مائة عام، والذاكرة الفلسطينية لا تزال تحتفظ بوعد إنشاء وطن قومي على أراضيها، مائة عام وٱرثر جيمس مصدر وجع مستمر لفلسطين التي تأبى الخضوع، وتتوارث أجيالها الصمود، والتضحية جيلا بعد جيل.
لا تزال فلسطين، المثخنة بالجراح، المتأوهة وجعا، تفتأ تذكر تمهيد بريطانيا لإقامة إسرائيل على أراضيها، بوعد مشؤوم، هجر السكان الأصليون على إثره عن أراضيهم،
وبعثروا في كل فج، دخلوا السجون، اساقطوا أشلاء، جرت الأنهر بدمائهم الزكية، ثكلت الأمهات أبنائهن، ترملت النساء، وتيتم الأطفال... تجرعوا كل مرارة، وما بدلوا تبديلا.
فبين ثنايا أقل من مائة كلمة، من وزير خارجية إلى عضو بمجلس اللوردات ولد الكيان المحتل، فنشأ وترعرع بأرض محتلة، عاث فسادا، قتل، سحل، دمر، لم يذر شيخا، ولا طفلا، لم يغادر صغير حق من حقوق الإنسان، ولا كبيره، إلا وتجاوزه في تحد سافر للمنظومة الدولية الداعمة له، وللأنظمة العربية المتمالئ معه الكثير منها سرا أو علنا، أو هما معا.
خذل المجتمع الدولي فلسطين الذائدة عن أرضها، المدافعة عن حقوق ديس ويداس عليها في اليوم أكثر من مائة مرة، لم يقم الفلسطينيون بعد دولتهم المستقلة، لكنهم على الطريق سائرون، باقون "ما بقي الزعتر والزيتون".
ينزف الجرح الفلسطيني المفتوح، كلما حلت ذكرى وعد مشؤوم، يروي قصته كل جيل لٱخر، ويوقد في كل فلسطيني الأمل من جديد، يبعثه على التحدي، والإصرار على أن لا تسقط الراية، حتى وإن أصيبت. تكبر القضية الفلسطينية مع كل مولود، فالمولود الفلسطيني يولد على فطرة حمل راية الدفاع عن الأرض، والحق، والضمير.
ففي مئوية وعد بلفور بعث ناشئة فلسطين بمئة ألف رسالة كتبت بعديد لغات العالم، تدعو بريطانيا لتقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني، ولعل الرسالة الأهم من الرسائل تلك أن أطفال فلسطين يرضعون لبان قضيتهم، وعليها يشبون ويترعرعون، يتعلمون بكل اللغات أن أرضهم وديارهم وأموالهم مغتصبة ومستباحة من قبل احتلال غاصب على مرأى ومسمع من الجميع.
مجازر، وعمليات تطهير عرقية، وإبادة جماعية وفردية يتعرض لها الفلسطينيون منذ إقامة دولة الاحتلال على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها، عام 1948، ثلاثة عقود بعد وعد بلفور.
لقد صمدت فلسطين ولا تزال، تشيع كل يوم مرتقين جددا، يأبون الخنوع للاحتلال، يذبون عن المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، ويواجهون خطر التهويد، والمسخ الثقافي والحضاري.
يريد الاحتلال أن يجعل الفلسطينيين غريبي السحنة واللسان في أراضيهم، لكن الثقافة أبقى منه، وأرسخ، والتشبث بالحق والتضحية من أجله، صخرة مقاومة تتهدم عليها كل ٱليات القمع.
لقد اعتبر عام 2017، الموافق لمرور قرن على وعد بلفور، عام الاستيطان بامتياز، ففيه أقام الاحتلال أزيد من 8 ٱلاف مستوطنة صهيونية على أرض فلسطين المحتلة، واعتبرت تلك المستوطنات الأكثر عددا منذ عام 1992.
رقم تفوقه بكثير أرقام من يستشهدون في سبيل قضيتهم، ففي كل يوم تشيع فلسطين طفلا، وشيخا، وامرأة، وشابة، وتحيي أملا جديدا في نفوس الباقين، يواجه الفلسطينيون الاحتلال بصدور عارية، وإيمان قوي، بأن النصر ٱت، وأن الأعداء مهما تكالبوا، وكثروا، فلن تخمد جذوة الدفاع عن القضية، لن يستسلم طفل، ولن يتخلف شيخ، ولن تزيد شباب فلسطين ذكرى بلفور إلا تمسكا بعرى الدفاع عن الأرض، والثقافة والهوية، والجغرافيا، والتاريخ... ففي فلسطين كل شيء يرفض الخضوع، ويأبى الخنوع.
تمتنع بريطانيا عن الاعتذار لفلسطين التي تولت كبر ما تعرضت له، وتتعرض له، وتواصل فلسطين الصمود في وجه ٱلة قمعية، لا تبقي ولا تذر، لكن مقاومة الاحتلال باقية، مهما اتسعت رقعة الاستيطان، ومهما طبع المطبعون وتخاذل المتخاذلون، فلسطين قضية تأبى الامحاء.