تعرف موريتانيا انتعاشا دبلوماسيا كبيرا في الفترة الأخيرة خاصة مع إعلان اعتماد سفير المملكة المغربية الجديد بنواكشوط –و العكس- في الأثناء كان رئيس الدبلوماسية السنغالية يُستقبل بالعاصمة ذاتها، فيما كان وفد وزير الخارجية الجزائري يفرغ من لقاء رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز ، هذا الحراك الذي تفسر الجهات الموريتانية ظاهره بأنها زيارات جيرة و صداقة ، لا يعكس حقيقة العكر الذي يسود فضاء شمال إفريقيا ،
فالجزائر التي تعلن إغلاق حدودها مع المغرب هي نفسها التي تسعى لاتفاق فتح معبر حدودي مع موريتانيا، إضافة سعيها الحثيث للحصول على موقف موريتاني جديد من قضية الصحراء، فيما المغرب الذي أصبح فاعلا قويا في الفضاء الإفريقي ما فتئ يعول على علاقاته التاريخية مع الشناقطة للحفاظ على موقف البلاد من القضية الصحراوية، في الوقت الذي يبد الجهد السنغالي للحفاظ على موريتانيا مصالح اقتصادية ليس آخرها بحر الغاز المكتشف و عشرات رؤوس الأضاحي إضافة إلى فتح الشواطئ الموريتانية .
في حين تُبْد موريتانيا أكثر واقعية في مطالبها حيث تسعى إلى شُل حركة رجل الأعمال ولد بوعماتو إضافة إلى عرقلة نشاط حركة إيرا التي تتخذ من السنغال مقرا لها ، و إن بقيت هواجس الإرهاب و النفط أكثر مؤشرات الاتفاق الموريتاني الجزائري الذي وصل حد إنشاء مجلس وزاري بين البلدين .
ما الذي يريده جيران موريتانيا ؟
تبدو الطموحات مختلفة من جيران الشمال إلى الجنوب ، فمع الدور الفرنسي الكبير في المجال الإفريقي ، فان السنغال ليس لديه الكثير من المطالَب التي تثير اهتمام حكام موريتانيا أو تضغط عليهم مع ضعف الدور الإفريقي للدولة الغرب إفريقية ، و التي تزداد انكماشا بسبب توسع التهديد الإرهابي و مع ذُلك شكل اكتشاف الغاز عامل قوة للسنغال ، و إن كانت هذه المساومة مساوية لحاجة السنغال إلى الصيد في المياه الموريتانية الملف الذي كثيرا ما مثل وسيلة ضغط على السنغال مع كل تحول سياسي في موريتانيا و اجبر السنغال على الاعتراف مبكرا بمختلف الانقلابات و الحكومات في جارها الشمالي. هذا إضافة إلى ملفات جانبية كتقسيم مياه نهر السنغال و الأضاحي التي تصدرها موريتانيا إلى السنغال و المبعدين بين الجانبين مع أزمات أخرى تراجع تأثيرها تدريجيا مع التفاؤل المستمر بمخزونات الغاز التي يملكها البلدين أو من المتوقع أن يملكها في الفترة القادمة .
