ها قد تفرق مداد كلمات النشيد الوطني بين أنامل الشعراء و طفقت كلماته تحمل شتى الأحاسيس: مبهمها و مستنيرها في متنوع و مختلف التراكيب اللفظية و إن في وحدة البحر ليشدو بها الوطن في حلة جديدة راميا وراءه جزء من ميلاده بلدا موحدا مستقلا رايته معلومة خفاقة بخضرة و صفرة يبتسم لهما السماء و يعانق، و نشيده متماسك شعريا تُسمعه لغة ثرية ندية أخاذة بشهادة الغير و تحمل كل تعريف بالبلد.
و إذ لا يشكو النشيد الجديد إلا صفر التراكم و انطفاء جوهره، فإن النشيد القديم لا يشكو هو كذلك إلا من بُعد قياس الحاضر.. و قد تسللت السياسة بين الماضي التراكمي الذي هو الأساس و المنطلق و بين الحاضر المتحرك بسرعة العصر على إيقاع المستقبل؛ الساسة التي لم تتحرر بعد من قيود الماضي السلبية و لم تأخذ بأسباب التماهي مع مقومات الحداثة و نبل مضامينها و مراميها، لتقيد النوايا عن حسنها و تقلب آيات المطالب الوطنية بخلفية التفاهم على مناطق التغيير الناطقة و محاور التحول المتوازن المنشود.
مر الواقع... قيد التقليد و طوق المحاكاة؟
إن غياب الطابع الموريتاني في شتى الفنون و الصناعات و المعمار أمر لا تخطئه عين، و إن ما ندعيه من الأسبقية في علوم الدين ينكره اتباع مرجعية الآخرين و اعتماد أمهات كتبهم و محاكاة نهجهم.
و على نطاق شامل تبقى المحاكاة و التقليد و اختزال الخطى، إلى كل مستسهل هين و رخيص قريب، منتهى المُتَّبَع الذي لم يبرع أهله يوما في حرفة أو معمار أو تصنيع أو نسج أو ري أو أي فن آخر سوى أن يحاكوا للضرورة القصوى في أقله و في أضيق حيز و أقل حرفة أو مهارة.
و الدليل على هذا الواقع الشاذ أن هذا البلد منذ كان بفضاءاتها المعروفة بالنزعة "السائبة" تقريبا إلا من التعقل الذي يحفظ أقل قدر من التعايش و نزره القليل الوجوبي من التفاهم و التبادل، فإن البقاء فيه ظل رهينَ التقليد تدعمه بعض معالم أسبابه قائمة لتصارع الزمن الذي يمنحها تجاوزا معه إلى كل مرحلة بعد الأخرى.. و إن هذه المحاكاة التي أصبحت عضوية بأقل العطاء و أرخصه وجدت ضالتها في:
· تقليد الموضة الهابطة،
· و مجاراة الإعلام الرخيص،
· و محاكاة الصالونات المبتذلة،
· و مسايرة الأدب البهلواني،
· و تقمس السياسة الحربائية التي تمتهن الضمير و تكبل الوطن..
و الجميع يقلد.. بأقل جهد في سعي محموم على كف الهوان إلى سهل النتيجة.