الحراطين أو "الأرقاء السابقين" مكون أساسي من مكونات ﺍﻟﺸﻌﺐ الموريتاني ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ الصامد رغم التجهيل ﻭﺍﻹﻓﻘﺎﺭ ﻭالتهميش وﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ، إلا أن الأشقاء الحراطين زيادة علي ذالك يعانون من مخلفات الرق والعبودية المريرة، وغياب خطط حكومية ناجعة لإستأصال تلك المخلفات والقضاء عليها،
ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﻐﻮﺹ ﻓﻲ الواقع المرير لسبر أﻏﻮﺍﺭه لاضير إن ﻋﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺭﺍﺀ مستذكرين ﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎده ﻧﺨﺐ اﻟﺤﺮﺍﻃﻴﻦ الوطنيين ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﻧﺘﺰﺍﻉ ﺣﻘﻮقهم
وكانو ﻧﻮﺍﺓ له ﻗﺒﻞ ﺍﻥ ﺗﻌﺼﻒ بهم ﻋﺎﺗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﺗﺘﻘﺎﺫفهم ﺃﻣﻮﺍﺝ ﺍﻻﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻣﺤﺪﺛﺔ ﺑﺪﺍخلهم ﺣﺎلة ﻣﻦ التشرذم والأنقسام وﻋﺪﻡ ﺍﻹﺳﺘﻘﺮﺍﺭ، تمخضت عنها جماعات عنصرية تركن للولاءات الخارجية أكثر مما تهمها قضية الحراطين وتحاول بدﻋﻮﻯ محاربة الرق وﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ تأﺟﺞ نار ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻭﺗﻬﺪيد ﺍﻟﺴﻠﻢ الإﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭتفكيك ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ الموريتانية بمحاولاتها المقيتة الفصل بين شرائح الشعب الموريتاني التي كسواد العين وبياضها،
والجدير بالذكر أن مناهضة العبودية ﻋﺎﻃﻔﺔ إنسانية وموقف نبيل ﻭﻣﺤﺘﺮﻡ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ، بل تجب علي الجميع ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺑﻜﻞ ﺃﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﻭﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ، ومحاربة العبودية والأسترقاق ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺟﺪﻳﺮﺓ ﺑﺎﻹﺟﻼﻝ ﻭالتقدير وﺍﻹﻛﺒﺎﺭ، ﻟﻤﺎ ﺗﻨﻢ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ العامة ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ويجب أن تكون مسؤولية الجميع،
ﻓﻤﻦ ﺣﻖ الحرﺍﻃﻴﻦ ﺍﻟﺼﺪﻉ ﺑﻤﻄﺎﻟﺒﻬﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﻭﺗﻄﻠﻌﺎتهم ﺍﻟﺘﻲ ﻻﺿﺮﺭ ﻓﻴﻬﺎ علي الوطن ولاتأدي إلي تفكيك نسيجه الاجتماعي، ﻭﻣﻦ ﺣﻘﻬﻢ ﻣﺰﺍﺣﻤﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎيجود به ﺍﻟﻮﻃﻦ، ﻭﻟﻜﻦ يجب عليهم توخي الحذر ﻣﻦ ﺍﻥ ﺗﺘﺤﻮل مطالبهم ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﻨﺎﺑﻞ ﻣﻮﻗﻮﺗﺔ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺮﺑﻮﻥ ﻭﻳﺴﺘﻐﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﺂﻣﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺯﻋﺰﻋﺖ أمن واسقرار هاذ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻤﺨﺘﻄﻒ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ عصابات ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﺳﺪﺓ وﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﻈﻠﻢ والحرمان ﺍﻟﺬﻱ يعاني ﻣﻨﻪ الحراطين وغيرهم من ﺷﺮﺍﺋﺢ ﻫﺬﺍ المجتمع المسكين
ولايخفي علي أحد منا كمواطنين موريتانيين ما عاناه إخوتنا من شريحة الحراطين في الماضي من مأساة الحياة وضنك العيش بسبب ظاهرة العبودية والإسترقاق، التي يشكك الكثيرون في شرعيتها في هذ البلد، وماعانوه من مخلفاتها التي لازالو يرزحون تحتها، وربما لم يعد الحراطين يباعون في أسواق النخاسة كما كانو في الماضي، لكن بالكاد أن يبعو هم أنفسهم بسبب الفقر والجهل
وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱ ﻣﻜﺎﺑﺮ منا ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻫﻞ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺰﺭﻱ ﻟﻸﺭﻗﺎﺀ ﺃﻭ ﺍﻷﺭﻗﺎﺀ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﺍﻃﻴﻦ ﺃﻭ ﺳﻤﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ، فهم في الحقيقة شريحة اجتماعية مسحقوقة يعاني ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ثلثيها من الفقر والتهميش والحرمان المتوارث، ولايسلكون طريقا للخروج من هذ النفق المظلم، ففتياتهم اللائ ﻓﻲ ﺭبيع ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻦ ﺗﻐﺪﻭ ﺯﻣﻴﻼهن ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﻳﺬﻫﺒﻦ ﻫﻦ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺃﺳﺮ ﻻﺗﺮحمهن ولاتحترم حتي إنسانيتهن ﻣﻘﺎﺑﻞ مبالغ ﺯﻫﻴﺪﺓ لاتسمن ولاتغني من جوع، ولاتتجاوز خمسة عشر ألف أوقية في أغلب الأحيان، وأما فتيتهم فمشردون ﻓﻲ أزقة الشوارع وعلي ﻗﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ يسألون الناس لايملكون مايسد رمقهم، ﻭفي مكاب ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ يبحثون عن المغتنيات التي رمي الآخرون، ﻭﺃﺣﺴﻨﻬﻢ حالا يعيش ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﺔ ينقل النفايات أو ﻳﺒﻴﻊ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، وأما الدراسة أو ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ فلايلقون لها بالا ولايعرفون لها طرقا،
ولايبدو للأسف الشديد أنها تلوح في الأفق القريب حلول جذرية لهذه الإشكالية، بالرغم من محاولة السلطة الموريتانية الحد من معاناة الحراطين من مخلفات العبودية والأسترقاق بإنشائها محاظر تدعي أنها نموذجية في الأحياء التي تسميها ب: "الأحياء الأقل حظا من التعليم" وهو ما يعني انها اقل حظا أيضا في الحياة، لأن لاحياة بلاعلم وتعليم، إلا أن هذه المحاولة علي (إجابيتها) لا ترقي إلي أن تكون حلولا جذرية يمكن الاعتماد عليها لحل هذه الإشكالية،
ومحاﻇﺮ الضرار هذه أو "المحاظر النموذجية" ﺃﻃﻠﻘﺘﻬﺎ السلطة الموريتانية ﻣﺆﺧﺮﺍ، زعما منها أنها إنصافا للحراطين أو "الأرقاء السابقين" وﺗﻀﻢ كل محظرة 30 ﻃﺎلبا ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ﻭﺍﻻﻧﺎﺙ وﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺢ ﻛﻞ ﻃﺎﻟﺐ 10 ﺁﻻﻑ ﺃﻭﻗﻴﺔ ﺷﻬﺮﻳﺎ ويمنح ﺍﻟﻤﺪﺭﺱ 100 ﺃﻟﻒ ﺃﻭﻗﻴﺔ كراتب شهري، وتدرس محاظر الضرار هذه أبناء شريحة الحراطين حصرا، مع أن الأحياء المحرومة هذه التي يسمونها بالأقل حظا من التعليم يقطن فيها الموريتانيون بكل ألوانهم وأعراقهم وكلهم محرومون من حقهم في التعليم والحياة، وهو ما سيزيد الشروخ ويكرس الأنقسام ويفاقم تنامي العنصرية والأحقاد بين المكونات الاجتماعية الموريتانية،
ولو افترضنا مع عدم واقعيتها أن المحاظر النموذجية ستنقذ كل محظرة 30 طالبا وعدد المحاظر النموذجية علي عموم التراب الوطني لايتجاوز 19 محظرة وطلاب هذه المحاظر لايتجاوزون 570 طالبا، فما مصير البقية الباقية من أبناء الأحياء الأقل حظا من التعليم؟ ولم تكون في موريتانيا أحياء شعبية تنعت من طرف الحكومة الوصية علي أمرها والمسؤولة عن حرمانها بأنها أقل حظا من التعليم؟
ولم لا تقوم الدولة الموريتانية بإصلاح التعليم وتعميمه !! والتكفل بالمصاريف الدراسية !! وجعل الدراسة إجبارية من المرحلة الابتدائية حتي اختتام المرحلة الثانوية، وبذالك سيستوي في التعليم كل المواطنين الموريتانيين قويهم وضعيفهم وغنيهم وفقيرهم وشريفهم ووضيعهم، بالإضافة إلي إنشاء دور رعاية عامة، لرعاية أطفال الشوارع وانتشالهم من الظياع والتيه وإنقاذهم من التشرد والتسرب المدرسي وحمايتهم من الاستغلال الجنسي والانحراف
ويبدو للأسف أن الواقع يقسو والدولة عاجزة والمحاظر النموذجية شكلية وتجميلية أكثر منها تعليمية، وبضاعة تسوق في الخارج أكثر منما تعالج مخلفات الرق والعبودية ويبدو للأسف الشديد أن نتائجها علي الأرجح ستكون عكسية، وستزيد من تفاقم الأنقسام وتكريسه، في شرائح الشعب الموريتاني التي عاشت قرونا من الزمن متمازجة كبياض العين وسوادها ومايجمعها أكثر بكثير منما يفرقها