من قضايا النكاح وفقه الخلاف واختلاف الفتوى إلى فقهائنا المجددين والجامدين/ د.محمد المختار ديه الشنقيطي

من ما يروى عن الإمام مالك بن أنس الأصبحي، أنه كان يقول" لا يكون الرجل عالما مفتيا حتى يتقن ثلاثا: علم النكاح، وعلم الأيمان، وعلم الفرائض".

فاعلم النكاح علم محوري في حياة الإنسان، وقضاياه ومسائله مما تعددت فيها الأقوال وتباينت الفتوى فيه بين العلماء، ولا شك أن الكثير من تلك المسائل تحتاج اليوم إلى إعادة القراءة وتكيف التنزل لعموم بلوى تأثيرها وكثرة ما يتعلق بها من الحقوق والواجبات، 

وخاصة ما نرى اليوم من تلك الأكوام من أحكام الطلاق التي تخرج عن المحاكم يوما، وما يتبعها من ضياع للأسر وتشريد للأطفال، وترميل للنساء، وليست قضيىة الولي أو ولاية المرأة لنفسها، يا سادتي هي أكثرها تأثيرا وخطورة وخلافا بين العلماء، وإنما هناك جملة من المسائل الهامة والخطيرة في أمور النكاح تعادلها أو تتفوق عليها من حيث التأثير على النواة الأولى للمجتمع(الأسرة)، والمنافع العامة والمصالح الكلية للأفراد، وتباين أقوال العلماء وتنوعها، وحتى تعارض الفتوى فيها، طبيعة وحقيقة وحكما شرعيا ومن ذلك مثلا:

1- عدم وقوع أو اعتبار طلاق البدعة.

2 - عدم الإجماع بين العلماء على شرطية الشهود في النكاح.

3- عدم الاتفاق على وجود ومفهوم الكفاءة في النكاح.

4- صحة أو عدم صحة جواز الشغار .

5- وقوع الطلاق بثلاثة .

6- طلاق الأيمان والكنايات .

7-أن الطلاق لا يقع منه إلا ما كان صحيحا موافقا للسنة وهو المبين في قوله تعالى:  { يا أيها النبييء إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة...} الطلاق الآية:1

أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت مجاهدا يحدثه عن ابن عباس: في قو له عز وجل{يا أيها النبيء إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}، قال ابن عباس- رضي الله عنه- قبل عدتهم، صحيح سنن النسائي، ومصنف ابن أبي شيبة.

حدثنا عبد الله بن إدريس، ووكيع، وحفص، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود{فطلقوهن لعدتهن}، قال: طاهرا من غير جماع، قال الشيخ الألباني صحيح، من مصنف ابن أبي شيبة، وجامع البيان في تفسير القرآن للطبري .

قالوا(أحصيناه) حفظناه وعددناه، وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ويشهد شاهدين,

حدثنا إسماعيل ابن عبد الله، قال: حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر بن الخطاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"، صحيح البخاري.

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهر بن حرب وابن نمير- واللفظ لأبي بكر- قالوا حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد ابن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال" مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا"، صحيح مسلم.

وكان العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وغيرهم أن طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع، قال الألباني: صحيح من سنن الترمذي .

2-عدم وقوع الطلاق البدعي،- وهو كل صيغة أو حالة طلاق تقع مخالفة لصيغة وحالة طلاق السنة- لقوله- صلى الله عليه وسلم"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وقوله:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌ".

روي عن الإمام أحمد أنه قال وهذا: هو قول الإمامية، كما ذكر ذلك ابن القيم في زاد المعاد، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الفرق بين الطلاق الحلال والحرام)،  إنه قول المعتزلة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (جامع المسائل): إن القول بأن طلاق البدعةِ لا يَقَع هو أرجحُ القولين، وعليه يَدُلُّ الكتاب والسنة، وهو الموافقُ لمقاصدِ الشرع، وهو الذي يَسُدُّ بابَ الضِّرار والمخادعة والمكر، الذي أراده الله بأمْرِه بطلاق السنة، وبقَصرِه الطلاقَ على ثلاثٍ، وإلاّ فإذا قيل بوقوع طلاقِ البدعة كان الضرر الذي كان في الجاهلية من هذا الوجه باقيًا. فإذا قيل: إنّ الطلاقَ بعد الطهر لازمٌ أمكنَها حينئذٍ أن تكتمَ الحملَ إذا كانت زاهدةً في الرجل لئلا يرتجعها، وأن تكتمَ الحيضَ وتَدَّعي الحملَ إذا كانت راغبةً في الرجل ليرتجعها.

وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه [جامع العلوم والحكم] في شرحه لحديث:"من عمل عملا ليس عليه أَمرنَا فهو ردٌ": قال، قال الإمام أحمد في رواية أبي الحارث وَسُئْلَ عمن قال لا يقع الطلاق المحرم؛ لأنه يخالف ما أمر به فقال:(هذا قول سوء رديء) ثم ذكر قصة ابن عمر وأنه احتسب بطلاقه في الحيض.
وقال أبو عبيد: الوقوع هو الذي عليه العلماء مجمعون في جميع الأمصار حجازهم وتهامهم، ويمنهم وشامهم، وعراقهم، ومصرهم، وهي مجازفة في الدعوى  إجماع العلماء، وحكى ابن المنذر ذلك أيضا عن كل من يحفظ قوله من أهل العلم، إلا ناسًا قال من أهل  البدع لا يعتد بهم .

قال ابن تيمة في الفرق بين الطلاق الحلال والحرام الجزء رقم : 1، الصفحة رقم:482، قال:(الأصل الثاني) أن الطلاق المحرم الذي يسمى (طلاق البدعة) إذا أوقعه الإنسان هل يقع، أم لا ؟ فيه نزاع بين السلف والخلف، والأكثرون يقولون بوقوعه مع القول بتحريمه، وقال آخرون: لا يقع، مثل: طاووس، وعكرمة، وخلاس، وعمر، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطاة، وأهل الظاهر كداود وأصحابه، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد، ويروى عن أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وغيرهما من أهل البيت، وهو قول أهل الظاهر: داود وأصحابه،فتبين أن ادعاء الإجماع في غير محله، لكن منهم من لا يقول بتحريم الثلاث، ومن أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد  من عرف أنه لا يقع مجموع الثلاث إذا أوقعها جميعًا، بل يقع منها واحدة.
ولم يعرف قوله في طلاق الحائض ولكن وقوع الطلاق جميعًا قول طوائف من أهل الكلام والشيعة، ومن هؤلاء من يقول: إذا أوقع الثلاث جملة لم يقع به شيء أصلا، لكن هذا قول مبتدع لا يعرف لقائله سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وطوائف من أهل الكلام والشيعة، لكن ابن حزم  من الظاهرية لا يقول بتحريم جمع الثلاث، فلذا يوقعها، وجمهورهم على تحريمها وأنه لا يقع إلا واحدة.
ومنهم من عرف قوله في الثلاث ولم يعرف قوله في الطلاق في الحيض، كمن ينقل عنه من أصحاب أبي حنيفة ومالك.

وابن عمر روي عنه من وجهين أنه لا يقع، وروي عنه من وجوه أخرى أشهر وأثبت أنه يقع. وروي ذلك عن زيد .

