اعتدنا أن يكون المنتخبين المحليين في موريتانيا - بشكل عام - عالة و عقبة في طريق منتخِبيهم، فهم غالبا يعتمدون في وصولهم للكرسي والمنصب (أي كرسي وأي منصب ) على أموالهم (داعميهم مثل حزب الاتحاد من أجل نهب الجمهورية و أمثاله ) التي يشترون بها ضمائر المواطنين مستغلين ضعفهم المادي وعوزهم الشديد، وفي حالتنا هذه والتي تنعدم فيها المشاريع الجادة يبدو الأمر أكثر تجليا و هذا وضع شائع ومعروف في المدينة.
إذا ما عدت بكم للوضع المشين للمباني المتهدمة المذكور في الجزء الأول فستجدون أني أشرت لترك أصحابها لها بتلك الصورة الفاضحة و اعتبرت ذلك تعبيرا صارخا لموت ضمير أصحابها الذين هجروها فإن كانوا قد توفوا فعلى ورثتهم الإهتمام بما تُرك لهم و العمل على تغيير تلك الصورة السلبية التي تتجلى لأي كان.
من ناحية أخرى تعتبر تلك المباني بوضعيتها مسئولية " المنتخبين المحليين " ممثلين في البلدية و مختلف القائمين عليها من العمدة إلى أصغر موظف فيها، فغياب الشكل الجمالي عن المدينة يضفي عليها منظرا كئيبا و مقززا يجعل المارّ منها أو الموظف المعين فيها ينظر إليها نظرة استهزاء و احتقار و ليس السبب فقط تلك المباني المتهالكة بل نتيجة لعوامل أخرى سيَرِد ذكرها لاحقا. فقد ذكر لي أحد الزملاء أن صديقه المعين هناك في وظيفة عمومية قد شكى له قبح منظر المدينة إضافة لضعف مستواها الإقتصادي وفوضوية مبانيها وتردِّي خدماتها، فهل يرضيكم ذلك المشهد، و ما هو الدور الذي بذلته البلدية في سبيل تغيير تلك الوضعية المحرجة ؟
إن من يعتبرون أنفسهم منتخبين محليين وبحكم السلطة الشعبية – إن تغاضينا عن طريقة وصولهم إلى منصب عمدة المدينة - التي أوصلتهم هناك يجب عليهم الضغط على أصحاب هذه المباني المهجورة حتى يقوموا بإجراء ما لتغيير هذا الشكل المقزز و ينبغي أن تكون لهم القدرة على إيجاد الطريقة الملائمة فقط.
ليس الوضع سيئا ولا بائسا من الناحية العمرانية فقط بل من نواحي كثيرة أخرى منها الإقتصادية والثقافية و الإجتماعية و السياسية، فبالمختصر هي ليست إلا بؤرة للصراع بين مجموعة من المواطنين الذين يدفعهم كثرة فراغهم إلى الخوض في أمور تافهة لا تقدم بل تأخر و كثيرا ما أدت بهم إلى التناحر والشقاق حتى أن الأخ ليهجر أخاه على مسائل لا تعود بأدنى فائدة على أي منهما.
من ناحية أخرى لا تعتبر وضعية شباب المدينة مغرية جدا، إذ كثيرا ما ضاع الوقت عليهم في اجتماعات صفرية أي أنها ليست ذات فكرة أو قيمة ملموسة باستثناء بعض الحملات النادرة لتنظيف المدينة فقط وتقتصر في غالبها على جزء أو جهة واحدة ولا تتكرر إلا نادرا، ناهيك عن استيائهم من بعضهم البعض واتهاماتهم الكثيرة بسرقة الدعم العمومي المقدم لهم – هذا إن وجد - ، أما غير ذلك فصراعات هنا وهناك و قابلية مخيفة على الانصياع لأي قادم يحمل كيس نقود أو يُحتمل أن لديه نقود. و من باب ذكر بعض الايجابيات لابأس بالإشادة ببعض المبادرات التي يعقدها بعض الشباب في نواكشوط والتي تتمثل في جمع مساعدات تقدم للمرضى من القادمين من هناك ولكنها لم تتطور و لم تنجز أكثر من ذلك.
إذا والحالة هذه، ماذا أنجزت البلدية، ماذا أعدت من مشاريع حيوية و تنموية، ماذا قدمت للمواطنين من مشاريع مدرة للدخل؟ و جدير بالذكر أن الحديث هنا عن مختلف أي عن كل العمد المتعاقبين على المدينة و ليس حصرا على أحدهم دون الآخر، و عليهم أن يدركوا أن الوضع تغير ولم يعد مناسبا ولا ملائما للتستر على تقصير أحدهم فالوضع المعيشي للساكنة رهن بما قد ينجزوه و هو فقط ما سيذكر لهم إذا ما فعل الزمن فعلته ودارت عليهم الدائرة و أصبحوا على الدكة كمشاهدين لا أكثر.
هذا و ستركز الحلقة الثالثة و الأخيرة على الجوانب الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية للمدينة وماذا أنجز وما قد ينجز للمساهمة في ذلك بالأخص موضوع العطش الذي يعتبر الشغل الشاغل للمدينة بالإضافة إلى الجانب المتعلق بالتعليم و إن كانت الوضعية الأخيرة تشترك فيها مع باقي المدن الموريتانية التي تشهد مستوى تعليميا متدنيا إلى أبعد الحدود.