ استقرار البلد و بناءه على أسس العدل الغائب و الديمقراطية المشتهاة؟