وأما (جمع الثلاث) فأقوال الصحابة فيها كثيرة مشهورة، روي الوقوع فيها عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة،  وعمران بن حصين وغيرهم، وروي عدم الوقوع فيها عن أبي بكر، وعن عمر  صدرًا من خلافته، وعن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس أيضًا، وعن  الزبير، وعبد الرحمن بن عوف- رضي الله تعالى عنهم أجمعين-.
والحجاج والاعتماد عندهم في ذلك قائم على الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه وأبو داود وغيرهما عن طاووس، عن ابن عباس أنه قال:" كان الطلاق على عهد رسول الله- صلى الله تعالى عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر- رضي الله تعالى عنهما- طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب:(إن الناس قد استعجلوا أمرًا كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم) فأمضاه عليهم"  .
وفي رواية:"أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله- صلى الله تعالى عليه وسلم- وأبي بكر واحدة ؟ قال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم وأجازه " .
وقد قال قوم ألزموا بالثلاث المجموعة قالوا: لا يلزم وذلك هو مقتضى الشرع، واعتقدت طائفة لزوم ذلك الطلاق وأن ذلك إجماع، لكونهم لم يعلموا خلافا ثابتا، لا سيما وصار القول بذلك معروفا عن الشيعة الذين لم ينفردوا عن أهل السنة بحق.
وقال المستدلون:هؤلاء الذين هم بعض الشيعة وطائفة من أهل الكلام يقولون: جامع الثلاث لا يقع به شيء، هذا القول لا يعرف عن أحد من السلف، بل قد تقدم الإجماع على بعضه وإنما الكلام هل يلزمه واحدة ؟ أو يقع ثلاث ؟ والنزاع بين السلف في ذلك ثابت لا يمكن رفعه، وليس مع من جعل ذلك شرعا لازما للأمة حجة يجب اتباعها: من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، وإن كان بعضهم قد احتج على هذا بالكتاب، وبعضهم بالسنة، وبعضهم بالإجماع، وقد احتج بعضهم بحجتين أو أكثر من ذلك، لكن المنازع يبين أن هذه كلها حجج ضعيفة، وأن الكتاب والسنة والاعتبار إنما تدل على نفي اللزوم، وتبين أنه لا إجماع في المسألة، بل الآثار الثابتة عمن ألزم بالثلاث مجموعة عن الصحابة تدل على أنهم لم يكونوا يجعلون ذلك مما شرعه النبي- صلى الله عليه وسلم- لأمته شرعا لازما، كما شرع تحري المرأة بعد الطلقة الثالثة، بل كانوا مجتهدين في العقوبة بإلزام ذلك إذا كثر ولم ينته الناس عنه.
وقد ذكرت أن الألفاظ المنقولة عن الصحابة تدل على أنهم ألزموا بالثلاث من عصى الله تعالى بإيقاعها جملة، فأما من كان يتقي الله فإن الله يقول:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ }.
وقالوا: فمن لا يعلم التحريم حتى أوقعها ثم لما علم التحريم تاب والتزم أن لا يعود إلى المحرم- فهذا لا يستحق أن يعاقب، وليس في الأدلة الشرعية: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، ما يوجب لزوم الثلاث له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي إلزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه، وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله.
و (نكاح التحليل) لم يكن ظاهرا على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة أعيدت بعد الطلقة الثالثة على عهدهم إلى زوجها بنكاح تحليل، بل لعن النبي- صلى الله عليه وسلم-"المحلل والمحلل" و"ولعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه" ولم يذكر في التحليل الشهود ولا الزوجة ولا الولي؛ لأن التحليل الذي كان يفعل كان مكتوما بقصد المحلل، أو يتواطأ عليه هو والمطلق المحلل له، والمرأة ووليها لا يعلمون قصده، ولو علموا لم يرضوا أن يزوجوه، فإنه من أعظم المستقبحات والمنكرات عند الناس؛ ولأن عاداتهم لم تكن بكتابة الصداق في كتاب، ولا إشهاد عليه، بل كانوا يتزوجون ويعلنون النكاح، ولا يلتزمون أن يشهدوا عليه شاهدين وقت العقد، كما هو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وليس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في الإشهاد على النكاح حديث صحيح، هكذا قال أحمد بن حنبل  وغيره.
فلما لم يكن على عهد عمر- رضي الله تعالى عنه- تحليل ظاهر، ورأى في إنفاذ الثلاث زجرا لهم عن المحرم- فعل ذلك باجتهاده، أما إذا كان الفاعل لا يستحق العقوبة، وإنفاذ الثلاث يفضي إلى وقوع التحليل المحرم- بالنص وإجماع الصحابة- والاعتقاد، وغير ذلك من المفاسد، لم يجز أن يزال مفسدة حقيقية بمفاسد أغلظ منها، بل جعل الثلاث واحدة في مثل هذا الحال، كما كان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر أولى؛ ولهذا كان طائفة من العلماء- مثل: أبي البركات- يفتون بلزوم الثلاث في حال دون حال، كما نقل عن الصحابة، وهذا؛ إما لكونهم رأوه من (باب التعزير) الذي يجوز فعله بحسب الحاجة، كالزيادة على أربعين في الخمر والنفي فيه، وحلق الرأس، وإما لاختلاف اجتهادهم: فرأوه تارة لازما وتارة غير لازم.
وبالجملة: فما شرعه النبي- صلى الله عليه وسلم- لأمته (شرعا لازما) إنما لا يمكن تغييره؛ لأنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، ولا يجوز أن يظن بأحد من علماء المسلمين أن يقصد هذا، لا سيما الصحابة، لا سيما الخلفاء الراشدون، وإنما يظن ذلك في الصحابة أهل الجهل  والزيغ والضلال؛  كالرافضة  والخوارج  الذين يكفرون بعض الخلفاء أو يفسقونه، ولو قدر أن أحدا فعل ذلك لم يقره المسلمون على ذلك، فإن هذا إقرار على أعظم المنكرات، والأمة معصومة أن تجتمع على مثل ذلك، وقد نقل عن طائفة: كعيسى بن أبان وغيره من أهل الكلام والرأي من المعتزلة وأصحاب أبي حنيفة ومالك: أن الإجماع  ينسخ به نصوص الكتاب والسنة.
وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم: أن الإجماع يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذكر عنهم أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخا، فإن كانوا أرادوا ذلك فهذا قول منكر قد يجوز تبديل المسلمين دينهم بعد نبيهم، كما فعل النصارى واليهود .
3 – حقيقة الكفاءة في الزواج واشتراط تكافؤ النسب فيه:
من المعلوم في الشريعة الإسلامية أن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط؛ لأنهم من أب واحد وأم واحدة، وإنما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده، كما قال تعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وفي الحديث:«لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى» رواه أحمد.

