هل بقاء شركة اسنيم مطلب اقتصادي أم سياسي؟ (ح1) / د.يربان الحسين الخراشي

خلصنا في مقالنا الماضي إلى أن صين في الوقت الراهن، وفي المستقبل ستكون بحاجة ماسة إلى تنويع مصادرها لخامات الحديد خاصة الخامات عالية التركيز، وهذا ما سيمنح بلادنا الفرصة في زيادة حصتها في السوق الصيني بل وحتى مضاعفتها عدة مرات، وكنا قد ختمنا المقال بطرح السؤال التالي: هل بقاء أسنيم مطلب اقتصادي أم سياسي؟ وقبل الحديث عن بقاء الشركة، ومستقبلها، سنعرج على مشاكلها، ونطرح السؤال التالي: أين تقع معضلة أسنيم؟

(1)
أسنيم  2009 إدارة من حديد
خلال عام 2009 كان العالم كله يعيش تحت تأثيرات الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى انخفاض أسعار المواد الأولية كلها بما فيها أسعار خامات الحديد، التي انخفضت بنسبة 33.5 % ،حيث بلغ معدل الأسعار لسنة 2009 حوالي ( 49.5 دولارا للطن) مقابل ( 75.1 دولارا للطن) لسنة 2008،  ورغم ذلك  حققت شركة أسنيم آنذاك رقم أعمال جيد، وتميزت إدارتها بمرونة عالية. وحسب التقرير السنوي للبنك المركزي الموريتاني لسنة 2009 فقد بلغ حجم  صادراتها من المادة الخام حوالي  10.4 مليون طن، وبلغت مساهمتها في ميزان المدفوعات 521.6 مليون دولار، وحسب نفس التقرير بلغ الدين الخارجي للشركة  في نفس السنة حوالي 138.8 مليون دولار، وهو ما يعادل نسبة 7.2 % من إجمالي الدين للخارجي لبلادنا آنذاك، هذا من جهة ومن جهة أخرى، وحسب التقرير السنوي للشركة لسنة 2009  الذي يحمل شعار "جهد متواصل – إدارة من حديد " فإن عدد عمال الشركة لسنة 2009 بلغ (4550) عاملا موزعين إلى  (254) إطار، و (2270)عمال مهرة، و(2026) عمال يدوين، بلغت كلفتهم السنوية حوالي 18.059 مليار أوقية، بما فيها  ( الرواتب والتأمين الاجتماعي  ومؤن التقاعد). ومن ناحية أخرى تميزت سنة 2009 بانتخاب رئيس جديد للبلاد، و تدشين نظام جديد انسلخ من النظام قديم.
(2)
أسنيم 2013 مضاعفة الديون الخارجية

