إن مِن سنن الله في خلقه أن أرسل إليهم رسلًا، يهدون ويبصرون الأمم. ومن سُنة الله عز وجل في الأمم السابقة أن الناس إذا دب إليهم الانحراف والضلال، وبدأوا يحيدون عن صراط الله المستقيم، أرسل إليهم رسولاً ، الي ان ختمت النبوة برسالة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لكن رحمة الله بهذه الأمة أن هيَّأ لها علماءَ ربانيين،
أخذوا بميراث نبيها عليه الصلاة والسلام قال تعالي ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾. فهذا التشريف العظيم ينبع من علمهم المقترن بالعمل، فهم ورثة الأنبياء، يرثونهم في العلم والعمل، يقتدون بهم في السروالعلن، يلتزمون منهجهم في الغضب والرضا، فيدعون مْن َّضل إلى الهدي ِّ ويصبرون منهم على الأذي ، في محارَبَة الظلم و البدَع والضلالات، والمُنكرَات والمُحدثَات، ليَميزَ الله بهم الخبيثَ من الطيبِ، والحقَّ من الباطِل، والصحيحَ من الزائِف. فأسمَى مقاصِدِهم إبرازُ الرؤية الإسلامية لكافَّة القضايا التأصيليَّة، والمُستجِدَّات العصريَّة، فيهدُون من ضلَّ إلى الهُدى، وأوجبُ الواجِبات عليهم بيانُ صحيح الدين، كما أُنزِلَ على سيِّد المُرسَلين عليه الصلاة والسلام ، يقول الله تعالي ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾. فالسلامة والأمان، والنفع والإحسان إنما هو في التبليغ وعدم الكتمان، قال الله جل في علاه لنبيه ومصطفاه محمد عليه الصلاة والسلام ﴿قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾.
فما نشاهده اليوم في مجتمعنا للأسف من إلحادا وسبا للعلماء وتطاول علي المقدسات وانتشارا للعنصرية هو نتاج عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والظلم واحتقار المسلم لأخيه المسلم، وتسفيهه له والتهوين من شأنه، فمظاهر العصبية متفشية في المجتمع الموريتاني فكثيراً ما تسمع تلك العبارات التي تخالف التعاليم الربانية والنبوية صراحة، بل وقلما تجد من يمنع أبناءه أو يزجرهم عندما ينطقون بكلمات أو يقومون بتصرفات تنم عن عصبية ينبغي أن نعلم نحن أولا ثم نعلم أبناءنا أن الإسلام قد ألغى وأزال تلك النظرة التي تجعل من اللون أو الجنس أو غيرها من الأمور مقياساً للمحبة والتعاون والتعامل الحسن والعدل، لذلك قال الرسول الكريم في حجة الوداع ﴿... يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... ﴾.، وليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحدا بنسبه ولا يذم أحدا بنسبه وإنما يمدح بالإيمان والتقوى ويذم بالكفر والفسوق والعصيان ، فالعنصرية هي التي اكتوى بها العرب في قديم الزمان واكتوى بها الغرب وذاقت الأمم قديماً وحديثاً ويلاتها، أزالها الإسلام وهدم بنيانها وأقام أعظم بناء وأعظم رابطة و هي الايمان قال تعالى ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (. فما كثرت الخلافات، ونبعت الأحقاد، واستغلها الأعداء ومروّجوا الفتن من اعداء الاسلام لدى ضعاف الإيمان الا عن طريقها ،فالعنصرية لم تدخلْ في مجتمعٍ إلا فرَّقته، وما نجحَ الشيطانُ في شيءٍ مثلما نجحَ فيها، شبَّ عليها الصغير وشاب عليها الكبير، وتبناها حُثالةُ المجتمع. تتجسدُ من خلال فلتات اللسان ونظرات العيون.
فعقيدةُ التوحيدِ تجمعُنا ودارُ الإسلام تُؤوينا،لا فخر لنا إلا بطاعةِ الرحمن،ولا عزةَ ولا كرامةَ إلا بالإيمان،ولن تقوم الأوطان وتعتز إلا حين يتآلفُ أهلها فيما بينهم وتذهب النزعات العرقية والفئوية بينهم.
فلا نجاة لنا مما نحن فيه من الضياع ، إلا بتطبيق وصايا رسولنا أحسن الناس خلقاً وخلقاً ، وعدلا ، وزهداً وتقوىً ، صلى الله عليه وسلم تسليماً مديداً كثيراً والسير على تعاليماته والتخلق بأخلاقه، هذا هو الطريق ولا طريق غيره.
يا سيدي يا رسول الله: من يقصد الدنيا بغيرك يلقها تيها من الأهوال والظلمات
الدكتور: محمد سالم