و بالرغم من بقاء المغرب خارج القارة لفترة طويلة على الأقل تنظيميا و مؤسساتيا ، فإنها علمت دائما على كسب العديد من الأصدقاء و الحلفاء في القارة السمراء خاصة من خلال أبعاد إسلامية و اقتصادية حيث توسع الاستثمار المغربي في القارة بشكل كبير جدا ، كما حافظت على علاقتها الخاصة بموريتانيا منذ أيام ما يشبه الإقليم الواحد و وصولا إلى دولة المرابطين التي تحتفظ موريتانيا بجزء من تاريخها القيمي فيما تحتفظ المغرب بقاياها المادية التاريخية ، ولكن التداخل بين الجمهورية و المملكة يتخطى ذلك بكثير حيث وصل الجيش الملكي إلى مدينة ازويرات عاصمة الشمال الموريتاني للحرب ضد للبوليساريو ، للبوليساريو بالذات التي بقيت محور العلاقة بين البلدين حيث مثل هذا التحالف محور مصالح و مركز قوة العلاقات بين البلدين ، ومع أي تغيير في موقف موريتانيا من القضية الصحراوية تتغير بشكل جذري علاقاتها بالمغرب باتجاه مؤشر ذالك التغير . حساسية العلاقة بين موريتانيا و الصحراء التي أدخلت موريتانيا في حرب ضد قوات البوليساريو قصد استرجاع ما تعتبره جزاء منها ، مما دفع بالصحراء إلى الجزائر -الداعم الرئيس للاستقلال الإقليم – ومع ذلك فان مسالة الصحراء بقيت دائما هي مركز التحالف الكبير بين البلدين حتى موقف موريتانيا الذي سمته (الحياد الإيجابي ) ظل مهما دائما للمغرب الذي حرص على ود موريتانيا في مجموعة من الأمور عَل أكبرها الموقف من الصحراء فيما بقيت قضايا مكافحة الإرهاب و التهريب -خاصة مع اعتبار البلدين احد الممرات الدولية للمخدرات إلى أوروبا- إضافة إلى الأمن المشترك و المشروع المتمثل في الاتحاد المغاربي كل هذه المشاريع بقيت ثانوية بالمقارنة مع أهمية قضية دعم موريتانيا للموقف المغربي من القضية الصحراوية بل و محكومة هذه العلاقات بمدى انحياز موريتانيا لما هو مغربي بشأن الصحراء الغربية .
مع أن الجزائر أثناء و بعد العشرية السوداء اختلفت كثيرا عن الجزائر قبل ذلك ، فإنها عملت دائما على الصداقة الموريتانية من اجل القضية الصحراوية التي حولت العلاقات مع جارها المغاربي إلى جحيم و مع محاولات موريتانيا البقاء دائما قريبة جدا من الموقف المغربي فان علاقتها تحسنت كثيرا مع الجار الجزائري خاصة مع إنشاء مجلس استشاري و تبني نهج شبه محايد من القضية الصحراوية إضافة إلى توتر العلاقات بين الجزائر و المحتل السابق (فرنسا) في قضايا معروفة للكل .
هذا مع ملفات إقليمية أخرى كالإرهاب الذي يؤرق كل من الجزائر و موريتانيا بسبب حدودهما المفتوحة على الشمال المالي و الصحراء الكبرى التي حولت الدول الثلاث إلى اكبر ممر للمخدرات العالمية و مركز مختلف الجماعات المسلحة في المنطقة ، و هو ما فرض مستوى كبير من التنسيق الأمني و الحفاظ على مستوى من التواصل دون أن يؤثر وجود موريتانيا بشكل ايجابي في العلاقة بين الجزائر والمغرب الذين وصل التوتر بينهما حد إغلاق الحدود.
كان حديث الرئيس الفرنسي سهوا عن موريتانيا في لقاء مسجل و استغرابه من مواقفها الإقليمية إشارة إلى أن البلاد تعيش حالة تحول مصالحي مع جوارها الإقليمي و هو ما يعني عمليا مروقا إقليميا لموريتانيا ، و إن كان تحمس فرنسا لمنظمة دول الساحل و الوجود الأوروبي و الأمريكي المكثف في منطقة الغرب و الشمال الإفريقي يجبر دول المنطقة على البقاء خاضعة للإرادة الدولية التي يفرضها التفوق المالي و العسكري لشمال الكرة الأرضية على حساب جنوبها ، هذا مع ملفات تفرض التبعية المطلقة للجنوب الذي أصبح اكبر منابع التطرّف العنيف و بحاجة ماسة إلى المساعدة القادمة من الشمال ، فان أمل تنشيط المنظمات الإقليمية من قبيل المغرب العربي و تحالف دول الساحل و المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا يزيد من ضغط وقوة هذه الدول للتأثير و الحسم في قراراتها المصيرية و يخلي لها وجه التعامل المحلي مع مشاكلها و أزماتها الداخلية .