الناس لآدم وآدم من تراب، قال العلماء ويتجلّى هذا المعنى في الخطاب الديني للمكلفين، كما في اجتماع المصلين على إمام واحد وإقامة الصف وسدّ الخلل فيه، وكذلك اجتماع الصائمين في صيامهم في زمن واحد؛ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وأيضاً اجتماع الحجيج بسمت واحد وزيّ واحد، كل هذا في صورة مشرقة للوحدة والمساواة والعدالة، لا فضل لأبيض على أسود، ولا لغني على فقير، كلهم أمام الله سواء إلا بالتقوى.
ولقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:"من ادعى بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم" فقال رجل: يا رسول الله؛ وإن صلى وصام؟ قال:"وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين المؤمنين؛ عباد الله" رواه أحمد وغيره.
وفي تصفّح لذاكرة التأريخ- لا سيّما عصر صدر الإسلام، وخصوصاً مع سيّد ولد عدنان- صلى الله عليه وسلم- نجد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أرفعَ الناس قد تزوّج بزينب بنت جحش بعد مولاه زيد، بل هو الذي زوّجها بزيد من قبل رغم أنها قرشيّة وأمها هاشميّة، وأشار النبي- صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس القرشيّة أن تقبل بنكاح أسامة بن زيد الذي قد استفاض أنه وأباه من الموالي ولا أحد أنصح لفاطمة من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث:"يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه" رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر. وأبو هند كان حجّاماً وبنوا بياضة أسرة من أسر الأنصار وهم أزديّون من أشرف العرب، وأخرج البخاري في التاريخ الكبير عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال، ومن المتقرر أن
عبد الرحمن زهريّ قرشيّ، وبلال حبشي عتيق لأبي بكر الصديق- رضي الله عنهم أجمعين.

