توصَّل الفقه الجنائي الحديث إلى نتيجة مفادها أنه كلما ازدادت القوانين عددا ازدادت أحوال البلاد سوءا وفسادا، وما من شك في أن تَعَالِي صوت الجمهور اليوم معلنا بأن علاج ذلك [السُّوء و الفساد] يستدعي سنَّ مزيد من القوانين أو تشديد بعض العقوبات، سيجعل تلك الحرية تعيش أسوا أيامها.
وعلى الرغم من كل ذلك فإنه لا يمكن التغاضي عن محورية القانون الجنائي كأداة هامة من أدوات الضبط التي تمارسها الدولة لحفظ الحقوق، مما يستدعي وضع منظومة
جنائية دقيقة ومتكاملة ترقَى إلى صَوْن تلك الحقوق، بواسطة التحيين والمراجعة كلما وجدت دواعي ذلك.
وليست منظومتنا الجنائية الحالية في منأى عن ذلك خصوصا إذا تعلق الأمر بالأمر القانوني رقم: 162.83 الصادر بتاريخ 09 يوليو 1983 ، الذي ادخل تعديلات جوهرية طفيفة على القانون رقم: 72.158 الصادر بتاريخ 31 يوليو 1972 المنشئ للقانون الجنائي الموريتاني ، تمثلت في "أسْلَمة" هذا القانون عن طريق تبنِّيه للشريعة الإسلامية؛ مضمونا، وإحالة [المادة:449]، لعدة دواعي منها:إضفاء مزيد من الأنْسَنَة عليها، و سد الثغرات، و الاختلالات التي تشوبها ،و لمِّ شتات المقتضيات الجنائية المتناثرة في القوانين الخاصة الأخرى، و مواءمتها مع المقتضيات الدولية الملزمة، وتقليص المقتضيات الجنائية الخاصة التي ألجأت إليها ضرورة العزوف أو التخوف من مراجعة هذا القانون.