ملأ دنيا السياسة وشغل الناس، هذا الوزير المثير للجدل والذي صعد فجأة وأصبح من أقرب المقربين للنظام، حتى لقبه البعض بابن النظام المدلل ونقطته العجيبة التي تتفق فيها الموالاة والمعارضة،! من محصلية الضرائب وبقفزة حصان سنورية وقع في أهم وزارات البلد ولم يلبث أن أصبح لاعبا بقلعة، بعد أن ضُمَّت إليه توأمة وزارته، ثم تعززت الثقة به لدى رأس النظام لما كلفه بتنسيق حملة تغيير الدستور على مستوى العاصمة،،؛
كل هذا جاء بسبب مواصفات في الوزير جعلت الرئيس ينجذب إليه ويمنحه كل هذه الثقة، ربما هي عبقرية لدى الرجل جعلته يغوص في أعماق الرئيس ليكتشف رغباته وميوله ويجسدها هو في شخصه قولا وفعلا وسلوكا، أو هي كفاءات ولياقة سياسية تميز بها عن غيره،،؛ الرجل نفسه إذن هو من حجز لنفسه تلك المكانة المكينة الآمنة في قلب الرئيس وقالبه، وليس شيئا آخر كما تحاول الممارسات أن تقوله هناك على أرض مكطع لحجار، فالمحاصصة في الحكومة وإن عرفتها بعض المناطق الجغرافية والاجتماعية والطائفية في البلاد وأصبحت فيها كالسنة أو العادة بحيث لا يسقط وزير من بعض المناطق إلا وخلفه مواطنه منها، ولا يسقط وزير أو مسؤول من بعض الأعراق إلا وسُدَّ فراغه بنظيره منها، وأصبح الأمر طبيعيا، ووزراء المحاصصة ومسؤولوها معروفون في الحكومة ودوائرها ومؤسساتها المختلفة،، فبعض القبائل لا تخلو من تمثيل في الحكومة، وحتى أن بعض المسؤوليات أصبحت خاصة ببعض المناطق وببعض الأعراق! إنها محاصصة فعلا ولكنها خجولة وغير معلنة تمارس في مناطق خاصة بسبب خصوصية في تلك المناطق تعرفها جميع الأنظمة وتطبقها ضمانا للولاء وامتصاصا للتذمر والغضب ومحاولة لمحو خط الهامش الاجتماعي! أمر واقع، أعلناه أم أسررناه! لكن بعض الولايات سلمت منه وكأنها هي الراسخة في المواطنة والبقية مؤلفة قلوبهم، بالنسبة لولاية لبراكنة كبعض ولايات الوطن ولاية راديكالية لا تستطيع التعيينات ولا الزعامات السياسية المقرصنة ولا حتى الزعامات التقليدية جر ولائها للأنظمة بنسب يمكن التعويل عليها، وهذا أمر تعيه الأنظمة كثيرا وبالتالي إن عينت مسؤولين سامين من هذه الولاية إنما يكون هذا التعيين إما بسبب كفاءات الشخص المعين أو الحاجة إلى كفاءاته، أو هو أي التعيين جاء لكسر عناد جهة "معادية" معارضة ولمحاولة طمرها وترويضها وتقليم أظافرها، هذا على العموم، ومكطع لحجار بالذات من مقاطعات الوطن معروف منذ ميلاد الدولة بالحضور والممانعة والعناد ذلك لِمَا تضلَّع به أبناؤه من ثقافة وأفكار جعلت انقيادهم بالأزمة التقليدية ولبراكماتية الحديثة أمرا من الصعوبة بمكان، فكانوا من البؤر اليسارية المؤرقة للأنظمة، ولما بدأت أفكار اليسار في الذبول والانطفاء كانت قد جعلت الناس في مرحلة من الوعي يحسب لها حسابها، فأهل المقاطعة متعلمين في الأصل يمتهنون الفلاحة ولما تلاشت الفلاحة بفعل عوامل كثيرة رجع مجهودها على التعلم، فأصبح الاقتصاد هناك ثقافة بامتياز، فلا غرابة في هذا الخضم إذا اشرأبت أعناق الساكنة إلى التوظيف والوظائف السامية، ولا غرابة إذا حصلت على بعض ذلك!، غير أن هذا لا يجعل أي موظف سام عين من المقاطعة يحسب على أنه حصة لها، وبالتالي شهادة وفاة لطموحها المشروع في الصدارة والتميز والحضور، فيبدأ النظام بمَنِّه على الناس بفعل وسطاء وسماسرة سياسية استعذبوا الظل واكتفوا بنصيب القرب من الوزير، فهؤلاء، لا يفترون من ترويجه وحمد النظام عليه، ولو أن النظام لم يعينه أصلا على ذلك الأساس، لكن هؤلاء قدموه له هدية يسد بها الباب أمام أي تظلم صادر من تلك الجهة بخصوص التهميش، ويبدأ هو نفسه في تشكيل الولائج والأحلاتف وتقريب هذا وإبعاد ذلك، ويصدق فعلا أنه معين لهؤلاء القوم الذين يجب عليهم أن يطيعوه ويؤيدوه ويناصروه ويظهروا للنظام أنه فعلا مِنَّة ثمينة لا تعوض، يجب قص كل الرقاب المتطاولة لتعويضه لأنه الابن البار المصلح الجامع الذي ربتت يداه على كل كتف، ودخلت عطاياه كل بيت، وشملت تعييناته كل القرى والتجمعات، إنه الأب والأم والأخ، والوزير والنائب والعمدة، بل هو غيمة صبت ماءها على الأرض صبا، فأنبتت حبا، وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، متاعا لكم ولأنعامكم،،! إنها سياسة التدجين والتركيع والاستكانة والخنوع تنتهجها ثلة من المستفيدين من الوزير، أقنعوه بأنه معين للمقاطعة واقتنع هو بذلك فماتت المقاطعة في شخصه ولم يعد لها من الوجود إلا هو،! لسنا ضده كشخص، ولسنا ضدهم كأشخاص، لكننا ضد سياسة الاستحواذ والاقصاء والتهميش والاستقواء بمنصبه هو ووزنه في الحكومة والحزب لتمرير أجندة وفرض واقع لا ترضى عنه الساكنة والتي عبرت عن استيائها ـ ربما، ليس من سياسة الرئيس بل من سياسة واجهة تتصرف باسمه ـ في الاستفتاء الأخير، وإنها لعبرة لمن يعتبر في الوقت المناسب!.
إن مكطع لحجار مقاطعة علم وثقافة لمعت منذ استقلال الدولة وواكبت بالتعيين والتوظيف كل الأنظمة وعرفت جميع أشكال الوظائف، وتناثر أبناؤها داخل الوطن وخارجه معلمين وأساتذة وإداريين ومديرين وسفراء،، فكانوا نعم الممثلين ونعم السفراء،! فلا ينبغي اختزالها اليوم وقتل طموحها في شخص وزير، ثم إن الوزير مسؤول في نظام عينته كفاءاته وحضوره ومؤهلاته وليس منتخبا من الجماهير فلا ينبغي إخراجه عن طوره أو تحميله مالا يطيق.