يعتمد المستثمرون بشكل أساسي في قراراتهم في الاستثمار في بلد ما علي التقارير حول مناخ الاستثمار التي تصدر سنويا عن البنك الدولي في ترتيب دوينكٌ بزنس Doing Business. و مع أهمية الاستثمار الداخلي، فإن المستهدف الحقيقي لتحسين مناخ الأعمال هو المستثمر الأجنبي.
و قد تقدمت بلادنا بعشر نقاط هذه السنة على هذا المؤشر، مقارنة مع السنة الماضية.
و رغم ذلك، فمن دواعي الاستغراب احتفاء الحكومة بالرتبة 150 من 190 التي حصلت عليها موريتانيا هذه السنة، و هي رتبة متدنية في فئة من دول تعرف تدهورا في كافة المجالات، من ضمنها الصومال، اليمن، إفريقيا الوسطى، جنوب السودان، سوريا، أفغانستان، جمهورية الكنغو الديمقراطية.. في الوقت الذي تقدمت على موريتانيا في هذا الترتيب كل "دول الجوار" (التي يروق للحكومة المقارنة معها)، بما في ذلك غامبيا.
و قد ذكر وزير الاقتصاد في المؤتمر الصحفي المنظم للاحتفاء بهذا الترتيب، بأن تقدم بلادنا كان بفضل "الإصلاحات الهامة" التي اتخذتها الحكومة.
وفعلا، لقد أصدرت الحكومة بعض النصوص و اتخذت بعض الإجراءات لتذليل بعض العقبات الملاحظة في تقارير السنوات الأخيرة، إلا أن هذه الإجراءات السطحية و الأوراق لا تكفي لتحسين مناخ الأعمال، فتحسين مناخ الأعمال، ممارسات و مسلكيات، تتوجب، فضلا عن التحفيزات و تبسيط الإجراءات الإدارية، تجنيد كل المصالح، بدءً بسفاراتنا في الخارج، التي عليها أن توفر المعلومات الضرورية حول فرص الاستثمار، فضلا عن المعلومات الأخرى الاقتصادية و القانونية ذات الصلة، وأن تسهل إجراءات التأشيرة والدخول للمهتمين بالاستثمار في بلادنا، مرورا بشرطة و جمارك الحدود، التي عليها أن تعامل المستثمرين (و الزوار بصفة عامة) بلباقة و احترام، وصولا إلى القضاء الذي يتوجب عليه أن يسرع الأحكام في المجال الاقتصادي و المالي و أن يحكم بعدالة و استقلالية، بعيدا عن الضغوطات السياسية، و اعتبارات الترقية و التحويل، و التقرب من السلطة التنفيذية. .
و على العموم، علينا جميعا، مواطنين، إدارة، قضاء، أن نتوقف عن اعتبار الأجنبي فريسة ننقض عليها لسلبها بكل الوسائل مما لديها من ممتلكات، و لا أعني هنا العامل البسيط القادم من دول جنوب الصحراء من أجل العمل (و الذي لم يسلم، رغم قلة ما لديه)، بل أعني المستثمر الذي أتى بماله و تجهيزاته للاستثمار و الإنتاج و خلق فرص عمل، من أجل التربح - طبعا - وللمساهمة في نمو البلاد، والذي غالبا ما يضطر بعد فترة وجيزة إلى الهروب بنفسه، بسبب هذه العقلية المشينة، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تُعد.
إن جلب الاستثمار يبدأ بحسن السمعة، و التجارب تتداول، خاصة في مؤتمرات الاستثمار العديدة.
و يجدر التنبيه هنا، أننا في منافسة غير متساوية مع دول الجوار، المغرب و السنغال، و هما دولتان سياحيتان، تستقبلان مئات الآلاف من الزوار سنويا، و لهما تجربة طويلة في الأساليب المناسبة لمعاملة الأجانب، و ليس من الصدفة ان يفضلهما المستثمرون على بلادنا لهذا السبب، من بين أسباب أخرى، ككفاءة الإدارة، و جودة البنية التحتية، و استقلال القضاء...
و بغض النظر عن الترتيب، فأحسن مؤشر على حسن مناخ الأعمال و الاستثمار، هو دخول مستثمرين جدد بصفة مضطردة. و من هذا المنطلق، على الحكومة أن تقدم سنويا لائحة من المستثمرين الجدد بالأسماء و الأرقام و القطاعات، دعما لما تدعي من تحسن في مناخ الأعمال.
و يُسمح للحكومة أن تعد في هذه اللائحة مصانع دقيق الأسماك الملوٌثة – مثلا- كريهة الرائحة ، التي تكاثرت في نواذيبو في السنوات الأخيرة، مع أن "الفضل" في جلب هذه الاستثمارات، كان للوسطاء المتنفذين والمستفيدين من تلك المصانع، وليس نتيجة ل"الإصلاحات" المتخذة.
و قبل جلب المستثمرين الدوليين و جلب المفقود، فأولى بالحكومة حفظ الموجود و علاج هجرة رجال الأعمال الموريتانيين إلى الخارج، التي أصبحت ظاهرة في ازدياد في السنوات الأخيرة، بسبب الحرمان من الفرص - رخص و صفقات - التي أصبحت حكرا على دائرة ضيقة، و ضغط الضرائب و ارتفاع أسعار الطاقة و ابتزاز الإدارة (جمارك، ضرائب، شرطة..)، و فساد القضاء..
فإذا كان مناخ الأعمال منفرا لرجال الأعمال الوطنيين، فما بالك بالمستثمرين الأجانب ؟