المضحكات المبكيات في مصر كثيرة،على حد تعبير شيخ الشعراء المتنبي قدس الله سره وكم ذا مصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكــــــــــــــا وكثير لجوء أهل مصر إلى الضحك والمضحكات إذا ما استبدت بهم أزم الدهر وطغيان الفراعنة،وانحباس النيل.
،واشتدت الفاقة،ذلك أن للضحك عند كثير من شعوبنا العربية معنى آخر،جار مجرى البكاء في عويله وأنينه وفي أسبابه وعلاته.
ومن النكت المذكورة المتداولة عند المصريين اليوم أن الرئيس الدهري محمد حسني مبارك سأل كبير وزرائه ذات مرة ’’أأنا أفضل أم عبد الناصر..فيجيب الذي ما قال لاقط ..أنت قطعا فعبد الناصر كان يخشى السوفييت وأنت لاتخشاهم ولاترهبهم،ثم أعاد السؤال ..أأنا أفضل أم أنور السادات ويجيب الوزير أنت أفضل ياسيدي ..فقد كان السادات يخاف الأمريكان واليهود وأنت لاتخافهم..فيعتدل الرئيس في مجلسه ثم يسأل ..أأنا أفضل أم عمر بن الخطاب ..ويجيب الوزير اللقن أنت يا سيدي أفضل ..فعمر كان يخاف الله،وأنت لاتخافه’’
هنا تنتهي النكتة الطريفة’’ عند إجابة قارصة تستحضر نفسها في كل موقف من مواقف النظام المصري المعمر من القضية الفلسطينية ،وتستحضر نفسها اليوم أكثر والنظام المصري المحتضر يخنق بكلتي يديه شعب غزة الأبية،ويمنع على سكانها حق الفرار من الموت،بعد أن منع عنهم واجب المساعدة على الحياة.
تطرح الإجابة الأخيرة نفسها بقوة ..ذلك أن قلوب البشر في الغالب تخف إلى الخوف من الله،تستحضره في كل الأمور ...أم القلوب الفولاذية فلها شأن آخر ..حيث لاتخاف الله ..ولا الناس ..ولا التاريخ.
يتجدد التساؤل دائما لمصلحة من يعمل النظام المصري بكل قواه الخارقة للعادة والدين والعرض والتاريخ على قتل الشعب الفلسطيني المجاهد،وخنق أرواح الصامدين في غزة،ولمصلحة من يمنع نظام أبي جمال حليب الأطفال وغذاء العجائز والشيوخ والأيتام،لمصلحة من يصر النظام المباركي، على هدم أنفاق الحياة التي يتنفس منها القطاع الصامد ليبني على أنقاضها أنفاقا خاصة للعمالة للعدو الصهيوني.
ولمصلحة من يخوض النظام المصري حربه ضد الشرعية والحرية،ضد شعب فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية حماس،ضد مليون ونصف من الأبرياء الذين تربطهم بمصر علاقات الدين،والتاريخ المشترك والمستقبل المشترك.
يكبر التساؤل..كما تكبر جريمة الحصار الآثم الذي يفرضه نظام آل مبارك على شعب غزة،ويفرض سؤال المصلحة نفسه وحده،مقصيا أسئلة الدين والعروبة والشهامة ..إلى أجل غير مسمى..
حتى المصلحة الفردية للنظام المتهالك في مصر لاتكفي مبررا لقتل مئات الآلاف من الأطفال بالجوع ...حتى لو كانت غزة ...مدينة من الأفاعي أو الحيوانات ..أليس مجرما في كل شرائع السماء وقوانين الأرض وأعراف البشر من يفرض على الناس الموت جوعا.
الزمن المصري الحالي زمن مليئ بالتغضنات السيئة،مثل وجه النظام المصري،لم تعد فيه مساحة للتكدير على الساكنة والمسافرين فيه،مثلما امتلأ جبين النظام المصري فلم تعد فيه مساحة لأي وصمة عار جديدة،وإنما تتراكم غارات العار على ذلك الوجه الشائخ،لتغطي ملامح وجه فتي كان ينبغي لمصر العظيمة أن تظهر به،لكن زمن الطغيان والخذلان المباركي غطاه،بآلاف الأسوار الفولاذية.
