لا مكابر ينكر أن الإسلام دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأنه الدين الوحيد الذي تمكن من جمع الناس وألف بين قلوبهم، وهي المعجزة التي لا يقدر عليها إلا الله وحده.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم النور المبين لكل من يهتدي بهديه ليصل الصراط المستقيم، وقد حمل المشعل من بعده رجال ونساء زكاهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فما زالت الأمة بخير وهي على هذا الحال..
إلى أن غير الناس وبدلوا واشتغلوا بالدنيا عن الآخرة،
وغرتهم الأماني، وربما استغلوا الدين لمصالح ضيقة فكان الجزاء من جنس العمل.. وفقا لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}
إن ما يقوم به الموريتانيون اليوم.. يساوي مساهمة في طمس هوية البلد وتخضيبا بلون الدم للتاريخ أمام عالم كان إلى الأمس القريب يهيب بشنقيط ومكانتها في نشر العلم والمعرفة..، وتبديل كل ذلك بشئ من متاع الدنيا مطيته الإلحاد والزندقة..العياذ بالله، وفي هذا الخضم تضيع رمزية شنقيط التي كانت مفخرة العالم الإسلامي أو المسلم لتسلم المصطلحات التي طالتها أيدي التخندق.
إن أكبر مشكلة سيواجهها المجتمع الموريتاني هي تحصين الأجيال القادمة من موجة الإلحاد الجارفة والمنظمة عالميا، في ظل الصراعات الطبقية، والوصاية الدينية ذات الجذور التاريخية، وهما عاملان يشكلان قوة جذرية دافعة للمساهمة في اعتبار الدين مصدرا لكبت الحريات والمس من الآخرين، وهذا ما يعتبر جرما في حق الدين، تجب على كل من يساهم فيه بشكل أو بآخر التوبة النصوح منه ومراجعة حساباته مع ربه..
فقد ثبت في صحيح مسلم مرفوعا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها" أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟ ، ثُمَّ قَامَ ، فَاخْتَطَبَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا " ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .
ولعل في هذا الحديث ردا على مقولات كذبت نفسها قبل أن يكذبها التاريخ، من قبيل: "فلان صالح أو فلان مجذوب أو هو طفل لا يؤاخذ.. " تبريرا لتصرفاته الطائشة وربما الظالمة والمخالفة للدين في إشارة إلى صلاح أسرته أو نسبها.. في مقابل تضييق الخناق على علان واعتباره لا خير فيه عالما كان أو جاهلا.. نظرا للونه أو تجعد شعره أو حرفة ربما ليس له فيها من الحظ إلا عمل الأجداد.. مما يذكي جذوة صراعات عفا عنها الزمن تؤخر ولا تقدم.. تؤذي ولا تنفع..، نتائجها لا تعدو التعريض بأسر وشرائح في ظل الصمت المطبق وغض الطرف عن آخرين..، إن كان جرمهم أعظم، والأصل أن لا خير فيهم جميعا وفي أحسن الأحوال وبعد خروج السهم من الرمح يذكر الشخص بذاته، والتعتيم عليه وتركه أولى..، وهو الوتر الذي يرقص عليه آخرون يتربصون بنا الدوائر..
إن المساهمة الحقيقية في قطع الطريق لكي يتوقف هذا السيل الجارف من أصحاب المفاهيم والأفكار المسممة دعاة الإلحاد والعلمانية..، تتمثل في الأخذ على يد الظالم كائنا من كان، بغض الطرف عن عرقه ولونه وقبيلته ومكانته..، في غيرية حقيقة للدين تتعالى على العلاقة والقرابة والانتماءات الضيقة.. والعمل بنصوص الكتاب والسنة والرجوع إلى الحق، إذ هو أولى من التمادي على ما عليه الناس اليوم من الباطل، ورفع يد الوصاية عن الدين من قبل البعض، وترك مفاهيم وعقليات أكل عليها الدهر وشرب.
فعالم الدين على ثغرة وهو مسؤول عن أمانته، وبقية الناس على مثل حاله مثقفين أساتذة مربين قادة رأي وسياسيين..
ولن يكون هذا إلى عند الأخذ بعين الاعتبار حالة الغليان الداخلي التي تعيشها الأمة الموريتانية وتحمل المسؤوليات كلا من موقعه والعمل لاستئصال الداء من جذوره وجلب الدواء من مصدريه الكتاب والسنة..