وثبت عند البخاري وغيره عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس- وكان قرشيّاً ممن شهد بدراً قد تبنى سالماً- ولمّا كبر سالم أنكحه أبو حذيفة ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وسالم هذا إنما هو مولى لامرأة من الأنصار، ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ الناس وتساويهم في أنسابهم، ولهذا عمل الصدر الأول من هذه الأمة بقاعدة تكافؤ الناس في أنسابهم وإذا كان هذا حال الصحابة- رضي الله عنهم- الذين لم يعيروا للعرقيّة والقبليّة اهتماماً زائداً وخارجاً عن حدود الشرع فهل الذين يميّزون بين الناس على أساس العرق والنسب سبقوا الصحابة إلى خير؟!
ويجب على طالب الزواج أن يعلم أن للزوجة الحق في أن ترد من شاءت ممن تقدم لطلب الزواج بها ولا يجب عليها الموافقة على أحد بعينه ولو كان صالحاً وأنها لو ردت أحد من غير طبقتها لا تُلام على ذلك كأن تجد نُفرة طبيعية منه بسبب اختلاف العرق أو العادات والتقاليد ونحو ذلك ولكن بلا تحقير ولا تعالي على من تقدم لها، وعلى ولي الأمر أن يعلم أن لها الحق في اختيار من ترضى عنه، وعلى هذا فالمقصود في حقيقة حكم اشتراط الكفاءة في النسب في الزواج فيما لو كانت المخطوبة والخاطب يريدون الزواج مع عدم تكافؤ النسب، أن المعتبر هو ما قرره الشرع من قواعد وأصول التفاضل من جهة التقوى لا من جهة النسب؟.

4 – هل يصح أو لا يصح، وهل يفسخ إن وقع أو لا يفسخ، فالمالكية والشافعية يرون فسخه، والأحناف لا يرون ذلك .

وحجة الفرقين، حديث"أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن نكاح الشغار"، رواه ابن عمر وأخرجه الستة، وفي بعض الروايات عنه" لا شغار في الإسلام" أخرجه مسلم.

ومبعث الخلاف في علم الأصول: أن من يرى أن النهي يدل على فساد المنهي عنه حكم بفسخ نكاح الشغار، ومن رأى أنه لا يدل على فساده لم يحكم بفسخه .

وحقيقة القول عند المالكية: أن النهي عن الشيء إذا كان لحق الله تعالى، فإنه يفسد المنهي عنه، وإن كان لحق العبد فلا يفسد المنهي عنه.

والحجة في ذلك من حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- في النهي عن التصرية، فقال:" لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظيرين: إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر"، الحديث أخرجه الستة عن أبي هريرة، وفيه" فهو بخير النظيرين بعد أن يحلبها، إن رضيها امسكها وإن سخطها ردها وصاعا من التمر".

فقالوا إن كان النهي في حق الله تعالى، فإنه فاسد، كالبيع وقت النداء للجمعة، يفسخ، لأنه منهي عنه لحق الله تعالى، وهذا هو وجه تفرقة أكثر الرواة بين ما يفسخ من النكاح المنهي عنه بطلاق، وما يفسخ بغير طلاق، فإنهم قالوا: كل نكاح كان للزوج أو للزوجة أو للولي إمضاؤه وفسخه، فإنه يفسخ بطلاق لأن النهي فيه ليس إلا لحق من له الخيار، فالنكاح في نفسه منعقد ليس بفاسد.

وأما كل نكاح لا خيار فيه لأحد الثلاثة، بل يجب فسخه على كل حال، فإنه يفسخ بغير طلاق لأن الفسخ فيه ليس لحق أحد منهم، ولو كان الحق لأحد منهم لسقط الفسخ بإسقاطه حقه، فلما لم يسقط الفسخ بإسقاط أحدهم علمنا أن الحق فيه لله تعالى، فكان فاسدا غير منعقد، فلا يحتاج في فسخه إلى طلاق، لأن الطلاق إنما هو حل القد، وحيث لا عقد فلا حل، فهذه هي قاعدة المذهب المالكي .

 

10. نوفمبر 2017 - 13:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا