هل خسر النظام معركة الإعلام، وما السبب ؟ / سعدبوه ولد الشيخ محمد

يتعرض النظام الموريتاني خلال الأسابيع الأخيرة لموجة من النقد اللاذع، وسيل جارف من المقالات، والتدوينات، والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تبدو منسقة في طريقتها، موحدة في هدفها، وهو إحراج النظام، وتشويه صورته، وخلق المشاكل أمامه، وفي المقابل يسود صمت القبور معسكر الأغلبية، وأنصار النظام، باستثناء جهود من بعض المدونين – على قلتها- مقارنة بالطرف الآخر.

والغريب في الأمر أن بعضا من كبار مسؤولي نظام ولد عبد العزيز يمتلكون مهارات خارقة في الكتابة، والإقناع، بل إن بعضهم تقلد منصب أمين عام وزارة حاليا بسبب مقالاته، وهو بالمناسبة لا يكف عن التدوين، يدون لليوم عشرات التدوينات، لكنها تنصب حول الفلسفة، والفكر، ونشر صور "سيلفي" والتعليق عليها، أما الدفاع عن النظام، والذود عن حياضه، فيبدو أنه انتهى مع انتهاء البطالة بالتعيين أمينا عاما، والجميع يلقبه بأمين عام المقالات !!.

هذه الظاهرة يفسرها المراقبون بنمط من النفاق السياسي، والانتهازية المقيتة، تجعل الشخص يـُشهر سلاح الكتابة، والدفاع عن النظام من أجل مصلحة محددة، فإذا حصل عليها (التعيين) كف عن الدفاع عن النظام، لتحقيق الهدف، وإذا يئس من الحصول عليها، كفر بالنظام، وانقلب عليه، وتحول إلى واعظ يوزع النصائح، ومـُنظر يقدم الدروس في التاريخ وعلم الاجتماع، بل مـُنجم يقرأ الطالع، ويتوقع الويل والثبور لهذا البلد، وشعبه، وكل ذلك بسبب سياسة نظام كان وزيرا فيه، وجاهد ما وسعه الجهاد للعودة إلى صفوفه (البكاي ولد عبد المالك نموذجا).

لا يمكن هنا أن نلقي المسؤولية على أنصار النظام فقط في عدم التصدي للهجوم الإعلامي على النظام، بل إن هذا النظام نفسه يتحمل جزء مهما من المسؤولية عن ما آلت إليه الأمور، وعن "التمكين الإعلامي" للمعارضة، وذلك بسبب فشل السياسة الإعلامية للنظام، فالكفاءات الإعلامية التي تمتلك القدرة على الكتابة، والطرح، والمناظرة، والإقناع كلها إما هاجرت إلى الصف المعارض، بسبب التهميش، والإقصاء، وما بقي منها متشبثا بالنظام لا يجد من يقدر جهوده، ولا يعيرها اهتماما، وكأن دعمه بالنسبة للنظام تحصيل حاصل، والأخطر من كل ذلك عدم إدراك النظام لأهمية معركة الإعلام، والصراع على الكلمة، والفكرة، والواقع أن هذه هي المعركة الحقيقية اليوم في كل بلد، فأي نظام ينتصر فيها لا حاجة له في أيام تشاورية في قصر المؤتمرات، وهو في غنى عن زيارات متعبة للداخل، كما أن من يخسر هذه المعركة لن تنفعه أية أساليب أخرى للظفر بدعم الشعب، ذلك أن القلوب إذا امتلأت معارضة للنظام، وتكرست الصورة النمطية السلبية عنه في أذهان الشعب – بغض النظر عن صدقها من عدمه- فقد هيبته، وسنده الشعبي، وبدأت المشاكل تطارده، وتهاجمه من كل جانب، لأنه – حينها- بات مثل الجسم المريض الذي فقد مناعته، فهو عــُرضة للانهيار أمام أي مؤثر خارجي، فحتى لو كان النظام "مثاليا" في كل شيء، فهو بحاجة لمن يشرح تلك الإنجازات للشعب، ويـُفهمه أبعادها، تماما كما يشرح له خطر أفكار المعارضة، وتهافتها، وتناقضها مع مصالح الشعب العليا، الدعاية لا بد منها، فحتى الأنظمة الأكثر ديمقراطية في العالم، والتي تقود أكثر البلدان رفاهية واستقرارا تنفق معظم وقتها، وميزانياتها للحديث في الإعلام، وتركز على أداة الكلمة، والصورة، والفكرة، ذلك لأنها إذا تركت مكانها في الساحة فستملؤه المعارضة.

إن على النظام – إذا أراد تدارك ما يمكن تداركه- أن يعيد النظر في سياسته الإعلامية، عبر انتداب متحدثين مقنعين للناس، وليسوا "مــستهلكين" – بفتح اللام، وكسرها- والتركيز على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت، التي هي في جيب، ويد كل مواطن، سواء الفقير، والغني، والرجل، والمرءة، والكبير، والصغير، والمتعلم، والأمي، والمقيم في الخارج، أو في الوطن... الجميع لديهم هواتف، ولا يعجزهم دفع 100 أوقية يوميا، ليقرؤوا ما تكتبه المعارضة، وما تروجه ضد النظام، ويتفاعلوا معه، كما أن على النظام الكف عن سياسة تجاهل الإعلام وما يــُنشر فيه، وتركه للنسيان، فتلك سياسة قديمة، وعقلية بائدة لم تعد تجدي في عالم اليوم، فالشائعة اليوم باتت يطلقها مراهق مغمور مقيم في "الكزرة" أو معارض مـُترف يقيم في فندق خمسة نجوم في الخارج، فيتفاعل معها الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتصل إلى عشرات الآلاف من المواطنين خلال ساعات، ثم تأخذها مواقع الإنترنت لتسلط عليها الضوء، وبعد أيام قليلة تصبح "قضية رأي عام" أرأيتم كيف أن تجاهلها لم يعد مفيدا، بل الأنسب هو مواجهتها، لدحضها، أو تحويلها سلاحا ضد أصحبها، أو أقله احتواء تأثيرها السلبي على النظام.

هذه هي الحقيقة، ومن يدعي غيرها إنما يتبع سياسة النعامة، وعلى كـُتاب النظام الموهوبين أن يظهروا شطارتهم، أو على الرئيس أن يقوم بإقالتهم من مناصبهم، لأنهم في هذه الحالة سيعودون حتما للدفاع عن النظام- أو بالأحرى الدفاع عن مصالحهم- طمعا في إعادة التعيين، وعلى كل حال فاستمرار الحال على ما هو عليه، مـُنذر بالأسوأ، وقريبا تفرض المعارضة سيطرتها المطلقة، وتعلن حسم معركة الإعلام لصالحها، وبعدها ثقوا أن الأمور ستخرج من يد النظام حتما، وحينها لن ينفع أي تحرك، فقد فات الأوان.

25. سبتمبر 2017 - 15:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا