نجح التعليم التقليدي (المحظري) في موريتانيا حتى أبهر العالم فتقدمنا حتى صرنا معشر الشناقطة أســـاتذة وغيرنا طـلابا يستمعون كأن على رؤوسهم الطير.
فكان إذا تكلم الشنقيطي أنصت الجمع لشدة الاحترام و التقدير و لا تزال محاظرنا إلى اليوم في أعماق موريتانيا مملــــوءة بالطلاب من شتى دول العالم, و فشل التعليم النظامي حتى تذيلنا العالم بأسره فها نحن طــــلابا و غيرنا أســـاتذة في جميـع جاراتنا من الدول و حتى الصين. فـلـماذا؟
هكذا تساءل الجميع بعد ما تذيلت موريتانيا قائمة الدول تعليميا صباح الافتتاح الدراسي و الجامعي و بعد خطابين لوزيرين حملا الكثير من الإصلاحات الكبرى و النقلة النوعية و تحسين الجودة و غير ذلك.
أما أنا فلم أتساءل و لم استغرب لأن ما حصل هو ما كنت أنتظره تبعا لسنة من سنن الله و قوانينه الثابتة, فالتعليم المحظري وليد حقيقتنا و ظروفنا طبعته أيادينا بمعاييرنا الخاصة فشكل منظومة وطنية تقليدية موريتانية صالحة أبهـــــرت الكون و كانت بذلك لا تحتاج إلى تسيير خارجي بل سيرت نفسها ذاتيا بطريقة أوتوماتيكية بلا وزير و لا مدير.
أما التعليم النظامي بشكله الحالي فهو منظومة أجنبية طبعة و طبيعة تضرنا أكثر مما تنفـع و لن تصلح لنا حـالا و لو جـئنا بمثلها مددا, فلو سيرناها بأكثر من وزارتين و ألف إدارة ما زادها إلا خسارة و فسادا, فنحن كمن ينوي زراعة الصحـاري الموريتانية بأعشاب و نباتات و أشجار فرنسا مثلا و لو جئنـــــا بمحيطات وأنهار العالم ما خرجت إلا نكدا. فلــــو أقلمنـــا تعليمنا النظامي مع حياتنــا ليتماشى مع متطلبــات سوقــنا و ثقافتــنا و خصوصياتـنا لكان كالنباتــات الصحراوية تنبت في الصحراء ذاتيـــا بــلا تـدخل و تــؤتي أكلها كل حين تماما كالمنظومة التعليمية المحـظرية.
فإصلاح التعليم كله في بناء منظومة تعليمية وطنية خاصة بموريتانيا, ذلك أن المنظومــة التعليميـة عموما هي المصنع أو القالب الذي يصنع الأوطــان و المواطنين يصبهم صبا تبعـا لهويــة الشعوب و حقائقها فهي لذلك تختلف باختلاف الشعوب وخصوصياتها مرتكزة على ثلاث ركائز:
1) المناهج التعليمية و هي الدماغ الحقيقي للمنظومة و أشد علاته أن يسيطر عليه الغير أو يتم احتواؤه أجنبيا,
2) الفضاء التعليمي و هو جسمها و مرضه في الإهمال,
3) العنصر البشري و هو جهازها العصبي و ءافته أن يصاب باللامبالاة.
و هذا ما نشاهده في منظومتنا التعليمية ليومنا هذا. فمن يـــــــغـيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــث؟
فمنظومتنا التعليمية الوطنية الخاصة بنا يجب أن توجه عقلياتنا لبناء الموريتاني المسلم المثالي المتعلم الصالح المتحضر و أن تحول معلوماتنا إلى أفكار و الأفكار إلى مشاريع و المشاريع إلى بنيــة تحتية و البنيـة التحتية إلى موريتانيا وطنــــــــا متحضرا جميلا متقدما لا متذيلا يجد فيه كل منا مكانته المناسبة حسب طاقته المعرفية لا ظالم ولا مظلوم في أعز تربـــــة نظيفة صالحة للحياة الكريمة.
لذلك يجب أن تكون هذه المنظومة بعناصرها مصونة كوثيقــة وطنيــة مقدسة محاطة بدماء شهدائنا هي الأخرى لا يلمسها لامس ولا يغيرها مغير إلا بإجماع الحكماء من الأمـــة على شكل هيــأة أو لجنــة وطنيـــة هي "اللجنة الوطنيـة للمنظومـة التعليمية" مثلا, فالمنظومة والدستور في نفس الخانة و هي أشمل منه وأهــــــــــم جازما.
بهذا فقط نحميها من التأثيرات و المؤثرات سواءا من الداخل أو الخارج حتى لا نراها تتغير بتغيير الوزير أو تتأثر بخلفيته السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو بمحيطه أو دولة عاش بها أو نراها أداة بيديه للإنتقام أو التقرب ليهدم أكثر مما يبني و يفسد أكثر مما يصلح و كأنها مما ورثه على ءابائه كابر عن كابر.
فالسياسة العامة للتعليم و المنظومة كلها يجب أن ترسم بأيادي وطنية بدون أي تدخل أجنبي تبعا للمصالح الوطنية الحيويـة العامة لا تبعا لمزاج وزير أو مستشار أجنبي فوق العادة وكامل السلطة, هو أدرى بالمسائل الأمنية و السيطرة على العقول منها بالتربية و العلوم, يتدخل في الصغيرة و الكبيرة و هو الآمر الناهي, فاستشــارة الأجــانب بهذه الطريقـــة لا تصب في مصلحة الوطن أكثر مما تصب في مصلحة بلادهم وهذا من حقهم, لا أمانع.
لكننا نحن كذلك جنــــود مجندة واقفين عنــد الحدود الثقافيـــة للبلاد نذود عنها و نحرسها من الداخل تماما كما تفعــل قواتنا المسلحة بحوزتنا الترابية و حدودنا الجغرافية "و إلا فــــــأقـــم علينــــــــا مأتمـــــــــــــا و عويــــــــــــــــــــــلا".
و أنا هنا لا أتهم أحدا في وطنيته و نواياه الصادقة, لكن هذه لوحدها لا تكفي إذا لم تواكبها إجراءات في الاتجاه الصحيـــح.
كما أنه ليس بيني و بين أخــــي و زميلي الوزيــــر أو غيره أي خلاف ولا شحناء و لكن الأخوة و الزمالة تنحصـــران في الزاوية حينما يكون الوطن في خطر؟
و أنا لا أمتنع عن المساعدات والتعاون فهو من سنة الحياة البشرية لكن بشرط أن يكون ذلك في ظل سيادتنا بدون شرط هالك أو قيد قاتل فما أحسن الإعانة بكلــمة حق و مأشــرة صدق.
فلو نجحت سياستنا العامة لقطاع التعليم و تم بناء منظومة متكاملة صالحة لتم الاكتفاء بوزارة واحدة والإستغناء عن الكثير من اللوازم والمشاريع الأجنبية الداعمة علنا للتعليم و المفسد الحقيقي وراء ذلك. "و هنا مربط الحصـــان العنيــــــد و بيت القصيــــد".
فكم من مشروع أجنبي في التعليم استجبنا له بشروطه و مستشاريه و بمبالغه الكبيرة و إغراءاته العظيمة القاتلة ليبقى ثلث تمويله للمشرفين عليه من أبنائهم والثلث الثاني في مكاتبهم للدراسة و الثلث الباقي للمقتنيات الضرورية للمشروع بشـــرط أن تكون من صناعتهم و للقائمين عليه من أبنائنا ليضيع في ذلك التعليم و العلم و المعلم و المتعلم و النظــام بأسـره و ليبقى النظام مشلولا ليزداد هما إلى همه و شللا إلى شلله بمشروع ءاخرو قيود أخرى و هكذا يظل التعليم يصعـد (بعبارتهم) إلى الهاوية بسرعة الضوء.
إذن حان الأوان إلى أن نباشر أمورنا من تعليم و غيره و أن نكتسب من الثقة ما نبني به موريتــــــانيا معتمدين على أنفسنا حتى لا نبقى كالغــريق ينتظر و يستنجد حتى يموت, فبلادنا فيها من الخيرات و الطاقات الماديــة و البشريـة ما يجعلها في غنى عن الطاقات و الخبرات الأجنبية بشروطها القاسية والعواقب الوخيمة لتلك المســاعدات المسمومة والتي بها يتـــــــم اصطيادنا تماما كما تصطاد السمكة بقطعة لحم شقيقتها السمكة حينما ترمى لها في البحر في قوس ظاهره لحم و طعــام و حقيقته شوكة حديد تحمل الموت والآلام. فهذه حقيقة لا ينكرها أحد.
فهل فرنسة التعليم كليا و شطب اللغة العربية و الثقافة الوطنية من التعليم هو مصلحة وطنية عليا؟ و لمن هذه المصلحــــة العليا؟ حتى يحرم أغلب المواطنين من طلاب التكوين المحظري, الذي هو في رأيي أنجع و أفضل من التعليم النظــــــامي الحالي ألف مرة وزيـــــادة, فحينما كان التعليم العــالي رغم ما به من فســـاد يستوعب هؤلاء ووجهــة للجميع صار حكرا للمتفرنسين و الذين في الحقيقة لا يعرفون فرنسية ولا عربية و لا لغة أخرى تائهين لا يفهم أغلبهم فهما صحيحا لما لــديه من عراقيل لغوية تحول بينه وبين ما يشتهي, فهو في كل درس تراه ينظر إليك نظر المغشي عليه من الموت لا علاقة لـه بالموضوع, و هذه فاجعة حقيقية لاخيال. ثم ماذا بعد أن وشح وزير المالية الفرنسي زميلي وزير التعليم العــــــالي جهارا نهارا أمامنا و على شاشات التلفزيون الوطنية فكم تمنينا حينها لو كان ذلك حلما أو فلما من أفلامهم في الوقت الذي نـــلون فيه رايتنا الوطنية بدماء شهدائنا الزكية ليعود الإستعمار الأخطر و الشامل في زيه الحديث من خــــــــــلال السيطرة على المناهج التعليمية و ربما على المنظومة بأسرها من خلال التوشيحات و التكريمات الكاذبة الفارغة للشخصيات المسيرة و الفاعلة في هذا القطاع دون غيره, فهي ليست إلا عار الدنيا و نار الآخرة, فليتنا تذكرنا ما فعل بمثلها كعب أبن مالك رضي الله تعالى عنه حينما رماها في النار واصفا إياها بأم المصائب, فأين نحن و هل حدث مثل هكذا توشيح في تــــــاريخ الأمم المستقلة و لو استقلالا ذاتيا, أليست موريتانيا هي الضحية؟ فأين الإصلاح إذن, ألا يحق لوطننا بلسان حاله أن يصـــــــرخ بأعلى صوته "ويلي من هؤلاء و ؤلائك و ويلي من المثقفين من أبنائي "؟
ألم تتنازل اليابان و تفاوض على كل شيء إلا على منظومتها التعليمية و هي خارجة من الحرب مهزومة ؟
أليس حكم الإعدام الصادر والمنفذ في حق كل من مدرسة ألاك المدعومة أمريكيا و مدرسة المعادن كنديا مصدر استفسار و تعجب ليس إلا وبلا سبب يقود إلى مصلحة وطنية أكبر و أكثر من مصلحة أخرى؟ ما أجملهما لو شيدتهما شركـــــــــة سوكوجيم بأيادي و معايير وطنية لا دولية (فرنسية), فلله هذا الهادم لا الباني. و لستبكي موريتانيا هذين الشهيـــدين حينما ينكشف الغبار و تعود الوزارة إلى رشدها لتجد فظاعة ما تم القيام به من قتل نواة في المهد لمشاريع مستقبلية كانت واعدة لو تم الإصلاح بغير هكذا طريقة استعجاليه و ارتجالية كأن صاحبها مجبرا لا بطلا.