الزمن المصري اليوم يعيش بين جدارين ..وبين مفهومين للكرامة ...جدار برليف الذي حطمه الأباة من أبناء مصر العربية المسلمة ..عندما ميزوا ذات مرة بين عدوهم وصديقهم ..وعندما دخلوا تحت راية ,, الله أكبر ’’ وفهموا معاني رمضان فحققوا الانتصار الجزئي في معركة الكرامة ..على مقدار الفهم الجزئي حينئذ للكرامة وعلى مقدار مساحة الشعار المرفوع.
أما الجدار الثاني فهو جدار الفولاذ الذي تنصبه دولة الباشا مبارك حصارا على الشعب المحاصر أصلا وحربا ضد أنفاق كانت الوسيلة الوحيدة لتهريب حليب الأطفال وزيت الطعام ..وخنشات الدقيق.
أما الكرامة الثانية ..فهي تلك المدورة المتغيرة التي أثارت ثائرة مصر العربية في حرب الكرة ..تلك الكرامة التي ثار من أجلها مبارك وأبناؤه،وهددت مصر فيها بالدفاع عنها،ملوحة بأن ’’جيشها قادر على حماية الكرامة والدفاع عنها’’
يعتذر الزمن المصري اليوم ..بجدار الفولاذ عن تحطيم جدار برليف .وتنسخ الكرامة الكروية لأرض الكنانة تاريخ معركة الكرامة.
شيخنا الفاضل جورج غالاوي وفقه الله لكل خير رجل طيب ..يحمل بين جوانجه قلبا خفاقا بالإنسانية مؤمنا بحق البشر في الحياة ..يتألم لآلام الإنسان ..لكن مشكلة غالاوي ...الوحيدة ..أنه يحمل قلبا من لحم ودم...قلب بشر...ويظن القلوب العربية الحاكمة من نفس العجينة ..والحق أنها من فولاذ.
يفهم شيخنا غالاوي الكرامة على أنها نجدة المنكوب والدفاع عن المظلوم،ورعاية الرحم الإنسانية ..ويعتقد أن الكراسي الحاكمة في العالم العربية تشاطره نفس الفهم والاعتقاد.
من أجل ذلك يناشد غالاوي ضمير الرئيس المصري مبارك ...بنداء يخترق الحجارة ..ويذيب القلوب ..يذكره بالله ..بالوطن ...بالعرق والتاريخ ..بالمشترك الإنساني ..وينسى الشيخ غالاوي ...أن الجدار الفولاذي يستمد قوته من قلوب الفولاذ التي يحملها قادة نظام مبارك.
يحمل غالاوي ’’قليلا من الحياة لكثير من الموت’’ ويريد أن يحقن شرايين الحياة بدفقات من العون الإنساني والكرامة والتضحية ..ناسيا – وفقه الله- أن شرايين الحياة لاتمتد في قلوب الفولاذ.
مبكيات مصر كثيرة ..وزمنها اليوم زمن خالص للبكاء ..شريط من الذل والعار...
أما على الضفة الأخرى ..بين جدار الحصار الصهيوني وجدار الفولاذ المصري ...تسقي الدماء شرايين الأرض فينبت الرجال ..تتهدل أغصان الكرامة المجنحة ...هنالك في غزة ..يمتد تاريخ من الألم النبيل ..فلهؤلاء أن يحتفلوا بذكرى انتصارهم في حرب الفرقان ولهم أن يتيهوا بشهدائهم جرحاهم وقيادتهم ..أماهنالك في مصرحيث يمتد سور من الألم المخجل والعار المبكي .فلا داعي لغير البكاء ...ولا صوت إلا صوت الباكين ...وإن حملت الوجوه بعض ملامح البشر تارة ...أو تعالت ضحكات مختلفة ...ويصدق المتنبي كل حين
وكم ذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكــــــــــــــــا