لقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك، أن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا قبول من أي وجه التهاون في شأنه عند كافة الموريتانيين، على اختلاف أطيافهم ومشاربهم، بل إن المسح المخابراتي، رغم منع الحق الدستوري في الاحتجاج سلميا، ورغم القمع العنيف الوحشي السيئ، إلا أن هذا المسح المخابراتي لخص المشهد، في بعض مصادره الجادة، وأكد للجهة الحاكمة، أن عرضه صلى الله عليه وسلم عند الموريتانيين لا مساومة عليه.
فبادر الرئيس بصورة شبه مباشرة، عبر المستشار احميده ولد اباه، إلى تأكيد استمرار اعتقال المسيء،
إلى حين البت في النقض والتعقيب على حكم استئنافية نواذيبو، لدى المحكمة العليا.
لكن السلطة المتغلبة في موريتانيا، ربما يدفعها خصومها بذكاء للوقوع في المحظور للخلاص منها بسهولة، عبر التساهل في عرضه صلى الله عليه وسلم كما وقع في نواذيبو.
فأغلب العلماء في هذا الباب، وربما ولوقعت التوبة فعلا، فعندهم لا تمنع من إصدار حكم القتل وتنفيذه، على المسيء لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز، الأقدس بعد الذات الإلهية.
فما صدر من حكم غير مناسب إطلاقا وغير مقبول، مهما برر البعض، عن علم أو غير علم، والسياق الداخلي والخارجي ومصلحة الحذر والاحتياط والوقاية، تدفع باختصار وإيجاز، لإصدار وتنفيذ حكم مشدد، مريح للقصاص لعرضه صلى الله عليه وسلم، ومحتاط بإيصال الرسالة الملائمة بشحنتها الكافية إلى أقصى حد، لردع بقية أهل الإلحاد المستترين، حتى لا يصبح أمر الدين وعرضه صلى الله عليه وسلم، مسرحا للتلاعب والقدح، لكل من هب ودب، من ذوي القلوب المريضة، وما أكثرهم، والعياذ بالله تعالى.
لا مساومة على هويتنا الإسلامية، بأي شكل أو أسلوب، مباشر أو غير مباشر، وإطلاق سراح المسيء خطأ قاتل لو حصل، في أي وقت، ومؤشر ضعف وتبعية، لا علاج له إلا استرداده وقتله فعلا وعيانا دون شفقة ورحمة، بحق من أساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عبر بعض التخرصات والخواطر المريضة الخاطئة الإلحادية، غير المؤسسة إطلاقا، إلا على الكفر والتجني من الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، الخاتم المبعوث بهذا الإسلام العظيم المفحم.
أما محاولة الإيحاء أن موريتانيا لابد لها من الركوع أمام الغرب لتسلم منه، فهذا غير صحيح ولا وجود له إلا في ذهن من يعاني منه لسبب ما.
إن هذا الغرب هو الذي استعمرنا، عبر فرنسا، ومنذ أن سيطر وهيمن على هذه البلاد، وحتى بعد استقلالها الشكلي، وهو ينهب بأسعار صورية ،خيراتنا على اختلافها، والمعدنية منها بشكل خاص، وما نتج لدينا في المحصلة، إلا التبعية والتفقير المؤلم المذل المهين، أما اليوم فآن لنا أن نفتح عيوننا وعقولنا إن وجدت.
وإن كانت سلطة عابرة مؤقتة، تنوي تعديلا دستوريا آخر، غريبا صعبا في حسابها أو في حساب غيرها، على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وربما تتنازل في المقابل بمستويات معينة لتمهيد الطريق لمأمورية ثالثة مثلا، فهذا لا يبرر عندي وعند غيري، مثل هذه المساومات المحتملة، سواء كانت ذات طابع ديني أو أخلاقي أو سياسي أو اقتصادي، أو دستوري بوجه خاص.
فحتى هذه المسألة المثيرة لو فرضها "اصنادره"، وأنا متأكد للأسف، حسب مؤشرات عدة، أنهم سيقدمون عليها، لكن المعني بها وبتمريرها أو رفضها، هو الشعب الموريتاني، وليس اللوبي "الحقوقي" الدولي النصراني أو اليهودي، ولا يعني هذا الأمر شعوب الغرب ولا حكوماته كلها.
فما لدى الغرب من مصالح عندنا، خصوصا في المجال المعدني والسمكي وغيره، حاضرا ومستقبلا، هو مجال رهاننا عليه، وليس العكس.
فقبل أيام قليلة أخبرت من قبل مصادر شديدة الإطلاع، أن المشرفين الغربيين، في مجال الاستخراج المباشر للذهب في الحوض المعدني على مستوى "كينروس" بتازيازت، اضطروا عند عثورهم على صخرة ذهبية خالصة صفراء.
