كانوا جميعا داخل المسجد..بين من يركع ومن يسجد..ثم تقاربوا في دائرة فريدة... تماما كطاولة مستديرة ... فتصافحوا تصافح الإخوان ... وتجاذبوا أطرف الحديث في ذا الأوان... فتحدثوا عن جماعات خرجت...في سبيل دعوة هونت ...إلى أقصى الشرق والشمال الموريتاني ... وجنوبه نشرا للهدي الرباني ... فقصوا من أخبارها وأين وصلت؟...وكم من نصرة لها قدمت؟... ثم عرجوا على ما خصهم به الكريم الصمد ... من نعم كثيرة لا تحصى ولا تعد ... وكيف كانوا قبل أن يهديهم؟ ... وكم من جرم ارتكبت أيديهم؟....
فقال أحدهم...وهو عظيم الشأن فيهم...إذ بذلك يوحي منظره المنير...فهو شيخ كبير...قد كلل هامته بعمامة بيضاء...وخضب لحيته بحنة حمراء... لقد كنت قبل أن يهدين الرحمان...في غواية وخزي مهان...إذ كان لي قرين سوء خطير...هدان إلى أنواع الجرم الحقير...وذات مساء أتان على عجل...يريد رفقتي إلى أمر جلل...فأجبت دعوته في الحين...من غير تردد مبين...فجئنا إلى منزل في أقصى الحي...فيه شباب قد مارسوا أنواع الغي...فقام أحدهم خطيبا...مبينا كل فسق تبينا....
وقال أيها الأتراب اسمعوا وعوا...وإذا وعيتم فانتفعوا...إنه من عاش سرق...ومن سرق ارتمق...ليل داج...في عاصمة العجاج...فاتخذوه لبوسا لكم...يقيكم بأس الشرطة المرتزقة...والدرك المحدقة...ولا تخافوا الحراس...فإنهم ضعاف نعاس...واعلموا أن القاعدة الأولى...والفكرة المثلى...تلك التي تقول...قولة صالحة لكل حول ...أن من لم يسرق لن يعيش...فاسرقوا كي توفروا الحشيش...فسطروها في الأذهان...واحذروا عليها من النسيان...وإياكم...ثم إياكم...أن تخافوا السجون... بل اسعوا لكي تسجنوا ففي السجن كل الفنون...فهو مدرستنا الفريدة...وكليتنا الوحيدة...فقد لبثت هناك بضع سنين...فيها تعلمت فنون التلصص والاحتيال وكل جرم مبين...لأن هناك مشايخنا الكبار...وأساتذتنا الفجار...ولم ينقصني شيء هناك...ففي السجن كل مناك...فيه الخمر بكل أصنافها...والمخدرات بكل أشكالها...بل إن أسف الوحيد...هو خروجي منه حيث لا أريد... بل عشيرتي تدخلت...وسيئا صنعت...فتمسكوا بتلك النصائح المفيدة...والحكم الفريدة .... قوموا إلى تلصصكم...يغفر الشرطي لكم...
فخرجنا...وكل باب كسرنا...وعدنا بخير وفير...تقاتلنا عليه تقاتل الحمير...وعشت على ذلك الحال...سنينا أمارس الغصب والاحتيال...ولا أعرف من الإسلام سوى اسمه...ولا من القرآن سوى رسمه...حتى أرد الله هدايتي...و إزال غوايتي...فدخلت مسجدا ذات مرة...من باب العادة والجرأة...فصليت مع الإمام...في سكون تام...وما إن انتهت الصلاة...حتى قام أحد الدعاة...وقال كما تعلمون...أيها المسلمون...أن الله جعل فوزنا... ونجاحنا...في هذه الدنيا الفانية ...والأخر الباقية...في شيء واحد...يبغضه كل جاحد...وهو امتثال أوامر الله جل علاه...واجتناب نواهيه التي فصلها من اصطفاه... حول هذا يا إخوان...سيكون كلام الدين والإيمان...فقام فتى الفتيان... خطيب هذا الزمان...فحذر وانذر...ووعد وبشر...فوصف لنا الجنة وصفا رقيقا...والنار وصفا دقيقا...وحال أهل القبور في قبورهم...خصوصا الفجار منهم...فخاف الناس خوفا ظاهر...وبلغت القلوب الحناجر...فارتعدت فرائصي مما قال... وقلت في نفسي أيغفر لي الكريم المتعال...فقام فتى آخر...بيده دفتر وقلم فاخر...وبدأ يستنهض الهمم والعزائم...ويشرح ما في الخروج من الفوائد والكرائم...وقال من يخرج أربعة أشهر نقدا...يجد أجرا كثيرا جدا...من يخرج أربعين يوما...في سبيل الله يكفى الهموما...من يخرج ثلاثة أيام...لا يهان فيها ولا يضام...ويلقى مغفرة من رب رحيم لا ينام...فاستعد الكثير منهم...وسجلوا اسما أهم...فرفعت يدي على خجل...فكبروا لذاك تكبيرا جلل...فسجلت أربعين يوما نقدا...وكتمت أمري جدا...زرت فيها معظم البيوت الإلهية...في البلاد الموريتانية...فيها أولدت من جديد...فخرجت شخصا آخر فريد...وفيها أدركت كم كانت حوبتي...فاجتهدت في توبتي...