تحتضن بلادي، في غيابي، المؤتمر الثامن لرؤساء المحاكم العليا في الوطن العربي. إنه حدث ذو أهمية قصوى إذا ما علمنا أن الأمر يتعلق برؤساء أكبر هيئة قضائية يتبع لها السلم القضائي برمته، مع أنها مكلفة بتوحيد الفقه القضائي بشأن تأويل القواعد القانونية...
إنكم رؤساء قضاء له مكانته المميزة بفعل القانون الأساسي الذي يحض على فصل السلطات.
إنكم رؤساء قضاء ينسق، من خلال رقابته، النشاط القانوني للهيئات القضائية التابعة، ومن هنا يسهر على وضع إدارة تسيّر عدالة جادة في كل بلد من بلدانكم على حدة.
إنكم رؤساء قضاء مهمته توحيد الفقه القضائي المنظم بفاعلية للنظام القضائي.
وبالنظر إلى مهمتكم كحراس للقانون، فإن محاكمكم، أيها الضيوف الأكارم، تساهم بشكل كبير، من خلال الفقه القانوني، في مواءمة النصوص القانونية التي صوت عليها المشرع، ومن ذلك المنطلق تقفون في وجه الانتهاكات القانونية.
إنها فرصة ثمينة لنشكركم على تشريف بلادنا باختيارها لاحتضان هذه الدورة، كما أنها فرصة سانحة لنتمنى لكم مقاما سعيدا بين ظهرانينا.
أنا على يقين أن هذه الدورة ستكون من أكثر الدورات نجاحا لأننا، تمشيا مع حسن ضيافتنا التقليدي، سنمنحكم، أيها الرؤساء، كمادة للتفكير والنقاش، حالة واقعية لعدالة متعطلة واقعة تحت رقابة سلطة تنفيذية قد تعتبر أي شيء سوى المكان المفضل لحل النزاعات.
فحسب دراسة مولها الاتحاد الأوربي، فإن 82% من مواطنينا يفضلون اللجوء إلى طرق بديلة للحسم في نزاعاتهم خارج المحاكم. وبسبب غياب الثقة، فإن 69% من بينهم يعتبرون أن الرشوة واستغلال النفوذ ينخران جسم النظام القضائي في موريتانيا، و70% منهم يعتبرون العدالة منحازة.
السادة الرؤساء، ليس لدينا في موريتانيا نظام عون قضائي، عكسا لمجمل بلدانكم، مما يعيق الولوج إلى العدالة والولوج إلى الحقوق، ومن ثم المساواة بين المواطنين.
والحقيقة، كما تعلمون سادتي الرؤساء، أن دولة القانون تتطلب إلزاما وحتما أن يتمكن كل المواطنين، مهما كانت حالة إمكاناتهم، من الولوج إلى العدالة، أي تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم والقيام بإجراءاتهم أمام المحاكم لتأكيد براءتهم، أو الدفاع عن شرفهم، أو على الأقل فرض الاعتراف بحقوقهم الشرعية.
أنتم تعلمون، سادتي الرؤساء، أن قضية العون القضائي لم تعد مطروحة اليوم في العالم، فالاهتمامات بشأنه منصبة على كيفية تحسينه، وكيفية توسيع دائرة المستفيدين منه، وكيفية توسيع المجالات التي يمنح فيها، وكيف يمكن تمويله.
السادة الرؤساء، تأتي زيارتكم في وقت تخضع فيه ذروة مجتمعنا للمتابعات القضائية التعسفية:
- 12 شيخا (واحد منهم مع أمر بالإيداع، و11 تحت الرقابة القضائية) تم توقيفهم أو تمت متابعتهم بسبب كونهم صوتوا ضد التعديلات الدستورية غير الواردة التي قدمت لاستفتاء رفضه الشعب على نطاق واسع، وفرضته السلطات، رغم ذلك، بالتزوير والقمع.
- صحفيون ونقابيون موقوفون ومتابعون لأنهم تناولوا رفض الناس لتلك التعديلات.
السادة الرؤساء، إن دورتكم تنعقد إذن في ظرف تتراجع فيه دولة القانون بشكل ثابت ومتنام في بلادنا، وبالتالي فلا شك أنكم لن تبخلوا في مدنا بما يلزم من التنوير والنصح والتوجيهات، وحتى التكوينات اللازمة في بلاد تصل فيها ميزانية التكوين في قطاع العدالة صفر أوقية.
مهما يكن، فإنني أتمنى لكم مقاما سعيدا في بلادنا التي أصبحت، أكثر فأكثر، رهينة الخوف بدل الأمل، والطغيان بدل الحقوق والمساواة والعدالة.