نعم، وبحجم بيت متوسط، اضطروا لطرد كافة الأطر والعمال من الجنسية الموريتانية، إلى أن تمت عملية الاستخراج من العمق الأرضي وبآليات ضخمة، بعيدا عن عيون الموريتانيين، وكل المؤشرات والمعطيات تؤكد أن ما يستخرجون حقيقة، أكثر مما يعلنون ، وما يدفعون من ضرائب، لا يقابل سواء في mcm أو "تازيازت" ما يحصلون عليه من ذهب ومعادن أخرى، بالنسبة للأولى مثلا، وفي المقابل يبقى المستفيد الأقل وعلى الترتيب، الشعب الموريتاني والحكومة الموريتانية، بينما يرضى عدد قليل من العمال والوسطاء والمسؤولين الكبار، الاستفادة الرمزية من هذه المعادن الثمينة على حساب الشعب برمته، وحتى الجهاز الرسمي في أغلبه.
وعلى وجه العموم ،سواء اقترحت السلطات بطريقة مثيرة مخلة بالدستور، مأمورية ثالثة، فنجحت في فرضها بعد تجاذب حاد واسع مرجح، أو فشلت في ذلك التمرير، أو كانت لديها مشاكل أخرى، اقتصادية أو تمويلية أو غيرها، فإن طبيعة دولتنا الغنية ، ببعض المعادن والسمك وبغير ذلك من الاعتبارات الإستراتيجية والإقليمية والدولية.
أقول كل هذا، هو مجال الرهان والأخذ والعطاء، في سياق العلاقات الدولية، وليس مجال الهوية الإسلامية المقدسة والعرض النبوي الأعز الأغلى، بعد الذات الإلهية العلية.
وما حصل من تودد شبه صريح في هذا الشأن المقدس، بصورة رسمية أو غير رسمية، أو عن طريق القضاء أو غيره على رأي البعض، كل هذا إن كان حصل فعلا فيعتبر غلطا شنيعا.
لأنه أظهر أمر الهوية والعرض النبوي في سياق المساومة المباشرة أو غير المباشرة، وهو افتراضا بعيدا من ذلك، كما أظهر المسيء وفريقه وكأنهم أبطال أو أصحاب حق من أي مستوى، ونحن بصراحة لا نريد رضوان اليهود ولا النصارى ولا نريد ثناء المنظمات الحقوقية الغربية، على حساب هويتنا وعرض نبينا صلى الله عليه وسلم، وما صدر عن لجنة العفو الدولية المعروفة بالمعايير المزدوجة، كان مضللا ومغررا بامتياز.
إنما نريده بوجه خاص وبالدرجة الأولى هو رضوان الله والتمسك بالعروة الوثقى وصون عرضه صلى الله عليه وسلم وإقامة علاقات متوازنة مع الآخر، سواء كان موافقا جزئيا أو كليا، أو مغايرا جزئيا أو كليا.
أجل إقامة علاقات متوازنة مع هذا الآخر، بطريقة منصفة متبادلة، دون مساومة أو ضعف، أو تكريس أي مستوى من الاحتقار لرموزنا ومصير وطننا وشعبنا.
اللهم أرزقنا الإخلاص والثبات والقبول، وقنا شر فتنة ولد امخيطير، أعاذنا الله من حاله وحال أنصاره من أهل النفاق والزيغ، سواء كانوا من أهل الداخل أو الخارج.
ولا غرابة أن يدعو البعض إلى حرب "شرببه" أخرى، فما هذه إلا فتنة ربما أخطر، إن لم يتوحد الجميع بشأن الموقف السليم منها، شعبيا ورسميا، عبر إصدار حكم حازم على مستوى المحكمة العليا، وفي وقت قريب بإذن الله، يصون عرضه صلى الله عليه وسلم، بالتمام والكمال.
ومحصلة القول، موريتانيا قوية متماسكة ببركة إسلامها ومناصرة نبيها صلى الله عليه وسلم وبمسالمة وتدين شعبها على الوجه الصحيح.
وما سوى ذلك من الرهانات، لا معنى له ولا داعي له باختصار وإيجاز.
أما في قادم الأيام، فلتدر اللعبة السياسية الوطنية ،وفق الاختيار الشعبي والرسمي الداخلي، بالموالاة أو المعارضة، وبعيدا عن الرهانات المخلة، بالهوية الإسلامية وهيبة الدولة.
ولعله من الضروري الملح، أن تحسم الجهة القضائية المعنية أمر هذه الفتنة المدوية، المتمثلة للأسف البالغ في الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن السيل بلغ الزبى، ولقد أضحت للأسف البالغ، هذه القضية مصدر عدم استقرار وتحدي خطير للبلد وهويته الإسلامية، إن لم تتمكن الجهات المعنية بسرعة وعدالة ، من قطع حبل هذه النازلة المزمنة.
