منذ أزيد من شهرين، والوضع السياسي في التوغو يعيش على وقع الاضطراب، جراء الشد والجذب بين افور نياسينغبي الذائد عن حياض عرش ورثه، ومعارضة، تريد لنبتة التحول الديمقراطي أن تجد لها تربة بأرض لومي.
كسرت المعارضة جدار الصمت فجأة، حينما خرج الحزب الوطني الإفريقي، حديث العهد بالعمل السياسي في 19 أغسطس، مطالبا بإتاحة التناوب السلمي على السلطة، ليتسع الاحتجاج لاحقا، جغرافيا وحزبيا، حيث شمل مدنا أخرى غير العاصمة لومي، وارتفع عدد الأحزاب، ليصل 14 حزبا سياسيا.
في الواقع تريد معارضة التوغو وضع حد لنظام أسرة انياسينغبي القائم منذ نصف قرن من الزمن، فقد حكم اياديما نياسينغبي التوغو المستعمرة الفرنسية السابقة 38 عاما، لم يكن خلالها طريق بقائه مفروشا بالورود تماما، فقد تعرض البطل السابق في المصارعة لمحاولات اغتيال وانقلابات لم تسقط حكمه، لكنه لم يستطع مصارعة المرض طويلا، فتوفي في العام 2005، بعد أن أمضى أزيد من نصف عمره في السلطة.
وكثيرون هم القادة الأفارقة الذين يمضون أزيد من نصف أعمارهم في السلطة، ومنهم من شيعوا جنائز، تاركين خلفهم كراسي أرادوها غير متحركة.
لم يرحل السبعيني ياديما، الذي نفذ واحدا من أوائل الانقلابات، التي شهدتها القارة خلال مرحلة ما بعد الاستقلال، إلا بعد أن هيأ الأرضية - دستوريا - لنجله افور نياسينغبي، بتعديل دستوري أجراه 3 سنوات قبل رحيله، وبموجبه انتقلت سن الترشح من 45 إلى 35 سنة.
وجد خريج الجامعات الأمريكية في الاقتصاد والتسيير افور نياسينغبي الباب مشرعا أمامه بعد وفاة والده، فاختاره الجيش لخلافته، ليظل حكم أسرة نياسينغبي قائما، وانتخب الإبن الذي تولى عددا من الحقائب الوزارية في حياة والده، ثلاث مرات كان ٱخرها عام 2015.
وتتسع دائرة حكم الأسر، وتوريث السلطة للأبناء، لتشمل عددا من دول إفريقيا، ففي غرب القارة، مكث عمر بونغو 42 سنة على رأس السلطة بالغابون، وصنف بذلك گأصغر حاكم في إفريقيا، حيث وصل السلطة وعمره 32 سنة، وأحد أطول الحكام مأمورية بالقارة، حيث تجاوز أربعة عقود في الحكم. ظل عمر بونغو أونديمبا ممسكا بالسلطة إلى أن غيبته الموت عام 2009.
لكن حكم عائلة بونغو لم ينته بعد طي صفحة عمر، فبعد شهرين على رحيله، انبرى الإبن علي بونغو من بين أزيد من 30 ابنا وبنتا خلفها الراحل، ليحمل الشعلة، ويواصل الذود عن عرش الأسرة الموروث في قالب انتخابي.
انتخب علي بونغو المسلم المزداد بالكونغو ابرازفيل خلفا لوالده عام 2009، وجدد انتخابه عام 2016، لسبع سنوات أخرى، وقد أكملت الأسرة نصف قرن وهي في السلطة، ولا تزال تبحث عن البقاء لفترة أطول، وإن وقف جان بينغ وأنصاره بقوة في وجه استمرار حكم الأسرة، ومحاولة تحويلها إلى مملكة.
وفي وسط القارة الإفريقية تبرز جمهورية "الزائير" سابقا، الكونغو الديمقراطية حاليا، كمثال على حكم الأسر بإفريقيا، وتوريث السلطة للأبناء، فقد أسقط لوران ديزيري كابيلا عبر تمرد عسكري خاضه، موبوتو سيسي سيكو، وأمضى أقل من 4 سنوات في السلطة، حيث اغتيل على يد قائد حرسه، وتولى ابنه جوزيف كابيلا السلطة عام 2001، بعد أيام على وفاته، ولا يزال في السلطة بعد 16 سنة على رحيل والده، ورغم انتهاء مأموريته الدستورية عام 2016، وتواصل اندلاع الاضطرابات وأعمال العنف التي تشهدها البلاد، إلا أن حكم أسرة كابيلا لا يزال قائما، رغم مضي عقدين على قيامه.
ولعل من المفارقة أن هذه الدول الثلاث تشهد اليوم رفضا جماهيريا واسعا، يسعى لتقويض أركان الأحكام الأسرية، القائمة على التوريث، فشعوب القارة لم تعد تقبل عدم احترام الحكام لمأمورياتهم الرئاسية، فإما أن تلفظهم بصمت عبر صناديق الاقتراع، كما فعل الغامبيون مع يحيى جامي، وإما عبر انتفاض شعبية، كما فعل البوركينيون مع ابليز كومباوري.