و أي مصلحة في دمج الجامعتين في جامعة واحدة بعد فصلهما امتثالا لسياسة "أهل لخل" في عيشهم كما يقـول المثــــــل الشعبي "إحطوه وإردوه"و تسميتها بالعصرية ’ فالملـح للسكـــر لن ينقـــــلب إن لفـــظ سكــر عليـــه كــــتب’
فلا تزال الجامعة كما كانت ولو سميناها بالجامعة العالمية العظيمة الوحيدة في الدنيا, فهذا في الحقيقـــــة لعبة و مهزلة لا تجدي.
و هل الاصطدام بالأساتذة في زيادة العبء التدريسي بلا مشاورة ولا تمهيد و تجفيف منابع و مصادر أرزاقهم و الحيلولة دون ترقيتهم كحق من الحقوق المترتبة و حصول الوزير نفسه على الحق بلا حق هو إصلاح و كأنه يدفع بهم إلى الهجرة, فها هم خيرة أساتذتنا يهاجرون تحت ضغوط إصلاح التعليم. فكل هذا شكل عبأ كبيرا جدا على الجامعة و الوطن أفسد أكثر مما أصلح و "أنا من أهل مكة". كذلك قائمة معايير الإكتتاب الجديدة, التي أصـــدرتها الوزارة و تم بها الإكتتــاب الأخيــر أليست مهزلة من الدرجة الأولى حين تفضل النساء على الرجال و الشاب المتربص على الأستاذ المقتدر القوي و المجرب و بعض الأمورالأخرى التي هي أقرب مايكون لمسرحية من مسرحيات دريد لحام في سبعينيات القرن الماضي. فهذه فقط أمثلة من الإصلاحات الارتجالية بتشاور أجنبي كأمثلة لخطورة ما نحن بصدده من مستقبل إن لم تغاث المنظومة التعليمية بكاملها, وبعد هذا كله نتذيل العالم تعليميا, أليست هذه هي أم مصائب موريتانيا, فإلى متى و منظومتنا التعليميـــة تلعب بها لاعبات الشمال, و إلى متى لا يحق لنا أن نتطلع إلى موريتانيا دولة متعددة الجامعات و المعاهد المتخصصة و التي تخضع لمعايير وطنية, فنحن لسنا صناعة فرنسية حتى نخضع لورطة المعايير الدولية (الفرنسية), التي لا مخــــــــــــرج منها إلا بالإصلاح الجذري للمنظومة كلها, و إلى متى و الدفعات الطلابية تتجه إلى الدول الأجنبية بدلا من الجامعـــات و المدارس الوطنية في الولايات الداخلية و انواكشوط؟ هل هذا مستحيل؟ ألا يحين لنا أن نوقف تدفق البعثات الطلابيــــة إلى الخــارج ببناء منظومتنا التعليمية بناءا يتماشى و اقتصادنا و ثقافتنا و مصالحنا الحيوية بمعـــــــــاييرنا الخاصة مع بناء الجامعات و المدارس العليا المتخصصة حسب حاجيات و إمكانيات الــــوطن و نستجلب الأساتــــذة الأجانب حسب الحاجــــة حتى تتم مرتنة الوظائف كلها تماما كما فعلنا بالمرحلــة الثانويــة في نهايـة القرن الماضي حينما كنا نستجلب الأساتذة من أوطانهم؟ أليس هذا ما فعلته اليابان مما أوصلها إلى ما هي فيه اليوم؟ أم أن الأمر ليس بأيدينا؟