وأرحب بما صدر اليوم من تصريحات شبه مباشرة، تؤكد على عزم الجهة الرسمية ،على عدم إطلاق المعني وتمكينه من العدالة، لتبت على مستوى المحكمة العليا ،في أمر زيغه وإساءته الشنيعة، حسب ما ورد في تصريح المستشار الأمني لرئيس الجمهورية، كما أشرنا إلى ذلك سابقا في مطلع المقال،ونرجو أن لا تكون هذه التصريحات مجرد تهدئة وتسكين لخواطر كافة الموريتانيين، فالأمر جلل ومرتبط بإرضاء الله أو إغضابه، حسب نمط التصرف، ونرجو أن ترجع أي جهة معنية في هذا الصدد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن مسار المساومة على هويتنا وعرض نبينا محمد بن عبد الله، الخاتم ،عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
لقد ظل مسار التعامل مع القضية من حين لآخر وبقوة ،مشوبا بالتردد والمساومة، حتى وصل الأمر إلى إصدار حكم قضائي مثير، لا يتفق مع أغلب الفتاوى الصادرة في هذا الصدد، والمؤكدة أن التوبة لو حصلت ،لا تمنع حكم القتل، وبعد التطهير بتنفيذ الحكم، يدفن المعني في مقابر المسلمين، وإن قبل الله توبته، شفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجاوز عن ما اقترف في حق عرضه صلى الله عليه وسلم.
فالأمر يوم ذاك، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، مصيره بين يدي ربنا وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحسب مستوى جدية التوبة والأوبة عن الجرم الشنيع المقترف.
أجل للأسف البالغ، أظهر كثيرون من منافقي الداخل وكفرة الخارج ،مستوى كبيرا من استسهال المساس بعرضه صلى الله عليه وسلم، والتعاضد مع المسيء لنفسه، اللعين ولد امخيطير.
ولا داعي لتكرار غلط الاستهانة الداخلية والخارجية بعرضه صلى الله عليه وسلم، وإحراج وإخراج الشعب في غير ضرورة ملحة، فما لم تبادر الجهة المعنية إلى حسم هذه القضية، فقد يضطر الشعب للأسف لحسمها، ولن تتمكن أي جهة من إيقاف المعترضين على الإساءة لنبيهم صلى الله عليه وسلم، فما حصل بصراحة كان رسالة متوازنة مدروسة، وإن تم التلاعب بهذه القضية مرة أخرى، فربما على الأرجح ستخرج الأمور عن نطاق السيطرة.
فالمسألة حرجة بالمنطق الموريتاني العارم العام، ولا مجال للتخلي عن العقيدة وعرض خاتم النبوة، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وخصوصا أن الأمر في غاية الوضوح واتفاق أغلب العلماء، فلا أقل من إصدار الحكم بالقتل، قصاصا لعرضه صلى الله عليه وسلم، وحماية لهوية الأمة واحتياطا من الأخطر.
وإني متفائل بعودة كل المعنيين قضائيا ورسميا إلى رشدهم ،والتناغم مع هذه الفتوى الغالبة وتكريس الحق الأبلج ،على حساب أمنيات المنافقين في الداخل وأنصارهم من العتاة الكفرة في الخارج.
وهذه المسألة، كان الأجدر الأصوب، أن لا تكون محل تردد أو تساهل أو تأخير أو مساومة ظاهرة أو باطنة.
أما وقد حصل ما حصل من إصدار حكم استئنافية نواذيبو.
فإننا نقول، تبا وسحقا ،لكل من رضي بأي حكم، غير وافي بتمام الغيرة لعرضه صلى الله عليه وسلم، ومصلحة الحفاظ على الهوية ودين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ونرجو من الله أن يتوب كل من استسهل المساس من قريب أو بعيد بعرضه صلى الله عليه وسلم، حتى يتفق الجميع على إخراج هذا الموضوع كليا ،عن مجال المساومة، وتأكيد رضوخه للحكم الأحسن الأنسب المعروف لدى الجميع، والمبين الموضح آنفا.
وليتب في سويداء قلبه ودواخل نفسه كل من التبس بجزء كبير أو يسير، من استسهال المساس بعرضه صلى الله عليه وسلم، وأشهد الله أنني أمقت وأبغض كل من يستسهل المساس بعرضه صلى الله عليه وسلم، و أرجو من الله لهذا الشعب ولهذا البلد أن يظل على هذا النهج الإسلامي الظليل الأمين، بعيدا عن كل زيغ.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.