صديقي الكهربائي أرنست سنگور زيادة على مهنته هو أيضا راهب كاتوليكي تربى في صومعة الرهبان وأدى قسم الفقر إلى الله وعفة الجوارح وطاعة السادة، المعمول به في أدبياتهم الكنسية.
جرد لي حساب اللوازم في عمل بيني وبينه اليوم ونسي حساب عرق جبينه، فطلبت منه أن يحدده دون كتابته في وثيقة ريثما ينتهي من عمله، فاقترح علي أن أضيف له ثلاثين في المئة على فاتورة اللوازم أو أن أحدد ماشئت لأني من أتباع محمد ممن يؤمنون بالرب.
فأجبته إن كلامه جميل ومنصف لأن الإسلام لايعني الإيمان بالضرورة، لكني سأثق به تماما كما وثق محمد صلى الله عليه وسلم -نبيي- بالنجاشي قبل البعثة فأرسل إليه أصحابه في الهجرة الأولى، فاغرورقت عيناه غبطة لتلك اللمحة، وجادت اللتاي مثله.
أنا وأرنست جمعتنا الدنيا وفرقتنا الآخرة. أنا أظنه ضالا وهو يظنني غير محظوظ، أنا لأني أعتقده اتبع الإنجيل المحرف للحواريين الأربع: ماتيي وجان وإنجيلاهما، إضافة إلى رسائل ابيير وفيليب وسيمونه الكنعاني. وهو يظنني جزءا لا يتجزء من الإنسانية التي تستحق التبشير.
لعلنا كلينا في جنوب الكرة الأرضية بعقيدتينا التوحيديتين وديانتينا السماويتين؛ نحاكي ما حاكه الدهر بين إخوتنا في العقيدة بشكل متطور. فنحن أتم نظرا لأننا متأخرون.
نشترك في قيم كثيرة ونختلف في أخرى، نرانا في نهاية العالم مرغمين على التعايش؛ لكل منا صلواته ودعواته ونطمع في رب واحد وندعي أننا لانشرك به شيئا.
طرقاتنا وطعامنا وأحوال دهرنا وألسنتنا تفرقنا لكن ثمة مشتركات أعمق تجمعنا، أهمها الدم والروح والإنسانية.
أحيانا أتساءل كيف لشمال الكرة الأرضية ذي الهوية المسيحية أن يتقدم على حساب جنوبها المسلم؟
وكيف لشعار مثل شعار الأديان وحوار الحضارات أن يظل حكرا على المشائخ والأحبار والحكومات؟
لماذا حين تجور بلداننا علينا نستنجد ببلدانهم فتوفر لنا المأوى وتجيرنا من جور ذوي القربى؟
كيف لمئات الآلاف بل الملايين منا أن يلجأوا للندن وباريس وواشنطن وبرلين وهلسينكي، يأكلون طعامهم ويتزوجون نساءهم ويمشون في أسواقهم ويستنشقون روح أزهارهم ونحن صم بكم عمي عما يدور فينا وبنا؟ ولا لاجئ منهم إلينا.
أنا وأرنست قررنا أن نعيش معا ونتبادل المنافع تماما كما كان الأوائل في المدينة المنورة وبيت لحم والقدس.
لكننا بحاجة إلى تجيير الفتاوي والتوصيات، نخشى نفس الرب ونتجنب نفس الكبائر ونتحاشى نفس المبيقات ونفس النار ونرغب في نفس الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض. ونستقي من قرآني وصحاح حديثي وإنجيله هو وتوصياته العشر نفس المدد ونفس العدة، ونستعيذ من نفس الشيطان، لي إبليسي وله بنزبلته.
لن نستسلم لمنغصات الشيطان ولا للصور التذكارية لحوار الأديان ولا للصور المريعة للدهس والقصف والتفخيخ والتسييس التي تتراآى هنا وهناك ملتثمة بروح القدس تجوزا.
حين تكون الحياة هدفا ومقاصد الشريعة منهاجا وطعم الاستخلاف حاضرا فلا مكان للعنف اللفظي ولا البدني على الأرض باسم السماء.
أنا وأرنست مثالان بسيطان حيان على لحظات تتكرر يوميا في دمشق والاسكندرية وبيروت وبرشلونه وبيكين ودلهي وباماكو تستحق أن نتأملها كثيرا كثيرا بشكل أكثر شعبية وتواضعا.