فإن كنا جادين في إصلاح منظومتنا التعليمية كليا و التي بإصلاحها نتغلب على المشاكل الوطنية دفعة واحدة فعلينــــــا أن نحاكي من كان حاله حالنا من دول جنوب شرق ءاسيا كماليزيا خاصة وسنغافورة و غيرهما,أليسوا اليوم من أكبر الرائدين عالميا في أنواع العلوم و التكنولوجيا باعتراف الجميع بسبب نجاحهم في إصلاح منظوماتهم التعليمية حينما باشروهـــــــــا بأنفسهم لا عن طريق الوكالة أو الإستشارات المبنية على معطيات خاطئة لا علاقة لها بمجتمعاتهم كما يفعـل بنـــا نحـــــن اليوم؟
وأخيرا و الحال أننا بحاجة إلى حـلول جذرية مبتكــرة لمشاكل التعليم تتماشى و مصلحتنا العامـــة في ظــل سيادتنــا على منظومتنا التعليمية بكاملها فإنني أقترح الخطة التالية:
تحديد فترة زمنية و لو سنة بيضاء تكون قطيعة بين النظامين وكافية لبناء المنظومة التعليمية المنشودة بناءا شامـــــلا بدءا بالدراسة و انتهاءا بالتطبيق و تعيين "اللجنة الوطنية للمنظومة التعليمية" التي ينبغي أن تتكون من رئيس عام و أربع لجان فرعية متداخلة حسب تصوري و ذلك على النحو التالي:
1) اللجنة الاقتصادية (تتكون من رئيس و نائب له و أعضاء حسب الحاجـــة),
2) اللجنة الفنية (تتكون من رئيس وثلاث نواب له وأعضاء حسب الحاجــــة),
3) اللجنة التنفيذية (تتكون من رئيس وثلاث نواب له وأعضاء حسب الحاجة),
4) اللجنة المركزية أو لجنة التنسيق (تتكون من الــرئيس العام و رؤســاء اللجان الفرعيــة الثلاثة و نــوابهم السبعة).
فاللجنة الاقتصادية مهمتها تتمثل في القيام بدراسة شاملة لرسم المسار الاقتصادي للبلد من صيد و زراعة وتنمية و تعدين و صناعة و سياحة إلى ءاخر القائمة بطريقة مفصلة وواضحة, مما يستوجب أن تكون هذه اللجنة من خيــرة الخبــراء في اقتصادنا.
أما دور اللجنة الفنية فهــو بناء المناهج التعليمية و تحديد المحتويـات اللازمة لكل برامج و مواد التدريس حسب المـراحل الدراسية تبعا للدراسة الاقتصـــادية أعلاه و لرؤية صـادقة وواعيــة للمستقبل, فالحياة في المستقبل القريب تتطلب قدرات عالية على تسييـــر الأمور نظرا للتعقيدات الإضافية من برمجة وسائل الحياة كلها حين يتم تزويد كل شيء تقريبا ببرامج معقدة للتشغيل و الصيانة أو غير ذلك ربما من تطور يستدعي مواكبته بالعلوم المناسبة (فالناس أبناء زمانهم) و ذلك لا يتم إلا باتخاذ الحلــول الإستباقية, كما أن المهن و الأعمال ستتغير لتأخذ أوجها غير التي نراها اليوم, و سيرى من يدركه ذلك ربما من التغيــــرات الجذرية في الحياة البشــــرية ما لم يتوقعـــه, لذلك يجب أن تتكون هذه اللجنة من خيـــــرة الخبـــراء المتخصصين من أهل الخبــــرة و الحنكة و النزاهة و الكفـــــاءة و التخصص لتقام لهم دورات عن "التجارب العالمية في إصلاح المناهج التعليمية".
أما اللجنة التنفيذية فهي التي ستسهر على تنفيذ هذا المشروع و متابعته بالتفصيل ممثلة في كل ولاية ومقاطعة و نقطــة من الوطن.
و أخيرا اللجنة المركزية و يتمثل دورها في التنسيق الكامل بسلاسة و الإشراف على العملية كلها و هي المســــؤولة أولا.
كما يجب تمثيل جميع المنظمات و الهيآت و النقابات التي لها بهذا ارتبــاط, خاصـــة المعلمين والأساتذة و ءاباء التلاميذ و غيرهم, و الأخذ بآراء الجميع ليحصل بنكا من المعلومات الهامة و المعطيات الفعلية, التي بعلاجها يتم بنــاء منظومتنـــــا الخاصة ببلادنا بناءا يتماشى و مصلحتنا العامة بأيــــادي و معاييـر وطنية لا دولية (فرنسية) ولا إقليمية و لا ولا....وإنما وطنية وطنية مصونة و محاطة بدماء شهدائنا الزكية الطاهرة, فكما نعلم إذا تزاحمت العقول خرج الصواب.
و خلال الدراسة يجب أن يتم التركيز على إصلاح عناصر المنظومة الثلاثة على النحو التالي:
1) المناهج التعليمية: نريدها مبنية على إصلاح العقليات لإنتاج المواطــن الموريتاني المسلم المعاصر المثالي المتعلم النظيف المستقيم و المسلح بكل ثقــافة ومعلومات نافعــة تحجبه عن الميول والدخول فيما لا يفيـــد, فهو الجندي القوي الحارس في وطنه وهو خير سفير ممثل لبلاده خارجها.
نريدها كذلك مبنية على العلوم الضرورية حسب احتياجات الوطــن المرتكزة على اقتصاده و ثقافته, فالمنـــاهج تختلف من دولة الى دولة و من مجتمع الى مجتمع باختلاف المناخ و التضاريس و الثقافة والاقتصاد و غير ذلك فلا تصلح لنا المناهج الفرنسية مثلا بنسختها الأصلية و لا المناهج التونسية أو المغربية أو غيرها, فلن تصلح مناهجنـــــــــــا إلا إذا وجهناها من الابتدائية و الثانوية توجيها يصون لنا هويتنا و يحفظ لنا مكانتنا العلمية في نفس الوقت مع حماية مصالحنا الحيويـــــــــة و يرشدنا إلى السبيل الأقوم لتحقيق التنمية والرخاء.
نريدها كذلك مرتكزة على تحفيز الابداع و التمييز و المثابرة و حسن الخلق و المنطق السليم البناء المملوء بالذوق العلمي الرفيـع مع مواجهة تحديات القرن بإضافة الضروريات العلميــة كما سبق و خلق مناخ من التنــافس الايجــابي في جو من التآخي و السلم الأهلي و احترام الأخر , فعلينا أن نقوم بهذا كله بطريقة مبتكرة لا نتبع فيها أحدا كما يتبـع الأعمــى الدليل.
2) الفضاءات التعليمية: كالمدارس والثانويات و الجامعات و الساحات المدرسية و غيرها مما يرتبط بالتعليـــــم , فكـل منهم يجب أن يكون ناطقا متكلما و مشجعا ومعلما من خلال اللوحات التعليميــة و الثقافيـــة المنتشرة على جدرانــه الداخليـــــة والخارجية محملة بالمعلومات اللازمة العلمية والثقافية من تواريخ العلماء و صورهم و الأحداث الهامة و الظواهر العلمية و القوانين و المعلومات الضرورية الأخرى حسب الفضــاء و كذلك اللوحــات التشجيعيــة بأسماء الطــلاب المتفوقيــن في المؤسسات حسب الفصول مع صورهم, كما يلزم تزويد جميع المؤسسات التعليمية بأجراس مرننة أوتوماتيكيا تبعا للتوقيت المبرمج و احترام ذلك التوقيت احتراما كليا مع السهر على نظافة الفضاء و الرقابة العامة له ولزواره.
3) العنصر البشري: يجب أن يبقى دائما في أفضــل الظروف المــادية و المعنويــة ليقوم بمهامه على أحسن وجـه و لو تحت شجرة في الفلاء و لليابان في ذلك أحسن تجربة, فقد سئل رئيس الوزراء الياباني الأسبق: كيف توصلتم إلى هذه الدرجـــة من التطور التكنولوجي و العلم؟ فأجـاب نعم لأننا أعطينا المعلم راتب الوزيــر و دبلوماسية السفيــر و قداسة الإمبـراطور, ذلك أن دور المعلم والعنصر البشري عموما هو الأساسي في إنجاح المنظومة كلها, فيجب أن يزداد راتبه بزيـادة الأسعار و يتحسن بتحسن الاحوال حتى يستقر حاله لترتقي أعماله مع مراعاة البعــد و الأقدمية وكل الحقـــوق المترتبــة الأخــرى.
هنا وهنا فقط يجد كل عنصر مكانه اللازم في النظام ليستقر متحديا بذلك جميع العوامل المؤثرة من الداخــل و الخــارج, و حينئذ يكون النظام متمــاسكا, قويــا في روابطه, سليمــا في عناصره مفيــدا لبلده ومثالا يحتذى به يحمل الروح الوطنية لا الأجنبية و لا الدولية و لو وشح الوزيــــر الوزير.
و لا بأس كذلك لو دعمنا النظــام بسنة تحضيرية فاصلة بين الابتدائيـة و الاعداديـة مبرمجة على ثلاث عنـاصر أساسيـــة وهامة من خصوصياتنا لتزويد أهلها بما يلي:
1) الخلفية الضرورية من العلوم الشرعية من الأحكام العينيـــة قبل البلوغ تبعا للمنهج المحظري و كذلك التشبث بخلق النبــي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من شجاعة و كسب حلال و بعد عن الحرام بما في ذلك أكـــــــل الأموال العمومية.
2) لغة من اللغات الوطنية لغير الناطقين بها حسب الاختيار لتعزيز الوحدة واللحمة الوطنيـة و الانفتاح و التــآخي, فكـل منـا مسلم سني مالكي المذهب, فأين المشكل؟
3) خلفية تطبيقية في الأشغال و الأعمال المحلية كالتنمية والزراعة و الصيد و التعدين حسب المنطقة حتى يتمكن من إعــانة أهله في ذلك الميدان و هو يوجههم بذلك توجيها مفيدا مرشدا و يستفيد به كتخصص أو شغل إضافي في حياته قد يوجــــه حياته إلى النجاح, فنرى اليوم من قطع دراستــه مبكرا لا يحمل خلفيــة تتيح له العمــل إلا في التجـارة نظـرا لما درس من حساب و لغة للكتابة فقط, فالمواد الأخرى نظرية بحتة بالنسبة لحياته بلا تطبيق يفيـده لتتلاشى في يومـه الأول من انقطاع دراسته فهو لا يصلح مزارعا ناجحا و لا صيادا بارعا و لا منمي محترفا و لا غير ذلك لإنعدام تلك الإضافيات الضرورية للحياة الموريتانية و هذا من فشل المناهج.
و أخيرا أتوجه إلى السيد رئيس الجمهورية!
سيدي الرئيس أناشدكم أن تباشروا الأمر و تأخذوه بأيديكم لتغيثوا المنظومة التعليمية بإصلاح شامل كما فعلتم بالمنظــــومة الأمنية و غيرها مما أحاطه الإصــلاح العــام, فبإصلاحها فقط إصــلاحا شـاملا يصـلح كل شيء و بفسادها يفسد ما صلح, فالتعليم النظامي كما تعلمــون نشـأ في بــلادنا سنة 1922 معــزولا عن المجتمـع و هو لا يزال كذلك رغــم ما مر بـه من إصـلاحات عديدة كإصلاحات 1959, 1966, 1973, 1979, 1999 و ما بعد الألفيــن خلقت كلها مشاكــل إضافيــة بـدل توفيــر الحلول الجذريـة, فلتجعلوا من إصلاحها الشامل خاتمة مسك لمأموريتكم هذه.
وفقنا الله و إياكم لما فيه صلاح الوطن و الشعب.
-------------------------------
د. عبـــــــــــد أحمـــــد عبيــــــدي
أستــــاذ محاضر في قسم الفيزياء
بكليــــة العلــــــــوم و التقنيـــــات
جـــامــعة انــــواكشوط العصــرية
[email protected]