تميزت سنة 2013 بإعلان الشركة عن برنامجها "النهوض"، وهو عبارة عن رؤية جديدة للشركة لدخول نادي الخمسة الكبار المصدرين لخام الحديد عالميا في أفق 2025م،  وذلك برفع إنتاجها إلى 40 مليون طن سنويا، ومن أجل  تحقيق هذا البرنامج ارتفعت ديون الشركة خلال 2013 إلى 693.9 مليون دولار، وهو ما شكل نسبة 20.8% من إجمالي الدين الخارجي لبلادنا آنذاك ، وذلك حسب التقرير السنوي للبنك المركزي الموريتاني لسنة 2013، وبحسب نفس التقرير بلغ حجم صادرات أسنيم لسنة 2013  حوالي 13.042 مليون طن وبلغت مساهمتها في ميزان المدفوعات 1.358 مليار دولار، وحسب التقرير السنوي للشركة لسنة 2013 ، الذي لا يحمل أي شعار، ويوحي لك من أول وهلة أن الشركة قد تخلت عن جدها واجتهادها، وتصميمها، وإدارتها الحديدية، واستبدلتها بإدارة عسكرية، فالحديد رغم قساوته إلى أنه مرن وقابل للي. حسب هذا التقرير، فإن عدد عمال الشركة لسنة 2013 بلغ (6331) عاملا موزعين إلى  (495) إطار، و (3050)عمال مهرة، و(2786) عمال يدوين، وبلغت كلفتهم السنوية حوالي 40.935 مليار أوقية،  بما فيها ( الرواتب والتأمين الاجتماعي  ومؤن التقاعد)، كما تميزت سنة 2013 بمرور سنتين على تعيين مدير عام جديد للشركة، واستقالة مستشاره المدير التجاري السابق لها، وكذلك تعيين رئيس مجلس إدارة جديد للشركة، وعشرات التعيينات من خارج أهل الشركة، و كذلك تدشين عملية تبادل المناصب في الوظائف الهامة في الشركة والتي ما زالت مستمرة حتى الآن.
(3)
كيف نشأت معضلة أسنيم؟
من أجل استجلاء حقيقة مشكلة أسنيم لابد أن نعود قليلا إلا الوراء وبذات سنة 2008، السنة التي أعلن فيها الكثير من المستوردين الكبار في السوق  الآسيوية عن امتعاضهم  الشديد من ارتفاع الأسعار، وعدم رضاهم عن نظام التسعير السنوي المتبع منذ 1980م، والذي كان يتم الاتفاق فيه على سعر معين خلال مفاوضات سنوية،  ويصبح بذلك هو السعر المحدد الذي يتعامل به طوال العام، هذا الامتعاض كان سببا في إتباع شركة ريو تينتو (RioTinto)  نظاما تسعيريا خاصا بها  لأول مرة سنة 2008 مدشنة بذلك بداية الأزمة، التي تطورت خلال 2009، وبالتحديد في مايو، حيث فشلت المفاوضات بين الصين والثلاثة المصدرين الكبار آنذاك (فالي ، ريو تينتو، بي.اتش.بي)، هذه الأزمة تمخضت في مارس 2010 عن إعلان العملاق العالمي فالي(Vale) البرازيلية عن اعتمادها لنظام تسعير جديد، و بعدها أصدر العملاقين ريو تينتو، و بي.اتش.بي اعتمادهما لهذا النظام.
ومن المفارقات المضحكة أن صحيفة الفايننشال تايمز( Financial Times  ) الذائعة الصيت، التي هرع إليها المطبلون لبرنامج النهوض، ونشرت في عددها الصادر بتاريخ: 10 أبريل 2014  تقريرا خصصت الجزء الأكبر منه للحديث عن هذا برنامج  كانت قد تابعت  قضية  أزمة نظام التسعير منذ بدايتها، ونشرت توقعات المحللين الدوليين التي تشير إلى أن تغيير نظام تسعير خامات الحديد سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعارها إلى معدلات غير مسبوقة، وهذا فعلا ما حصل خلال 2010 و2011.
 
فلو كان المخططون لبرنامج النهوض أعلنوا عنه بعد أحد التواريخ التي ذكرنا سالفا لكان برنامجا ناجحا من حيث التوقيت،
و لتمكنت اسنيم من الاستفادة من المرحلة الخاصة التي عقبت استبدال نظام التسعير.
  أما و الأسعار قد بدأت مساراها التنازلي، حيث بلغ معدل الأسعار السنوي سنة 2011 حوالي (170 دولارا للطن) وهو الأعلى وانخفض إلى (128 دولارا للطن) سنة 2012  لينهار مباشرة في السنة التي تلت الإعلان الرسمي عن هذا البرنامج، على الأقل يجعل القائمين على البرنامج لم يوفقوا في اختيار الوقت الملائم  لتنفيذ الشركة لخططها في زيادة الإنتاج اعتمادا على الديون والقروض. خاصة أنه مع بداية 2012 بدأ بعض المحللين الدوليين الحديث عن انهيار متوقع في الأسعار نتيجة
للبرامج والخطط المعلنة لدى الأربعة الكبار والتي تستهدف زيادة الإنتاج، و إغراق السوق الصيني بالمادة الخام  بغية إخراج مناجمها عالية تكلفة من المنافسة، وكذلك قطع الطريق أمام الصين في امتلاك مناجم خارجية خاصة في أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، التي هي أيضا عالية التكلفة نظرا لغياب البنية التحتية، وبعد المسافة عن الصين.


إن مضاعفة ديون الشركة التي قفزت من حوالي 138  مليون دولار سنة 2009 إلى حوالي 217 مليون دولار سنة 2010  ثم حوالي 640 مليون دولار سنة 2013 قبل وبعد الإعلان عن برنامج النهوض، وفي فترة بدأ العالم كله يتحدث فيها عن انهيار متوقع للأسعار  يجعلني أتساءل: هل كان هذا البرنامج مصمما للنهوض بأسنيم أولإيقاع بها؟ وحدهم الذين خططوا ونفذوا هذا البرنامج يستطيعون الإجابة على هذا السؤال .


معضلة اسنيم  تكمن في ديونها الخارجية، و التعيينات السياسية، وتبادل المناصب، والمشاريع الضخمة في الوقت الخطأ،  
وليست في انهيار الأسعار. فمن المعروف أن زيادة نسبة الديون الخارجية للشركة تأثر سلبا على أسعار أسهمها وتؤدي إلى صعوبة  مواصلة حصولها على التمويلات الخارجية، مما جعل الشركة تعتمد على الأرباح القليلة المتحققة في مواصلة برنامجها، و بالتالي تخفيض مقدار المبالغ المالية المرصودة  للصيانة و تحسين ظروف العمال.
  فانهيار الأسعار الذي كان متوقعا سنة2014، والذي لم تتخذ إدارة الشركة فيما يبدو إجراءات حاسمة لمواجهته  في الوقت المناسب لم يكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، الذي لم يعد قادرا على الوقوف بسبب الديون المتراكمة التي قيل أنها صرفت على مشاريع في غير وقتها تستهدف زيادة الإنتاج، وتحسين القدرة التنافسية. وحتى الآن وبعد مرور 4 سنوات على الإعلان عن هذا البرنامج لا تزال المشاريع المنفذة تحتاج هي الأخرى إلى برامج جديدة لنهوض بها، على سبيل المثال لا للحصر : الميناء معدني جديد الذي تم تدشينه في 25 يونيو2013 احتاج إلى مشروع جديد ينهض به، ألا وهو مشروع تجريف الميناء حتى يكون قادرا على استقبال السفن الكبيرة، وكذلك مشروع "القلب 2"  الذي كان من المفترض أن يرفع من قدرة سنيم  الإنتاجية بحوالي 30%، وفيما يبدو سيخفضها هذه السنة بحوالي 15 % ، فحتى الآن ونحن في نهاية أكتوبر، وإنتاج اسنيم لم يتعدى 10 مليون طن حسب بعض العمال العاملين في الشركة.

العمال الذين نفذوا أكثر من إضراب خلال السنوات الأخيرة للمطالبة بحقوقهم التي وعدتهم بها الحكومة في أبريل 2011، والحقيقة أنه لا يجب أن تنظر الشركة، والدولة من ورائها إلى العمال كتكلفة بل كرأس مال تستثمر فيه وبه حتى تعود رافعة الاقتصاد الوطني كما كانت، حيث كانت مساهمة الحديد في تكوين الناتج الداخلي الخام لسنة 2011 تصل إلى  24.09 % وانخفضت إلى 1.7 سنة 2015 ثم 5.5% سنة 2016، وحتى أيضا يشعرهذا العامل بقيمة تفانيه في العمل الذي انتج مساهمة في ميزان المدفوعات بقيمة  6.966 مليار دولار خلال الفترة مابين 2009 -2016 وذلك حسب تقارير البنك المركزي.

يتواصل إن شاء الله

1. نوفمبر 2017 - 7:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا